الأحد، 20 يناير 2013
العنف السياسي ...مخاطر على الادارة السلمية للصراع
تابعنا في الفترة الاخيرة بدايات لعنف عشوائي قاده بعض الصبية في شارع محمد محمود وذلك عشية الاحتفال بذكرى شهداء هذاالشارع في العام الماضي والذين قتلوا نتيجة لاستخدام العنف المفرط من جانب قوات الشرطة، وقد امتدت احداث العنف العشوائي هذه لتشمل حرق مقر قناة الجزيرة مباشر مصر ، احد اهم منابر الثورة المصرية منذ انطلاقها في الخامس والعشرين من شهر يناير 2010 ، ولم يقتصر الامر على ذلك بل امتد ليشمل بعض المنشآت العامة الموجوده في شارع محمد محمود ويوسف صديق ، ومع بداية ليل يوم الخميس الثاني والعشرين من نوفمبر ، بدات امور اخرى تتغير على الارض فقد اعلن السيد رئيس الجمهورية د. محمد مرسي اعلانا دستوريا جديدا واتخذ بعض القرارات الهامة التي راى فيها تحصينا لمكاسب واهداف الثورة من عبث البعض خاصة بعض القضاة المحسوبين من وجهة نظر البعض على النظام السابق ، وهو الامر الذي فجر موجه من الغضب من جانب بعض القوى السياسية المحسوبة على الثورة وواخرى محسوبة على النظام السابق بالاضافة الى بعض مؤسسات الدولة مثل المؤسسة القضائية ، وقد اختلفت اسباب كل طرف في الاعتراض ، فالقوى المدنية رات في هذا الاعلان تكريس لسلطة استبدادية ، في حين راى اتبارع النظام السابق انه سيفتح عليهم جبهة سبق وان اغلقت وهي اعادة المحاكمات ، ورات المؤسسة القضائية ان في ذلك انتقاص من هيبتها بعد ما ظنت انها انتصرت في تراجع مؤسسة الرئاسة عن قراراها قبل ذلك بتعيين النائب العام سفيرا لمصر في الفاتيكان ، ومع اختلاف كل طرف في اسباب اعتراضه اختلفت ايضا اليات التعبير عن هذا الاعتراض ، فهناك من طالب بالعصيان المدني واخرين طالبوا بالتظاهر السلمي وطرف ثالث طالب باضراب القضاة ، الا انه مع هؤلاءوهؤلاء ظهر طرف رابع قرر ان يستخدم العنف في ادارة عملية الصراع السياسي مع الدولة وراوا فيما حدث في شارع محمد محمود في الثلاث ايام السابقة على الاعلان الدستوري نموذجا مثاليا لما يجب ان يكون عليه رد فعلهم ، فذاد الهجوم على مقر وزارة الداخلية ،,وامتد الامر ليشمل محاولات من جانبهم لاقتحام مقر مجلس الشورى حيث مكان انعقاد الجمعية التاسيسية ،كذلك تم حرق بعض المنشآت العامة مثل مدرسة الليسية احد اقدم المدارس في مصر ، وبدات بعض المجموعات المنظمة في محافظات مصر المختلفة في الهجوم على مقرات الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ،وهي الاعتداءات التي يبدو انها كانت استجابة في جزء منها لدعوات بعض الثوار الى حرق مقرات الاخوان اسوة بما حدث في ايام ثورة 25 يناير عندما قام بعض الثوار بحرق مقرات الحزب الوطني الحاكم في مصر آنذاك ووصل البعض في تبريره لهذا المنهج العنيف الى القول انه كما كان الاعلان الدستوري الذي اصدره رئيس الجمهوية استثنائي فكذلك هو العنف ايضا استثنائي ، ثم امتدت عمليات العنف بعد ذلك لتطال بعض الرموز السياسية من الطرفين فتعرض النائب السابق ابو العز الحريري لاعتداء قيل انه من جانب عناصر اخوانية في مدينة الاسكندرية، كما تعرض المحامي حمدي الفخراني صاحب قضية مناجم السكري الشهيرة لذات الاعتداء في مدنية المحلة ، ومن الجانب الاخر تعرض الصحفي الاخواني قطب العربي لاعتداء من جانب بعض المعارضين للاعلان الدستوري المكمل في ميدان التحرير ، وذات الامر تكرر مع الدكتور حسن البرنس القيادي في حزب الحرية والعدالة ونائب محافظ الاسكندرية .
وهكذا تدور دائرة العنف ويخرج الجميع اسوأ اسلحة المعارضة وهو سلاح العنف والذي لم يستخدم باي حال من الاحول في ايام الثورة العظيمة الا كرد فعل يوم جمعة الغضب ويوم موقعة الجمل . ولكن المثير للانتباه هو رد الفعل الاخواني المتحفظ عن اي تصعيد ، فقد خرج بيان من حزب الحرية والعدالة في الاسكندرية وهو اولى المقرات التي تم حرقها ليؤكد ان ما حدث تم ومقر الحزب خالي من اعضاءه حيث كانوا في مظاهرة تاييد لقرارات الرئيس في قصر الاتحادية بالقاهرة ، واكدوا انهم لديهم القدرة على الرد ورد الصاع صاعين على حد قول البيان الا انهم ابدا لن يستخدموه ، ولكنهم في ذات الوقت لن يسمحوا بتكراره مرة اخرى . ويبدو ان جماعة الاخوان المسلمين تدرك الشرك الذي اعد لها فهناك من يجاول استفزازهم من اجل ان يدفعهم دفعا للعنف وهنا تكون الفوضي الشاملة والتي قد تدفع الجيش دفعا الى التدخل وانهاء حالة الانقسام المجتمعي الحادة وتولي الحكم وهو ما يبدوا ان البعض يتمناه باعتبار انهم يدركون ان نار العسكر افضل مرات من جنة الاخوان .
ان الوضع الان في الدولة المصرية على المحك فاما ان تسير الدولة في اتجاهها الذي رسم لها من اجل اقامة ديمقراطية المؤسسات بصياغة دستور جديد للبلاد وانتخاب برلمان قوي او ننتظر فترة ليست بالقصيرة حتى يهدا الشارع ويبدا كل طرف في البحث عن مخرج عقلاني للازمة قد يكون البدء من نقطة الصفر ، ولكن في كل فان الرهان على سلمية الصراع بين الاقطاب السياسية المتنافسة قد بدا يتراجع امام دخول لغة العنف والتي يبدو ان ما يحدث في هذه الايام هو مقدمة لدائرة عنف لن ينجو منها احد وخاصة ان حدود البلاد مستباحة لمهربي السلاحي والذين نجحوا على ما يبدو من تهريب كميات كبيره منه الى الدولة المصرية وصارت الاطراف المسلحة داخل الساحة السياسية تقترب من الدخول المباشر والقوي الى حلبة الصراع وهو ما قد يهدد مصير الدولة المصرية ذاته ويدفعنا دفعا نحو النموذج الليبي في الصراع.
فرغم ان معظم التجارب العالمية في التحول الديمقراطي قد مرت بالعديد من الصراعات السياسية ووصلت احيانا الى حد صناعة المؤامرات والنقد الجارح والهدام ، الا ان ذلك غالبا ما يكون جزء من الادارة السلمية للصراع اثناء عملية التحول الديمقراطي وهو ما يميل معظم علماء الاجتماع السياسي الى توقعه باعتباره جزء من حالة السخونة السياسية التي تمر على البلاد الخارجة للتو من مرحلة ثورة شعبية ، ويزداد هذا الصراع سخونة في حالة عدم تبلور قوة سياسية معينة قائدة للثورة وخضوع معظم المواقف وردود الافعال السياسية للاجتهادات الشخصية والرؤى الفردية والتي تكون غالبا تنقصها الكثير من الخبرة والحنكة السياسية . الا ان الخطورة على عملية التحول الديمقراطي تاتي غالبا من تحول هذا الصراع السلمي الى صراع عنيف تخرج فيه القوى السياسية المختلفة اسلحتها المادية كما هو متوقع للحالة المصرية حاليا ، والليبية منذ بدء الثورة على نظام القذافي . وخطورة هذا النوع من الصراع كونه يحتكم الى القوة بمعناها المادي فيصير توازن القوى السياسية غير محكوم بما يملكه البعض من قبول داخل الشارع بقدر ما يصبح انعكاس لما يملكه كل طرف من اسلحة تستطيع ان تحقق اكبر قدر من الخسائر الدموية في الطرف الاخر ، وهنا مكمن الخظر على اي ثورة شعبية حيث عادة ما لا يستطيع طرف حسم الامر لصالحه بشكل كامل وهو ما قد يضطر المؤسسة المنظمة الوحيدة في الدولة والتي تمتلك بحكم الدستور والقانون القوة بمعناها المادي الى التدخل لحسم الامر لصالح بقاء الدولة في حد ذاتها وهي في الحالة المصرية المؤسسة العسكرية ،ويبدو لي ان بعض القوة السياسية تريد بالفعل ذلك وهو ما ظهر من تصريحات بعضهم ،من خلال جر البلاد الى سلسلة من العنف والعنف المضاد تجد المؤسسة العسكرية نفسها مضطرة الى التدخل لحفظ الامن واعادة الامور الى نقطة الصفر مرة اخرى حيث لا رئيس منتخب ولا سلطة تشريعية او حتى قضائية ، واعتقد ان الطرف الذي يمتلك التواجد الفعلي في الشارع سيحاول قد الامكان منع هذا الامر بشتى الطرق من خلال محاولة تجنب تصعيد العنف مع بعض القوى المحسوبة على الثورة .وما المبادرات والتفاهمات التي بدات تظهر مقدماتها في الافق الا مقدمة لهذه المحاولات لوقف مسلسل العنف الذي لن يجنى منه خير الا هؤلاء المتربصين بالوطن والذي يستكثروت عليه عودة مصر القوية مرة اخرى الى محيطها العربي كما كانت في عهود سابقة .
قــــبول الآخر
حين الحديث عن التنوع والتعددية في الحياة الاجتماعية والإنسانية، دائماً ما يتم تداول مفهوم “قبول الآخر”. وهو مفهوم يمتد ليتناول طبيعة العلاقة بين المختلفين والمغايرين دينيا أو قبليا أو عرقيا أو مناطقيا أو حتى نوعيا.... الخ وهو مصطلح يقصد به أن لكل ذات إنسانية ذات إنسانية أخرى، ومن خلال تحديد معنى الذات، يتحدد بطبيعة الحال نوعية الآخر.. فإذا كان الحديث بعنوان ديني فإن الآخر هو كل من ينتمي إلى دين آخر،وهذا ينطبق على مقولات القومية والعرقية والمناطقية والنوعية، فالآخر يتحدد من خلال تحديد معنى الذات والاعتراف به في صورته الأولية يعني الاعتراف بوجوده وكينونته الإنسانية وبحقوقه الآدمية بصرف النظر عن مدى القبول أو الاقتناع بأفكاره أو قناعاته العميقة أو الشكلية،فلا يمكن لأي إنسان أن يدعي الاعتراف بالآخر وهو يهدده في وجوده وكينونته الإنسانية،فالذي يعترف بالآخر لا بد أن يحترم وجوده، وكل متطلبات حياته الإنسانية، لهذا فإن مفهوم “قبول الآخر”، يناقض بشكل تام، مع استخدام وسائل الفرض لإقناع الآخر أو دفعه إلى تغيير قناعاته، حيث ينبغي القبول به كما هو، بعيدا عن الخلفيات الأيدلوجية أو القومية أو الدينية. فلا يمكن أن ينسجم هذا المفهوم مع أساليب الفرض والدفع بوسائل مادية لتغيير المواقف الأيدلوجية أوالفكرية وتبديلها. فـ”القبول بالآخر” في صورته الأولية، يعني احترام حياته الإنسانية وكينونته الذاتية ومتطلباتهما.
وقد يحاول البعض في سياق الحديث عن مفهوم “قبول الآخر” أن يحدد بعض الشروط ،إلا أن عادة ما يعني ذلك أن يتخلى الآخر عن ما هو عليه كشرط لقبوله. وهذه من المفارقات العميقة، والتي تكشف رفض الكثير من الناس لهذا المفهوم. فليس مطلوباً من أحد أن يتخلى عن قناعاته من أجل أن يقبله الطرف الآخر. فللجميع حق رفض قناعات الآخر والتعبير بوسائل سلمية عن هذا الرفض ولكن ليس من حقهم تهوين آو تهويل أو تشويه القناعات والأفكار،كما لا يجوز أن يطلب من الآخر تغيير قناعاته كشرط لقبوله. فـ”قبول الآخر” لا يلغي الحق في امتلاك وجهة نظر نقدية عن أفكار وقناعات الطرف الآخر. ولكن في ذات الوقت فإن مقتضى مفهوم “قبول الآخر” القبول به كما هو يريد وليس كما يراد له.
فـ”قبول الآخر” ينبغي أن يقود إلى التعايش الذي يضمن حقوق الجميع بدون تعد وافتئات من قبل أي طرف على الأطراف الأخرى، إلا أن ذلك لا ينبغي أبداً أن يترك لأهواء العامة يتحدثون عن قيم “قبول الآخر” دون أن يمتد ذلك لتطبيق هذه القيم في الحياة المعاصرة. لهذا فإن وجود مبادرات مؤسسية وطنية وقومية لحماية حقيقة التنوع الديني والمذهبي والقومي والنوعي يعتبر أحد المداخل الأساسية لصيانة وحفظ الأمن الوطني وتعزيز قوته وسد الثغرات التي قد ينفذ منها الخصوم الحقيقيون للوطن والذين يعملون على تحقيق أغراضهم ومصالحهم الخاصة. فـ”قبول الآخر” لا يحتاج إلى الخطب الرنانة والمواعظ الأخلاقية المجردة، وإنما يحتاج لوقائع ميدانية ومبادرات مؤسسية تستوعب جميع أطياف الوطن وتحمي تنوعه بقانون وإجراءات دستورية. إن الاعتراف والإقرار بثقافة التسامح و”قبول الآخر” والاعتراف به هو أمر جيد ومقبول نظرياً ولكن يجب العمل من أجل ترسيخ قيمة هذه الثقافة وتطبيقها في الحياة اليومية بشكل يعود بالفائدة على الجميع دون استثناء.
إن ممارسة ثقافة “قبول الآخر” المختلف عنا إذا أُحسن إدارتها والتعامل معها، فإنها تزيد أي مجتمع قوة وثراء على مختلف الأصعدة والمستويات. وفي ذات الوقت فإن وجود توترات وأزمات في طبيعة العلاقة بين هذه المكونات لا يعني أن المشكلة هي في طبيعة التعدد والتنوع، وإنما في طبيعة الخيارات السياسية والاجتماعية والثقافية التي أوجدت تصنيفات حادة بين أهل الوطن الواحد تحت عناوين ويافطات دينية أو مذهبية أو قومية أو عرقية. فالسبب الجوهري الذي أدى إلى بروز توترات بين أبناء الوطن والمجتمع الواحد هو في الخيارات المستخدمة مع هذه الحقائق. فخيارات القتل والإرهاب والاستئصال تفضي إلى توترات أفقية وعمودية بين جميع مكونات المجتمع العرقية والقبلية والمذهبية والنوعية. أما خيارات الحوار والحرية والتسامح والمساواة وصيانة حقوق الإنسان واحترام خصوصيات جميع الأطراف، فإنها تفضي إلى نسج علاقات إيجابية بين جميع الأطراف والمكونات وبناء استقرار سياسي واجتماعي عميق في المجتمع، علاقات لا تهدمها عواصف السياسة ومتغيرات الراهن، بل تزيدها صلابة ووقوفا بوجه كل المؤامرات التي تستهدف تفتيته وضرب وحدته الوطنية. والاعتراف بحقيقة التعدد والتنوع في الفضاء الاجتماعي والثقافي، وتوفير مقتضيات ومتطلبات حمايتها، هو الخطوة الأولى في مشروع إنهاء التوترات الاجتماعية وصيانة الأوضاع الداخلية. فمطلب التجانس الوطني بين جميع الأطراف لا يتحقق بالعنف ورفض الآخر، وإنما من خلال ثقافة تحترم التعدد وتدافع عن مقتضياته وخيارات سياسية تقوم بعملية الاستيعاب والدمج انطلاقا من مفهوم المواطنة وبعيدا عن النزعات الضيقة التي تحول دون بناء فضاء وطني مشترك وجامع.
نحو مفهوم وطني للديموقراطية
قد يكون من الصعب الأن على العديد من القوى السياسية انكار الديمقراطية او التحجج بكونها لا تصلح كنظام حكم الا انه ينبغي أن يوضع في الاعتبار اهمية اقلمة هذا المفهوم بالشكل الذي يلائم بيئتنا واولوياتنا الوطنية،مع الوضع في الاعتبار أن الديموقراطية التى نعنيها هى فى الجوهر تلك التى جربتها البشرية وطمحت لها فى دول كثيرة من دول العالم،وأنها تنبنى على خبرات مشتركة بين مختلف الشعوب وليست شيئا يتم تعريفه لأول مرة ولا هى مفهوم يؤخذ بشكله الظاهري دون الولوج إلى فلسفة هذا النوع من انظمة الحكم ولا هو ايضا نظام حكم يؤخذ كاطار خارجي لتجميل وجه نظام معين للتغطية على ممارسات تسلطية استبدادية بعيدة كل البعد عن الديموقراطية.
كما لابد أبضا أن يبدأ أى مفهوم وطني للديموقراطية بالاعتراف بأن مصر هى ايضا كيأن ثقافى متميز ومنتمى إلى عدد من الدوائر الحضارية المتداخلة(الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية والافريقية والاسيوية) كما أن لها ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخاصة،وتقاليدها السياسية الممتدة والمتجذرة وخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على قيم العدالة وأنها قادرة على اثراء مفهوم الديموقراطية والتمتع بتجربة أصيلة لا تقوم على تقليد أو نسخ لغيرها من التجارب وأن التوق لتجربة ديموقراطية اصيلة لا يمكن أن يعنى الاجحاف بأى شكل من الأشكال بالقيم المشتركة للانسانية أو بالمبادىء والمعايير الأساسية للديموقراطية،وانما يعنى تجسيد هذه القيم بصورة تستجيب للحاجات الأصيلة والمشروعة لكل القوى الاجتماعية الكبرى،ولحاجات البلاد ككل،وللضرورات التى يمليها التكوين الثقافى المصري،فالديمقراطية ليست مجرد نظام سياسى أو كيأن قانونى شكلى فحسب،بل أن لها ماهية و فحوى يتلمسها الناس بالتجربة وبالممارسة ايضا،وأن كل استخدام لقاعدة قانونية شكلية ديموقراطية لتحقيق نتائج معاكسة للهدف منها أو للغرض الذى وضعت لتحقيقه هى غدر بالديموقراطية واجحاف بها.ومن هذا المنطلق فانه يجب أن نضع نصب أعيننا الفحوى الجوهرية للديموقراطية فى كل العصور،وهى أنها النظام الذى يقوم على سلطة الشعب وسيادة الأمة.
وبصورة عامة فأن الممارسة الديموقراطية هى الجانب الأكثر أهمية،وفق
مبادىء عامة وأساسية لا يجوز خرقها ولا يقبل أن يتم تنظيمها بصورة تؤدى إلى مصادرتها.مثل تنظيم محدد للعلاقة بين سلطات الدولة والمجتمع وبناء نظام نيابى يقوم على الانتخابات العامة الدورية والنزيهة،ونظام حكم يقوم على مبدأ حكم الأغلبية مع الاحترام التام لحقوق الأقلية،ووضع ضمانات تحول دون تركيز السلطة أو احتكارها أو تأبيدها،مع وضع الأسس السليمة التى تضمن ممارسة الحكم بصورة فعالة وفى حدود حكم القانون.
وتحتاج الديموقراطية إلى شروط تمهيدية أساسية،وهى شروط تسمح بتطور ديموقراطى سليم وصحى دون أن تكون بذاتها جزءا من تعريف الديموقراطية.وتشمل هذه الشروط العناصر الأساسية التالية:
أ) استقلال الارادة الوطنية: اذ يصعب أن تعيش الديموقراطية فى ظل فقدان الاستقلال السياسى والحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادى الوطنى.
ب) التوافق على القيم الجوهرية للمجتمع وأركان ثقافته الوطنية مع الوعى بالاضافات العظيمة التى يمكن أن تؤدى اليها الممارسة الثقافية الخلاقة والأصيلة التى تترجم الأهداف السامية والأساسية للمجتمع والدينين الاسلامي والمسيحي.حيث أن هناك ضرورة على التوافق على الدور الكبير الذى يلعبه الدين فى تكويننا الثقافى والأخلاقى والقومى.فتعزيز هذا الدور مطلوب وضرورى.ويجب البناء على القيم الأخلاقية الرفيعة التى أكدها الدين،وتأصلت فى نسيجنا الحضارى والمجتمعى.الا أن جانبا من هذا التوافق ينبغي أن يقوم على استبعاد بناء دولة دينية بمعنى منح أى جماعة- وخاصة رجال الدين- امتياز سياسي ما.وبالمقابل فإن بناء الدولة ونظامها وسياساتها يجب أن لا يصطدم أو يتناقض مع القيم الأساسية للدين الاسلامى.
ت) التوافق على معانى الاعتراف بالآخر والتسامح السياسى والفكرى وحقوق المواطنة المتساوية واقامة الممارسة السياسية على قاعدة المشاركة فى الوطن والمساواة فى حقوق المواطنة واستبعاد كل صور التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الأصل العرقى أو جهة الميلاد والاقامة أو أى اعتبار غير شخصى أخر.ويجب بصورة خاصة أن تتم مكافحة جميع صور الطائفية وتأكيد الوحدة الوطنية وابعاد المؤسسات الدينية عن المجال السياسى،واعتبارها مرافق عامة مفتوحة ومتاحة للجميع يرأسها أشخاص يتمتعون بالاحترام العام على ألا يسمح لهم بمزاولة الوظائف أو الأدوار السياسية اثناء شغل وظائفهم الدينية.وفى الحد الأدنى يجب إقامة العلاقات الدينية على أساس التسامح والإحترام المتبادل وتحصين المعقتدات الدينية من الهزل والسخرية أو الإهانة،دون اجحاف بحق المناقشة العاقلة والمفيدة لكل الأفكار والنصوص أو الممارسات فى سياقات تضمن حرية البحث والابداع.
ث) تحقيق الحد الأدنى من النهوض الاقتصادى والمجتمعي.وذلك يعتبر شرط ضرورى لمواصلة وتنمية تجربة ديموقراطية ذات معنى وقابلة للحياة والازدهار.وفى هذا السياق،فأن أى نظام ديموقراطى يفقد جانبا كبيرا من ضرورته أن لم يُمكن المجتمع من الانطلاق النهوضى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحداث شبه قطيعة مع الفقر والتخلف.
