الخميس، 25 أغسطس 2011

بؤس الايدلوجيا نقد مبدأ الأنماط في التطور التاريخي


يعتبر كارل بوبر احد اهم الذين كانت لهم بصمة في وجهة الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر فقد جاءت اراؤه لتكسر القوالب التي اتسم بها الفكر الغربي لمدة تزيد عن قرن من الزمن ، ويعتبر كتاب بؤس الايدلوجيا احد اهم اعماله البارزة في نقد الاراء القائلة بوجود قوانين يسير التطور التاريخي وفقا لها .ولقد صحح بوبر اخطاء شائعة عن المناهج الاجتماعية وميز بين التنبؤ والنبؤة متوقفا عند التفسير التاريخاني والنزعة الكلية ووحدة المنهج في العلوم . كانت الفرضية التي طرحها " بوبر" في هذا الكتاب هي أن مسار التاريخ الإنساني يتأثر بقوة بنمو المعرفة الإنسانية، ولذلك لا نستطيع أن نتنبأ ولا نتمثل المستقبل لأننا لا نعرف حين يحضر هذا المستقبل عند أي صفحة ستكون معرفتنا موجودة. وبطريقة أخرى، حين نتأمل الوضع والمتغيرات علينا التخفف من الذهنية التاريخية التنظيرية والالتفات أكثر إلى الواقع المشاهد فقد كانت الدعوى الاساسية في هذا الكتاب هو اعتقاده بان فكرة المصير التاريخي هي مجرد خرافة ضاربا بذلك العديد من الايدلوجيات التي كانت سائده انذاك وخص بوبر بالذكر الفاشية والشيوعية والتي اكدت انه ثمة قوانين لا مهرب منها للقدر التاريخي .
وقد قسم بوبر كتابة لاربعة اقسام تناول فيها دعاوي التاريخانية المعارضة للمذهب الطبيعي من وجهة نظره وقد فند وجهة نظر التاريخانيين في مجموعة من الحجج الرئيسية وهي التعميم و التجربة و تعقد الظراهر الاجتماعية و صعوبة التنبؤات الدقيقه ، وصعوبة تكرار الظواهر الاجتماعية التي يرى انها فكرة مستحيلة منطقيا، فيقول انه حتى لو سلمنا بامكان التنبؤ بالثورات في العلوم الاجتماعية فمثل هذا التنبؤ لا يمكن ان يكن دقيقا ولا بد من ان ينقصه التحديد فيما يتعلق بتفاصيل الثورات وازمنة حدوثها ..
ان المحدثين من وجهة نظر كارل بوبر من اصحاب المذهب التاريخاني لا يدركون قدم مذهبهم .بل ان هؤلاء خائفون من العقل ومن خلفه التغير والذي يجعلهم عاجزين عن مواجهة النقد بما يتفق والموقف العقلي ، فالتاريخانيين يبدو كانهم يحاولون تعويض انفسهم عن فقدان عالم لا يتغير فيتشبثون بالاعتقاد بان الغير يمكن التنبؤ به لانه محكومة بقانون لا يتغير . ان المطالبة بالتحكم العلمي في الطبيعة الانسانية لا يدرك ما في هذا الطلب من دعوة الى الانتحار فالباعث على التطور والتقدم هو تنوع المادة التي يمكن ان تكون موضوعا للانتخاب الطبيعي .
ويتساءل ألا يمكن التحكم في العنصر الانساني بواسطة العلم وهو نقيض النزوة ؟ ويجيب بان علم الحياة وعلم النفس باستطاعتهما او يكون في استطاعتهما ان يتوصلا الى حل مشكلة تغير الانسان . لكن كل من يقبل على هذه المحاولة مضطر الى القضاء على الموضوعية العلمية وبذلك يقضي على العلم نفسه فالعلم والموضوعية كلاهما يعتمدان على حرية التنافس الفكري اي انهما يعتمدان على الحرية فاذا كان للعقل ان يستمر في نموه واذا كان للانسانية ان تحافظ على حظها من الرشاد فلا يجب التدخل ابدا بما يمنع التنوع بين الافراد وارائهم واهدافهم واغراضهم الا في الحالات المتطرفة التي تتعرض فيها الحرية السياسية للخطر بل ان الدعوة الجذابة الى اتخاذ هدف مشترك ممهما بلغ من السمو ليست الا دعوة الى نبذ كل ما يتعارض معه من اراء اخلاقية وكل ما يؤدي اليه هذا التعارض من نقد وحجج مخالفة . انها دعوة الى نبذ الفكر الراشد .
ويؤكد كارل بوبر ان التطور الذي يطلب التحكم العلمي في الطبيعة الانسانية لا يدرك ما في هذا الطلب من دعوة الى الانتحار فالباعث على التطور والتقدم هو تنوع المادة التي يمكن ان تكون موضوعا للانتخاب الطبيعي وهذا الباعث في حالة التطور الانساني هو حرية الشخص في الانفراد بصفة من الصفات وحريته في الاختلاف عن جاره وحريته في عدم موافقة الاغلبية والسير في طريقه الخاص اما التحكم الكلي الذي يؤدي الى المساواة بين العقول بدلا من ان يؤدي الى المساواة بين الحقوق فمعناه القضاء على التقدم .
ويرى ان هناك فرق بين العلوم التاريخية والعلوم النظرية ففي العلوم النظرية تؤدي القوانين وظائف عدة منها انها مركز الاهتمام الذي تصل به المشاهدات او وجهة النظر التي نسترشد بها في مشاهداتنا . ولكن لما كانت القانونية الكلية في التاريخ قليلة الشان في اكثر الامر ولا يكون استخدامها عن وعي فليس باستطاعتها ان تقوم بهذه الوظيفة ولا بد ان يضطلع بها شئ اخر ولا شك ان التاريخ مستحيل بدون وجهة نظر فعلم التاريح كالعلوم الطبيعية يجب ان يكون انتقائيا في اختيار وقائعه والا خنقة سيل الوقائع المجدية التي لا تربط بينها رابطة ولا جدوى من محاولة تعقب العلل في الماضي البعيد لان وراء كل معلول عيني واحد نبدا منه عددا هائلا من العلل الجزئية المختلفة ، ولا مخرج من هذه الصعوبة في راي بوبر الا بان نقصد في كتابتنا للتاريح الى اتخاذ وجهة نظر انتقائية نتصورها اولا اي ان نكتب التاريح الذي تهمنا كتابته ولا يعني هذا تزييف الوقائع حتى تلائم الاطار الفكري الذي تصورناه اولا ولا يعني اهمال الوقائع التي لا نجد لها مكانا في ذلك الاطار بل يجب على العكس من ذلك ان نمتحن كل البيئات المتصلة بوجهة نظرنا امتحانا مدققا وموضوعيا ولكننا لا حاجة بنا الى البحث عن كل الوقائع والصفات التي لا صلة بوجهة نظرنا والتي لا نهتم بها نتيجة لذلك . مثل هذه النظرة الانتقائية او هذه البؤرة التي نركز فيها اهتمامنا التاريخاني اذا كان يستحيل التعبير عنها في صورة فرض قابل للاختبار فنحن نطلق عليها عبارة التاويل التاريخي . والمذهب التاريحي يفهم هذه التاويلات خطا على انها نظريات وهذه مثالية فمن الممكن تاويل التاريخ باعتباره تاريخ الصراع بين الطبقات او تاريخ الصراع بين الاجناس البشرية من اجل السيادة ومن الممكن تاويله باعتباره تاريخ الصراع بين الافكار الدينية او بين المجتمع المفتوح والمجتمع المقفل . ولكن ذلك لا يزيد عن كونه وجهة نظر من بين وجهات كثيرة وانها حتى اذا بلغت الى مرتبة النظرية فقد لا يمكن اختبارها .
ويضيف بوبر ان كل تفسير لحادث مفرد يمكن وصفه بانه تاريخي ما دامت العلة يدل عيها بشروط اولية خاصة وهذا موافق للاعتقاد الشائع بان تفسير الحادث تفسيرا عليا يقوم في بيان كيف وقع ولم وقع اي انه يقوم في حكاية قصته ولكننا لا نهتم حقا بتفسير الحوادث الخاصة او المفردة تفسيرا عليا الا في التاريخ ففي العلوم النظرية تكون مثل هذه التفسيرات العلية في الاكثر وسائل لغاية مختلفة هي اختبار القوانين الكلية .
ويختلف ايضا بوبر مع من اسماهم بالتطوريين التاريخانيين الذين يحتقرون التاريخ بمعناه القديم ويهتمون بالمسائل المتعلقة بالاصول ويريدون الارتقاء به الى مرتبة العلم النظري ويرى ان ذلك اهتمام في غير موضعه ذلك ان المسائل المتعلقة بالاصول هي مسائل تختص بكيف ولماذا وهي ليست ذات اهمية نظرية نسبيا وغالبا ما لا تكون لها الا اهمية محدودة .
ويختتم بوبر كتابه بالقول بان النظرة التاريخية معناها الاعتقاد بالمعجزات الاجتماعية والسياسية والتي تنكر على العقل الانساني ان يكون له القدرة على تحقيق عالم اكثر مطابقة للعقل بمعنى انه متجه بطبيعته نحو حالة افضل واكثر قبولا لدي العقل ولكن هذه النظرة معناها الاعتقاد بالمعجزات الاجتماعية والسياسية لانها تنكر على العقل الانساني ان يكون له القدرة على تحقيق عالم اكثر مطابقة للعقل.

الثورة المصرية الصراع بين الادراكي والموضوعي


تمر الثورة المصرية هذه الايام بمرحله حساسه يحاول خلالها الاعلام -حكومي - حزبي -مستقل ان يشحذ هممه لتوصيف معركه بين طرفين هما لم يتبلورا بعد في الواقع ،معسكر الاسلاميين ومعسكر العلمانيين . ورغم وهمية هذ الصراع في رايي والذي لا يزيد عن كونه صراعا منحصرا في اذهان من يطرحوه ، فقد صور الاعلام الجدال والمناظرة المحتدمة فى الفضاء المصرى الراهن، في أن مصر تعيش فى إطار ما يمكن اعتباره مرحلة «ما قبل المعرفى» وأعنى بها تلك المرحلة التى ينحبس فيها الناس داخل صناديق انتماءاتهم وتحيزاتهم الأيديولوجية والدينية والمذهبية. وحاول الاعلام تصوير الناس بانهم لا يعجزون، فحسب، عن رؤية ما يقع خارج الصناديق الايديولوجية والمذهبية التى يحبسون رؤوسهم داخلها، بل والأهم - أنهم لا يقبلون التفكير فى جملة المفاهيم والتصورات المضمرة التى يقوم عليها بناء ما يتحيزون له من إيديولوجيات ومذاهب، باعتبار أنها من قبيل المطلقات التى تعلو على أى تفكير. وأن مرحلة ما قبل المعرفى التى تسود الفضاء المصرى الراهن لا تقدم إلا عقلاً منحبساً وراء أسوار الأيديولوجيا بأطيافها المختلفة (وأعنى علمانية ودينية ومذهبية وغيرها).
الا ان الواقع الذي يراد له ان ينحبس، بدوره وراء تلك الأسوار يختلف عن الادراك الاعلامي كثيرا .وقد تطرق لهذا الامر الفيلسوف "كارل بوبر" ففي كتابه الذي تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان "بؤس الايديولوجيا"، كانت الفرضية التي طرحها هي أن مسار التاريخ الإنساني يتأثر بقوة بنمو المعرفة الإنسانية، ولذلك لا نستطيع أن نتنبأ ولا نتمثل المستقبل لأننا لا نعرف حين يحضر هذا المستقبل عند أي صفحة ستكون معرفتنا موجودة. وبطريقة أخرى، حين نتأمل الوضع والمتغيرات علينا التخفف من الذهنية التاريخية التنظيرية والالتفات أكثر إلى الواقع المشاهد، ولكن الذي يحدث عادة هو أن الناس لديهم تجارب سابقة وتنظير واسع يمارسون المقايسة والمقارنة عبره، ولذا لا يزالون مصدومين من ما يحدث أمامهم في الواقع كل مرة، فهم لا ينتظرون أن يحدث إلا ما رسموه في أذهانهم. ولنا أن نتخيل اليوم أي مستوى معرفي "قافز" قد تحصلنا عليه بسبب الانترنت والتقنية الحديثة!. إنه مستوى عالي يصعب جداً أن نلاحق تأثيره ونتائجه. الا الاعلام قد ابى ان يعكس ذلك وانبري في خلق مشاهد وهمية لصراعات كاذبه بعيده عن ارض الواقع .
فاذا كان من ميزة لهذه الثورة المصرية العظيمة فهي انها جعلت الايدلوجيا تتخلى عن مكانها لما هو طبيعي وواقعي من صفات إنسانية عامة يشترك فيها كل الناس. فحين تخف وطأة الايدلوجيا سيقل التمايز الحاد بين الناس الذي يتأتى من تمايز ايدلوجي أو طائفي أو قبلي أو غيره من حدود؛ زرعها الناس كحدود "تنظيرية" بينهم وهي تفرق أكثر مما تجمع.
ففي الثورة المصرية كان الكل يلاحظ مسألة التشديد على انها ثورة غير مؤدلجة، ولا تلتزم أي خط معين سوى ما تناضل من أجله من مفاهيم إنسانية مشتركة (خبز ،حرية ،عدالة اجتماعة ) وهذا ما جعلها بالتأكيد ثورة فاعلة وتحظى بالتأييد الواسع. ونجاحها سيعقب أيضاً "ارتدادا" مجتمعياً إلى هذا الخط، وسنشاهد لغة شعبية في المجتمعات العربية تؤكد على هذه الحقوق بوعي وتتخلص من زوائد التنظير والايدلوجيا التي أتعبتها، وجعلت صوتها الطبيعي ومطالبها كمجتمعات لا تكاد تظهر.
لقد وصل الوضع العربي قبل ثورة مصر ومن قبلها تونس إلى مرحلة انسداد، وكان العقد الأخير أيدلوجياً بامتياز، فالمشهد الاعلامي كان مشغولا بالعديد من مشاهد الصراع والاستقطاب، والتي وصلت إلى الذروة، تحديداً، قبل الثورة بأيام مع تقسيم السودان، وتصريحات غربية توحي بالتدخل لحماية "الأقليات" في المنطقة نتيجة تفجيرات العراق ومصر(تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية )،وهو ما جعل هواجس التقسيم والتفتت نتيجة الصراعات الداخلية أو التدخل تتزايد وتهدد كل أحد.. وفرق كبير نجده الآن بين مجتمع كان يعيش هواجس التقسيم، وآخر يعيش المطامح التي زرعتها الثورة الشعبية التي نجحت في مصر حتى الان ..
ومن حسن الحظ أن إشتغالاً معرفياً على معظم المفاهيم والتصورات والإفتراضات الايدلوجية التى يؤسس عليها الاعلام أبنية يريد لها أن تحدد معالم المسار السياسى والإجتماعى لمصر، إنما يكشف عن كونها أضعف من أن تكون أساساً لبناء راسخ؛ وأعنى من حيث تبدو جميعاً أضيق من أن تستوعب حركة الواقع، وأعجز- بالتالي - من أن تقدم حلولاً ناجزة لمشكلاته الجاثمة. فالثورة المصرية قدما نمطاً من التحول غير المعتاد المفاجئ والجذري من حالة إلى أخرى. فقد بينت الثورة المصرية ان مسار تداول مصطلح "المعرفة" يسير في إطراد إيجابي في مجمله.
بينما كان، بشكل عام، مسار تداول مصطلح "الأيديولوجيا" يسير في إطراد سلبي في مجمله.
وهكذا ولد، في الفكر السياسي الثوري الحديث والمعاصر، ما يمكن أن نسميه "جدلية الأيديولجي والمعرفي".
وهكذا وصل الأمر بين الأيديولوجي والمعرفي إلى أن يصبح بينهما تضاد وتناقض، حينما يتعلق الأمر بالفكر السياسي الثوري. فقد أصبحت "الأيديولوجيا" تعبر عن المنظومة الفكرية والخطابية العتيقة القابعة في لاوعي أفراد المجتمع والتي تجعلهم يقبلون الوضع الراهن وتحبط داخلهم أي رغبة للتغيير، من خلال قيامهم بتعمية وتغطية المشكلات الواقعية بأغطية بالية من التبريرات اللفظية التي تحبط الرغبة في تدشين أي تغيير ثوري .بينما أصبحت المعرفة (والعلم) هي المنظومة الفكرية الأكثر تعبيرا عن مشكلات الواقع الحقيقية، والتي تزيل العماء والتمويه عن حقيقة ما يجري في الواقع الفعلي، بما يدفع العقل الثوري إلى تحديد مسار واضح للتعامل مع هذه المشكلات للقضاء عليها جذريا من خلال التغيير الثوري للواقع.
وبذلك تكرس في تراث الفكر الثوري أن الأيديولوجيا مرتبطة بتزييف الوعي والتعمية على حقائق الواقع. في مقابل أن المعرفة العلمية هي وحدها القادرة على تبديد تبريرات وتزييفات الأيديولوجيا لصالح إنجاز الفعل الثوري المطلوب لتغيير الواقع البائس
وقد حاولت الاحزاب المصرية وبعض الحركات السياسية ومن يقف معها من وسائل اعلامية مختلفة في تسويق الادراك الايدلوجي للواقع الحالي بحيث يسود الاعتقاد بأن المجال الوحيد المتاح هو التداول والانتقال السلمي للسلطة من حزب لآخر من خلال الإحتكام إلى نفس الإطار السياسي بنفس عناصره وآلياته، بحيث تكون النتيجة النهائية هي مجرد "إصلاح" وليس "تغيير" أو "ثورة .
(ووفقا لهذا التصور الثوري، فإن الأحزاب القائمة في المجتمع تصبح جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي القائم، وتصبح متوافقة وقابلة لكافة آليات وقواعد اللعبة السياسية مع النظام القائم، من خلال قبولها الاحتكام إلى صناديق الانتخاب والاقتراع، كمسار وحيد لتداول السلطة.
وفي الثور المصرية نجد ان الوضع قد انقلب على هذه الاحزاب مما أدى إلى كسر الإطار الأيديولوجي السائد الذي قبلته كافة الأحزاب المصرية (بما فيها أحزاب المعارضة). وظهور ما يعرف بالحركات الإجتماعية الجديدة .

فقد أدى ظهورها في الواقع السياسي المصري مؤخرا إلى قلب (وعكس) آليات وقواعد التفاعل السياسي بين اللاعبين، بحيث ركزت على "المعرفي" ورفضت تماما "الأيديولوجي" بصفته يعمل على تكريس الوضع الراهن .
وقد اعتمدت هذه الحركات على الوسائل الاتصالية الجديدة لتخلق شبكات اجتماعية من نوع جديد. فهذه الحركات الإجتماعية تتميز باعتمادها على الشبكات الإجتماعية الإلكترونية الجديدة التي أتاحتها الوسائط الجديدة مثل شبكات المحمول وشبكة الإنترنت،. وهي الوسائل التي تتجاوز حوائط وعوائق العلاقات الإجتماعية التقليدية التي تتميز بالبطء والثبات والتقليدية والجهوية، لتفارقها إلى إقامة نوع جديد من العلاقات الإجتماعية التي تتمحور حول قضايا محددة، دون أن تتمحور حول أشخاص أو عائلات محددة أو مناطق محددة. بل لقد مكنت الوسائل الإتصالية الجديدة هذه الحركات الإجتماعية من تجاوز عوائق المكان والروابط الجهوية والعائلية والتقليدية، ليجمعها أهداف محددة حول قضايا محددة..
وبهذا أرتبطت الحركات الإجتماعية الجديدة بالمعرفي، دون أن ترتبط بالجهوي أو الأيديولوجي أو التقليدي. فلم تتبنى الحركات الإجتماعية الجديدة قضايا شخصية أو عائلية أو أيديولوجية أو دينية بل تبنت قضايا إجتماعية محددة وربما ذات طابع مؤقت وعارض بحيث لم يكن لها طابع سياسي مباشر.
ذلك أن الحركات الإجتماعية الجديدة لا تسعى بالمرة إلى الوصول للحكم (على عكس الأحزاب السياسية)، كما لا تسعى للحصول على مناصب لأعضائها، ولكنها تهتم فقط برفع مطالبها إلى أصحاب القرار الموجودين بالفعل في مناصب الحكم.
ولذلك تتميز الحركات الإجتماعية غالبا بسمة - السلمية - وتنعدم فيها الإنتهازية السياسية إلى درجة كبيرة إذا ما قورنت بالمجموعات السياسية التقليدية، مثل الأحزاب أو جماعات الضغط المعروفة في السياق السياسي المعاصر.
فهي تتميز عن الأحزاب السياسية بأنها لا تهدف للوصول إلى الحكم، كما لا تهدف إلى توزير أعضائها أو الدفع بهم إلى مناصب عامة. كذلك تختلف عن جماعات الضغط في أنها لا تمارس التهديد أو الإبتزاز السياسي أو الإقتصادي، مثل التهديد بسحب أموال أو التمويلات.
ولكن للتوضيح فان نقدنا هذا غير موجه للايدلوجيا نفسها، فهي في النهاية نسق فكري ومُعطى طبيعي يحق لمن أراد أن يراه ويسلكه، لكن ما يحدث هو أنه، وفي أحيان كثيرة، تتجه الايديولوجيا إلى حقل جدل واجتهاد تنظيري لا يكون له تأُثير واقعي وعملي، وتنحرف بذلك عن مسارها نتيجة تصعيد "نفسي" أو"تحزبي" فتتداخل فيها المقاصد مع البحث عن الحظوظ والعقلية الصراعية فينتج لنا في النهاية شيئا مشوها لا يمت للفكر والحياة إلا بصلة عداوة.
فالمفاهيم الواقعية والبسيطة مثل الحرية والحقوق والحياة الكريمة وغيرها هي بسيطة وقريبة ولكن قد يكون هناك محيطات من التنظير "الفارغ" بين الفرد وبينها ، وهذا ما حدث في ثورتنا المصرية التي نتمنى على الاعلام ان يتعاطى معها حتى لا تسقطه توابعها كما اسقطت قبل ذلك حوائط من الاستبداد والوهم ظننا كل الظن ان لا سقوط لها .