النتوقراطية.. نخبة القوة الجديدة وحياة ما بعد الرأسمالية ألكساندر بيرد وجان سوديرقفست-المؤلف277 :- الصفحات عدد -الطبعة الأولى 2001
الناشر: Routers Published by Pearson EducationHarlow 2002-
يقدم مؤلفا كتاب النتوقراطية (Netocracy) تصورا فريداً لعصر المعلوماتية، والآثار الاجتماعية والسياسية المتوقعة نتيجة لثورة تكنولوجيا المعلومات. الكاتبان هما السويديان ألكساندر بيرد المحاضر الجامعي والخبير في مجال الاتصالات الصوتية بواسطة الإنترنت والمؤسس لأكبر شركة تسجيلات صوتية في السويد، وجان سوديرقفست الكاتب والمنتج والمذيع التلفزيوني. ينطلق الكاتبان من أن الجدل الراهن بشأن مستقبل العالم، أو بحسب كلماتهما المستقبل الرقمي، أي المعتمد على شبكات الإنترنت وبرامج الكمبيوتر، يتسم "بجهل طفولي" محبط. فالكاتبان يرفضان نظرية أن الإنترنت سيعزز موقف الرأسمالية والديمقراطية عبر إشاعة المزيد من الحرية للتجارة والاقتصاد والأفراد عموما في مختلف نواحي الحياة. كما يرفضان نظرية أن بالإمكان السيطرة على الإنترنت من قبل الدول وأنه سيتحول لأداة كبت وسيطرة، ويطرح الكاتبان نظريتهما عن "النتوقراطية" بديلا.
وكلمة النتوقراطية (Netocracy) هي نحت من قبل المؤلفين، فالجزء الأول من الكلمة هو Net أو الشبكة (الإنترنت)، والثاني هو غزلٌ على منوال كلمات مثل الديمقراطية (Democracy) أو البيروقراطية (Bureaucracy)، ليخرج مصطلح جديد يعبر عن حقبة اجتماعية جديدة في تاريخ الإنسانية ستأتي فوق حطام الرأسمالية والديمقراطية.
عصر المعلوماتية: النتوقراطيةترتبط المعلوماتية بتطوير الكمبيوتر، على أن بدايات الكمبيوتر كانت تهدف إلى بناء ذكاء اصطناعي يتفوق على العقل البشري، ولكن ما أن بدأ ذلك يتحقق فعلاُ حتى حدثت استدارة لاتجاه آخر.
فرغم أهمية الكمبيوتر للباحثين وعلماء الرياضيات فإنه أصبح وبفضل الإنترنت يجسد ثورة الاتصالات. ومنذ أن أعلن مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس عام 1995 أن شركته ستركز على الاتصالات بدأ نمو مختلف لظاهرة الإنترنت وأثره في الحياة البشرية.
رأى البعض في الحاسوب وشبكة الإنترنت مجرد طريقة جديدة للقيام بأعمال تجارية واقتصادية تقليدية، وأن الشركات بدل استخدام الآلة الطابعة وخزانة الملفات تستخدم الآن الكمبيوتر. وآخرون قالوا إن المعلومات التي توفرها الشبكة ستكون حلا لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولكن ما يحدث الآن أمر أكبر من كل هذه التحليلات، فهناك حقبة عالمية جديدة، ستقوم تكنولوجيا المعلومات فيها بتغيير طرق ومبادئ تفكير وسلوك البشر وسنكون أمام اقتصاد وسياسة وأسرة وتعليم وحتى أفراد من أنواع مختلفة كلياً عما عرفه التاريخ.
اقتصاد النتوقراط
كانت كلمة معلومات (information) حتى النصف الأول من القرن العشرين دلالة على معلومة أو تفاصيل في كتاب مرجعي أو أرشيف ما، وغالباً ما تكون رقما أو اسما ما، وموظفو المعلومات كانوا عادة ذوي مرتبة متدنية (الأرشيف)، ولم يكن هناك ما يسمى نظرية المعلومات ولم تكن جزءا من تخصصات الإدارة، ولكن مع البدايات الأولى للكمبيوتر في الخمسينيات من القرن العشرين بدأت الكلمة تأخذ معاني جديدة. وحدث التطور الدرامي عبر استخدام الرياضيات وتحويل كل شيء إلى معادلة رقمية سواء أكان معادلة علمية وكيميائية أو نشيد أطفال.
وأصبحت الكلمة تعبر عن منتج قابل للتسويق تسرب لمختلف مناحي الحياة، وأصبحت وسائل نقل وتخزين المعلومات محور الاهتمام أكثر من المعلومة ذاتها، وبات يتم تصوير المعلومة على أنها حل جميع المشاكل في المجتمع، وبات من يسيطر على المعلومات يسيطر على قوة هائلة، ومدخل لعدد هائل من الأسرار وأصبح الاقتصاد يعتمد على بيع المعلومة، وأصبحت تكنولوجيا المعلومات هي التسلية والإعلام والسلعة الجديدة، وباتت شيئاُ فشيئاُ تحل محل كثير من مؤسسات المجتمع الرأسمالي السياسية والإعلامية والتعليمية، وبات الحديث عن حرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال لا معنى له مع تزايد التجارة الإلكترونية الواقعة تحت سيطرة النخب المتحكمة بشبكات الاتصال والمعلومات.