إن الديمقراطية تعنى سيادة وسلطة الأمة والشعب،ويجب أن تحافظ الممارسة السياسية الفعلية على هذا المعنى.فاضافة إلى الوسائل النيابية يجب أن تشجع القوانين والممارسات الفعلية على مشاركة المواطنين،كأفراد وهيئات واحزاب أو جمعيات عمومية للمؤسسات العامة،فى اتخاذ القرارات وصنع السياسات.فمستويات معنية من الديموقراطية المباشرة صارت ممكنة بل وضرورية لترجمة مبدأ سيادة الشعب وسلطته من خلال كل الوسائل الضرورية للتعرف على آرائه فى السياسات المختلفة.وذلك من خلال تأكيد الصلة المتواصلة والحميمية بين النواب وناخبيهم وفتح الباب أمام الناخبين لمحاسبة نوابهم فى أى وقت،والتزام النواب باستشارة ناخبيهم حول مختلف القضايا التشريعية والرقابية.
إلى اين تتجه المحروسة ؟
الوضع الحالي في مصر هو من التعقيد والتشابك بحيث يصعب على اي متابع توقع اتجاهه نحو الاستقرار من عدمه ، فهناك اطراف دولية وإقليمية وداخلية تلعب داخل الساحة المصرية ولها مصالحها بالشكل الذي قد يعيق عملية الاستقرار على المدى القصير.
ولكن هناك اطراف اخرى في الاقليم يهمها استقر ار الدولة المصرية خاصة الدول الخارجة للتو من ثورات شبيهه بالثورة المصرية وبالتالي يسعون إلى رؤية الاستقرار المصري من اجل ان يكون نموذج لدولهم من الممكن ان يسيروا على نهجه وأيضا للاستفادة من الامكانيات المصرية في دعم استقرار بلادهم خاصة ليبيا التي تتشوق إلى استيراد عمالة مصرية تستطيع المساهمة في عملية الاعمار في ليبيا دون ان تتحول هذه العمالة في حالة عدم تنظيمها إلى قنابل متنقلة بدلا من ان تنفجر في مصر تنفجر في ليبيا.
وكذلك الحال في سوريا التي يترقب فيها الاحرار مساعدة النظام السياسي القادم في مصر لهم حتى يتمكنوا من القضاء على نظام بشار الاسد ورجاله.
كما ان دول الخليج رغم تحفظاتها العديدة على الوضع في مصر وصعود تيارات سياسية غير مرضي عنها من جانب النخبة الحاكمة في دول الخليج فإنها تسعى إلى ايجاد قدر من الاستقرار السياسي في مصر يساعدها في محاولاتها لاحتواء الخطر الايراني الذي بات قاب قوسين او ادني من انتهاك امن الخليج الهادئ .
كذلك الحال مع الاطراف الدولية فالولايات المتحدة تسعى إلى وجود نظام قوي في مصر يستطيع ان يخرج من مصر من الحالة الضبابية التي يعيش فيها الان ، كما ان دول الاتحاد الاوربي باتت مؤمنة بان جماعة الاخوان المسلمين هي البديل المعتدل والمقبول لديها بعد الثورة ، اما عن روسيا والصين فرغم ان خيوط اللعبة المصرية خارجة إلى حد كبير عن ايدي هؤلاء فإنهم ايضا يسعون إلى رؤية مصر مستقرة ويتطلعون إلى التعاون مع نظام كان في يوم من الايام عدو واضح وجاد للغرب ومن امامه اسرائيل(الحقبة الناصرية)، ويعولون على امكانية تحقيق تعاون مثمر بين الطرفين يقرب مصر من الشرق ويحفظ مصالحهم في المنطقة خاصة في ضوء التقارير التي بدأت تشير إلى قرب سقوط النظام السوري وما يترتب عليه من سقوط احد قلاعهم في المنطقة .
إلا ان ذلك لا يمنع من وجود بعض النخب الاقتصادية والسياسية في المنطقة (في الحكم او في المعارضة ) تحاول جر البلاد إلى الفوضى ادراكا منهم ان مصر الاخوانية هي اخطر الف مرة من مصر المستقرة .
ويزيد بعضها على ذلك في أن نجاح الثورة المصرية قد يغري بعض شعوب المنطقة إلى استلهام نموذج الثورة المصرية في التغيير وهو الأمر الذي وجد صداه في بعض دول الخليج والعراق ، ووصل الامر ببعض من هؤلاء إلى الترويج بكثافة لفكرة فشل الثورة المصرية وضرورة التفكير الف مرة قبل الاقدام على مثل ما اقدم عليه المصريون الذين يعانون –على حد قولهم – من مساوئ ما جنت ايديهم عليهم.
بالإضافة إلى ذلك فان الطرف الاسرائيلي ما زال يراقب الوضع في مصر عن كثب ويرى ان اي هدوء على الساحة المصرية يقابله دفع إلى حالة من عدم الاستقرار في العلاقات الاسرائيلية العربية وذلك رغم التطمينات الامريكية لإسرائيل .
أما عن الاطراف المحلية فرغم أن الفترة التي سبقت اقرار الدستور كانت من الحدة والسخونة بما كان إلا انها بدأت تهدأ بشكل واضح خلال هذه الفترة ولعل ذلك راجع إلى الآفة الاساسية التي تعاني منها الحالة السياسية المصرية والمتمثلة في عدم تبلور معارضة منظمة حتى اللحظة واقتصار الامر على احتشاد هنا واحتشاد هناك دون ان يتحول هذا الاحتشاد إلى عمل سياسي منظم قادر على التأثير في حركة الشارع .
فإذا قلنا ان قوة المعارضة تكمن في تحقيقها للاحتشاد داخل الشارع إلا ان هذه القدرة تظل محدوده التأثير نظر لأنها قدرة مؤقتة تشتعل لفترة زمنية لا تزيد عن يوم واحد فقط وتنفض بعد ذلك تاركين خلفهم قلة قليلة من الشباب الثائر الذي يجد نفسه وحيدا في وسط الميدان دون اي دعم حقيقي من أية قوة سياسية على ارض الواقع الامر الذي يدفعهم احيانا إلى ترك الميدان تحت ضغط ارهاب البلطجية والباعة الجائلين .
اضف إلى ذلك فإن المعارضة قد بدأت تفقد بعض بريقها في الشارع نتيجة لعدم بلورتها لموقف سياسي واضح من الأحداث فتارة تدعو إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور وتارة اخرى تدعو إلى المشاركة بكثافة وتارة تدعو إلى قصر التصويت على فئة معينة(المتعلمين دون الاميين ) وتارة اخرى تؤكد انها لا تفرق بين مصري وآخر ، وتارة تؤكد أنها ستخوض معركة من أجل اسقاط الدستور من خلال الحشد في الشارع وتارة تؤكد انها ستشارك في الانتخابات البرلمانية من اجل اسقاط الدستور . والطرفة الاخيرة انها تنتوي النزول في تحالف في انتخابات مجلس النواب القادمة ولكن بقائمتين .. وهو امر يثير السخرية اكثر مما يثير الضحك.
هذا الأمر الذي جعل رصيدها في الشارع يتراجع إلى حد كبير خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية التي بدأت تظهر ملامحها في البلاد في الفترة الأخيرة من انخفاض لسعر الجنيه مقابل الدولار والتراجع الحاد في الاحتياطي النقدي وارتفاع معدل البطالة والتراجع الحاد في الدخل المحلي من السياحة .
من هنا اعتقد أن الفترة القادمة وان كانت ستشهد بعض الاحتشادات إلا انها ستكون استثنائية وليس بها طابع الاستدامة ولكن من الممكن أن يتخلل هذه الاحتشادات بعض اعمال العنف ضد بعض مؤسسات الدولة ومؤسسات بعض الأحزاب والجمعيات والأفراد إلا أن الطرف الآخر الموجود في السلطة سيحاول قدر الامكان ضبط انفعالاته بالشكل الذي يستطيع أن يصل برسالة انتخابية تتضمن حرصه على الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة في مقابل تيارات اخرى تهتم اكثر بمصالحها السياسية الضيقة . او هكذا سيتم الترويج لهذه الفكرة .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)