ومن أهم مزايا اقتصاد المعلومة أنه لا يقوم بالضرورة على بيع المعلومة أو حتى تحويلها لمورد دخل مالي، بل إن النتوقراطية ستمتاز بنوع من الاستثمار أو الاستهلاك "غير الاستغلالي" (imploitative) بمعنى أن النتوقراط قد يقررون الاستفادة من معلومة خاصة لمصلحتهم ومصلحة شبكتهم أو حتى متعتهم الشخصية حصريا وتبادلها في إطار نخبة ضيقة من النتوقراط في شبكتهم الخاصة دون أن يبيعوها أو يستثمروها على نحو يدر ربحا ماليا كما هي القاعدة في الرأسمالية.
توزيع القوة في المجتمع النتوقراطي تقود عدة عوامل النظام الديمقراطي وسيطرة البرجوازية الاقتصادية إلى نهايتهما، فمن جهة يلعب انتشار شبكات الاتصال الراهنة لصالح جماعات المصالح أو ما يسمى المجتمع المدني، وهذه الجماعات في واقع الأمر تلعب دورا يفقد الديمقراطية معناها الشائع بصفتها حكم الأغلبية. فبفضل القوة والتنظيم الذي تستطيع جماعة صغيرة منظمة أن تمتلكهما عبر وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثة، يمكنها أن تدفع بمصالحها إلى الأمام وتجبر السياسيين على تبني وجهات نظرهم وتقيمها للبرلمانات بغض النظر عن مواقف قطاعات اجتماعية أخرى، مما يجعل الحكم حكم أقليّات وجماعات مصالح لا حكم أغلبية. ولعل من نتائج هذا الوضع أنه بينما تنتعش هذه الجماعات المنظمة يتراجع اهتمام الجماهير بالمشاركة في الانتخابات العامة، فتتناقص هذه المشاركة تدريجيا في علامة على فقدان الاهتمام بالنظام برمته.ولعل الإعلام الجماهيري الرأسمالي يسهم في إضعاف النظام الديمقراطي، فالسياسة والسياسيون يوشكون على التحول إلى نوع من التسلية، فأخبارهم الشخصية وفضائحهم باتت مادة الإعلام المثيرة التي تشبع نهم القارئ لا تفاصيل القوانين والتشريعات، وهذا أعطى جماعات المصالح -لا سيما إن تعاملت مع الإعلام على نحو معين- الفرصة لبلورة مشاريعها الخاصة التي تلبي مصالحها وتمريرها عبر السياسي الذي أصبح يقيس كل تصرفاته بصداها الإعلامي المتوقع.من جهة أخرى فإن النظام الديمقراطي مرتبط بتطور الدولة القومية، والدولة القومية آخذة بالتحلل لعدة عوامل منها أن الحدود الطبيعية المهمة للحماية العسكرية تتهاوى أمام تغير معطيات الدفاع العسكري، وأن الإعلام الذي كانت تقوده الدول لتعبئة شعوبها ضد الشعوب الأخرى سقط بفعل الفضائيات ووسائل الاتصال العالمية، وبات الأفراد والجماعات من الأعراق والأصول والأديان المختلفة في دول متناثرة والجماعات ذات الاهتمامات المشتركة تقيم عالمها الخاص بها عبر الإنترنت على حساب التفاعل مع مجتمعاتها المحلية ودون الحاجة للعودة إلى مؤسسات الدولة أو عبرها.وإذا كانت الديمقراطية تقوم في جوهرها على تباين الآراء والدخول في عملية حوار للوصول إلى رأي من تلك الآراء، فإن الإنترنت أصبح يسمح بإعادة التجمع بين أصحاب الرأي الواحد داخل الدولة وخارجها وتسيير أمورهم بأنفسهم دون الحاجة للالتقاء بأصحاب الرأي الآخر، وهذا يتبعه تساقط العديد من أساطير الدولة القومية من مثل احترام شرعية الدولة والقيادة والموت لأجلها ولأجل سيادتها، كما حلت شبكات اتصاليّة محل الروابط القائمة على النسب والعائلة والألقاب. بل إن الإعلام الجماهيري ذاته يتشظى الآن وبدل الشبكات التلفزيونية والراديو الخاص بكل شعب أصبحت تتراجع أمام شبكات تبيع برامجها بالاشتراك وتقدم ما تريده شرائح معينة من المستهلكين كل حسب اهتمامه، ودون الالتزام بحدود الدول، مما يلغي تلك الأطر الإعلامية القومية. وكل هذا يعني تراجع قدرات مؤسسات الدولة لصالح شبكات الاتصال والمسيطرين عليها. وإذا كانت الشركات المتعددة الجنسية السابقة ترفع عادة أعلام دولها وتحتاج لرعايتها والتحالف معها فكانت رأس حربة دولها لاستعمار دول أخرى فإن الشبكات لا تحتاج ذلك، وتجاوزت حاجتها للدولة وبات من مصلحتها الظهور بمظهر عالمي (غير وطني). في عصر النتوقراطية يمكن رؤية هرم القوة في المجتمع منقسما إلى ثلاث طبقات، في قمة الهرم هناك مديرو الشبكات الرئيسية المسيطرون (curators)، وبقدر ما تكون كفاءة هؤلاء المديرون في إدارة شبكاتهم فإنها تجتذب أعضاء أكثر وتدخل في تحالفات مفيدة وتنتج معلومات مهمة ترتفع بمكانتهم. وسيحل هؤلاء محل الدولة في كثير من الوظائف، فقواعد الشبكة التي سيحددونها والتي هي غالبا غير مكتوبة ستحل محل الكثير من القوانين والأنظمة والأخلاق. وسلطة العقاب التي يملكونها هي الحرمان من عضوية الشبكة لمن يخالف تعليماتها، ولكن سيكون دائماً هناك فرص دخول شبكات جديدة. وفي هذه السياقات ستكون المعلومة هي عنصر القوة والحراك الاجتماعي داخل الهرم، وستكون المعلومة الأهم تلك التي لا تباع بل يستفاد منها، فهم سيستثمرون معلوماتهم مباشرة وما سيبيعونه المعرفة الناتجة عنها، أما المعلومة التي تباع ويشتريها الرأسماليون فهي غالبا ما تكون مستعملة تم الانتهاء من استثمارها، أو ذات فائدة قصيرة المدى ولا يمكن بالتالي أن تشكل قيمة حقيقية. وكثير من الشبكات المفتوحة الآن ستصبح مغلقة مقصورة على أعضاء معينين، ولن يبقى مفتوحا من الشبكات إلا ما يحتوي قمامة المعلومات. وستتحدد المكانة الاجتماعية للفرد بحسب قدرته على التوصل إلى معلومات جديدة، ويرى المؤلفان أن مصطلحا اجتماعيا جديدا قد يبرز هو الانتباهيّة (Attentionalism) وأنه قد يكون أفضل من مصطلح المعلوماتية (Informationalism) ويقصدان بذلك أن الفرد سيدخل نطاق شبكات النخبة إذا أوجد معلومة تستحق انتباها معينا لقيمتها الكبرى في بناء الشبكات، ومدى بقائه هناك رهن بإيجاده معلومات انتباهية جديدة أو باحتمال أن يقدم الجديد منها.
أيدولوجيا النتوقراطيةفكرة هذا الكتاب في المجمل تقوم على أن هناك قوانين تاريخية ومراحل تمر بها الحياة كما هو الأمر في فكر هيغل وماركس وحتى فكر الكنيسة، وأن هناك عناصر تتصارع في هذه الحياة دون توقف وتنتهي بدخول البشرية مرحلة جديدة، وأن المعلوماتية -أو مجتمع النتوقراطية- ستكون زلزالا تاريخيا لا يقل حدة عن قدوم الرأسمالية في أعقاب الإقطاع. وفي هذا السياق يطرح مؤلفا الكتاب العديد من الفلسفات التي انتشرت منذ القدم لمحاولة تفسير التاريخ ابتداء من أفلاطون والفكر المسيحي وحتى فرانسيس فوكوياما ونظريته عن نهاية التاريخ. ويقسم الكاتبان كل هذه الأفكار إلى فلسفتين الأولى هي ما قد يمكن ترجمته إلى الفلسفة الشمولية أو الكليّة (Totalism) والثانية هي الحركية (Mobilism). وإذا كان سقراط وآدم سميث وغيرهم من مفكري المدرسة الأولى فإن فكر هيريكوليس عند اليونان ثم نيتشه وميكافيلي وإسبينوزوا وديفد هيوم وفوكو وديليوز يجسد المدرسة الثانية. والفروق الرئيسية بين المدرستين أن الشمولية ترى في أن الإنسان مركز الكون وأن هناك توازنا طبيعيا ونظاما تلقائيا محيطا به ويجسد الحالة المثالية للكون لذا يجب المحافظة عليه وصياغة العلاقات الاجتماعية بما يلائمه. أما الفكر الحركي فيرفض التسليم بمركزية الفرد ويرى أن الفرد يتعرض لمؤثرات من مختلف الجهات، ولكن هذه المدرسة ترفض جمود أو مثالية الطبيعة وترى إمكانية تطويرها كما وتؤمن بأن لا حدود للفكر وللاكتشاف وأن طبيعة العلاقات الاجتماعية يجب أن تتغير من وضع لآخر. وإذا كان الفكر الشمولي هو الذي وسم أغلب الفترات التاريخية السابقة فليس بالضرورة أن الفكر الحركي سيكون سمة عصر النتوقراطية ولكن بالتأكيد لن يكون الشمولية، فهناك حاجة أكثر قسوة ثقافيا وعلميا وسيحتاج أمانة وإقداما أكبر للتعامل مع ما ستكشفه البحوث عن طبيعة بشرية وبيئية مختلفة عما تم ترويجه مطولاً.
خالد فياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود