السبت، 17 أكتوبر 2015

قاطعوا المهزلة

هناك البعض من يحاول ان يقنع نفسه باهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمه وهم يستخدمون في ذلك حجج متعددة فمنهم من يقول بان ترك الساحة للانقلابيين سيعطيهم الفرصة للسيطرة الشاملة والكاملة على البرلمان الامر الذي يعطيهم الفرصة لتمرير القوانين وللسياسات التي تثبت الحكم الانقلابي وهو ما يجب الا نسمح به ... الحجة الاخرى المستخدمه وهي غالبا تستخدم من قبل الاصدقاء من التيار الاسلامي فهي تقول ان المقاطعه هي صمت عن قول الحق ودفع المنكر واعطاء فرصة لاهل الباطل كي تسود كلمتهم .... ولهؤلاء وهؤلاء اقول ... ان المشاركة في انتخابات يشرف عليها جهة غير محايدة تتماهى في مواقفها تماما مع سلطة الانقلاب وتقبل سياساته بل وتزايد عليها لهو امر اقرب الى محاولة الحرث في الماء فلا القضاة سيسمحوا بان يكون هناك صوت اخر سوى صوتهم الذي يحقق مصالحهم في الدولة التي يبغونها فما بالك اذا كان الاشراف في الداخل منهم وفي الخارج من جانب عصابات انقلابيه مسلحه لا تراعي حقا ولا ضمير ..... الامر الثاني ان وجود الالاف من المعارضه تقبع خلف اسوار الاسر ووجود اعلام تسيطر عليه السلطة الانقلابيه يجعلنا ندخل في معركة غير متكافئة مع عصابات الانقلاب الذين يملكون وسائل التعبير والتأثير على ارادة الناخب باساليب قانونية وغير قانونية ويظهرنا بمظهر الضعيف الذي لفظه الشارع وايد هؤلاء الموجودين على مسرح الاحداث وهو ما قد يناقض الواقع ... الامر الثالث ان من شأن المشاركة في الانتخابات تحقيق هدف الانقلابيين باعطائهم شرعية سياسية معينة تتجسد في وجود رضا وقيول لرؤية النظام الحاكم بغض النظر عن معارضة بعض من سياساته التفصيلية وهو ما يستطيع ان يستخدمه الانقلابيين باعتباره يتماهى مع الانظمة الديمقراطية التي تسعى دائما الى احتواء كل التيارات السياسية رغم وجود خلافات تفصيلية مع هذه التيارات ... واخيرا فان المشاركة في انتخابات دون ان يرتبط ذلك باي بوادر للحل لهو تملص من حقوق شهداء ومصابين ضحوا بارواحهم ودمائهم من اجل وطن حر وليس وطن محتل .... والله اعلم

الاسترزاق الثوري

شخصيات تقابلها كثيرا
في حياتك ، بمجرد ان تجلس معهم يشبعوك حديثا عن ثوريتهم وعن رؤيتهم لسلبيات النظام القائم ، اي نظام وكل نظام ، مهما كان توجهه السياسي وسياساته التنفيذية ، دائما ما يكون ذهنهم حاضر ويتفتق عن عبقرية لا يدركها الا هم ، فهذا متاجر بالدين واخر متاجر بالوطنية وثالث متاجر باحلام البسطاء ورابع مستغل وخامس وسادس وسابع ألخ ...... ، يجهرون بمعارضتهم للنظام في كل مكان واي مكان يسخرون منه يؤلفون النكات التي تظهر عجزه وفشله وغباءه امام المعية عقولهم، يكتبون المقالات والاعمدة والدراسات التي تثبت فشل النظام وغباءه امام رؤاهم العبقرية التي لا حدود لها . وما ان يسمعوا عن مظاهرة في اي مكان حتى يسارعوا بحشد اصدقائهم القليلين فيها دون معرفة سبب المظاهرة او جذورها وامام اول قنبلة غاز او عصا جندي امن مركزي تجدهم يفرون يبتعدون ثم يتجمعون مرة اخرى على اماكن تجمعاتهم المفضلة على المقاهي والمجالس الخاصة فيستعرضون ما قاموا به من بطولات في هذه المظاهرة او تلك وماذا ينوون فعله في المستقبل فهذا يتحدث عن مقالة واخر يتحدث عن تغريده على تويتر وثالث يتحدث عن بوست على الفيس بوك ورابع سينزل صورة التقطها على الانستجرام وخامس وسادس وسابع .ومنهم من يتم استضافته في التلفزيون الفلاني او الاذاعة الفلانية اعمال رائعه بالفعل ولكن ماذا بعد ..... ان هؤلاء ايها السادة لهم مجموعةمن الثوار بالفعل ولكنهم في رايي ثوار الاسترزاق ، فهم يخشون السجن او الحبس او الضرب او حتى رائحة القنابل ، يخشون كل شئ واي شئ باستثناء قدرتهم على الكتابة والسخرية ، التي غالبا ما يكون عائدها عليهم ماديا ومعنويا كبيرا ، ان هؤلاء يا سادة هم سبب ضياع ثورة يناير ، فهم ثلة من المنتفعين لا قدرة لهم على عمل شئ سوي التظاهر والصراخ اما الفعل فلا شئ اما المواجهه فلا شئ اما تكوين رؤية لحزب او خلافه فلا شئ انهم الظاهرة الصوتية التي لها قيمتها فقط في مرحلة معينةمن العمل الثوري ولكنها ليست كل العمل الثوري ، فالثورة تحتاج الى رؤية وهم بعيدين تماما عن طرح اي رؤية فما يكتبونه على وسائل التواصل الاجتماعي ليس سوي فكرة او انطباع سريع لا يتعدي الا ان يكون رد فعل على فعل اخر سريع مثله ، فالثورة تحتاج الى قيادة وهم قدرتهم على القيادة شبه منعدمه لكونهم لم ينتموا من قبل الى اي تنظيمات سياسية حقيقية ولكنها فقط تنظيمات مقاهي حيث صوت الشيشة يعلو على اي تنظيم ، الثورة تحتاج الى قدرة على التفاوض والاقناع والتعامل مع وسائل الاعلام وهم قدرتهم في الاقناع تقتصر فقط على هؤلاء الاصدقاء المقتنعين بافكارهم بالفعل سواء على الفيس بوك او تويتر او غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي او حتى على مقاهيهم ومجالسهم الخاصة . الثورة تحتاج الى قدرة على الحشد وقدرة على ادارة هذا الحشد وهؤلاء في تظاهراتهم لم يكونوا في يوم من الايام لا قادة مظاهرات ولا حتى منظمي مظاهرات هم فقط اصحاب بوستات دعوة على وسائل التواصل الاجتماعي وهناك من يستجيب وهناك من لا يستجيب . الثورة تحتاج الى اقامة نظام سياسي ثوري يقام بديلا للنظام الذي تقوم ضده الثورة وبالتالي فمن الاهمية ان يكون بينها العلماء والخبراء والسياسيين القادرين على ملئ الفراغ المترتب على انهيار النظام القديم ولا يحدث هذا الفراغ الذي ما يلبث ان يؤدي الى عودة النظام البائد باقصى سرعة كما حدث في ثورات عديدة في المنطقة العربية . ان المخاطر التي تحيط بالثورة اي ثورة في حالة نجاحها يأتي دائما من ابناءها الصغار اصحاب عملية الطحن بلا طحين ، فغالبا ما يعتقد هؤلاء انهم هم الثورة وانهم هم من قاموا بها وكانوا وقودها وبالتالي فهم الاجدر بقيادتها وليس اي شخص اخر او تنظيم اخر ، وهنا تكون الطامة الكبرى فأما نظام سياسي يأتي بديلا للنظام الذي قامت ضده الثورة ، امثال هؤلاء يستطيعون احداث حالة من الضجيج الذي قد يجعل اخرين من النظام البائد يتلقفون هذاالضجيج فيزيدون منه ويقدموه للاعلام والراي العام باعتبار ان الثورة تضيع وان هؤلاء وهم ممثلي الثورة الحقيقيين بداوا في الانقلاب على من هم في السلطة ويدعون انهم ممثلي الثورة وبالتالي فواجبنا جميعا ان نلتف حولهم حتى نزيل هذا النظام المدعي الثورية وتكون النتيجة ان تتحالف قوى النظام البائد مع رموز ثورية من هذا النوع الهش ضد نظام ثوري المفترض انه جزء من الثورة الحقيقية ان لم يكن هو قلبها النابض والمنظم. ويستخدم النظام البائد كل ما اوتي من قوة مادية وعينية ويترك لتلك الرموز الثورية الساذجة وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حتى يظهر للعالم والقوى التي تؤيد الثورة ان هاهم الثوار يعودون مرة اخرى داعين الى اقتلاع النظام الذين اتفقوا في يوم ما على ايصاله للسلطة . وتنجح الخطة وتنتصر الثورة المضادة ولكن هذه المرة يكون الانتصار واضحا وسريعا فبمجرد تحالف قوى النظام البائد مع تلك الرموز الساذجة يتم الاطاحة بالنظام الثوري الديمقراطي المنتخب لا لشئ الا لان النظام الثوري الديمقراطي الموجود في السلطة لا توجد لديهم اي سيطره على قوى الدولة ومؤسسات الحقيقية . وتبدا العملية تتضح معالمها حيث يتجه النظام البائد المتحالف مع هؤلاء السذج في بسط نفوذه والتخلص من كل من شارك في الثورة ضدهم من قبل سذج او غير سذج فيبدا بالتنكيل بهم ومحاصرتهم والزج ببعضهم في السجون لمدد بسيطة ، بل واستخدام العنف احيانا ضدهم ، فلا يجد هؤلاء السذج من مفر سوى العودة مرة اخرى الى مقاعدهم التي جاءوا منها قبل الثورة الحقيقية وهي المقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي والمقالات واللقاءات التلفزيونية ليسبوا هذا النظام بافظع الشتائم ويحقروا منه ويدعون للتخلص منه وووووووووو ولكن هل يستطيعون هم وحدهم عمل ذلك؟ الاجابة تأتيهم من تاريخ ثورة وثورة مضادة نجحوا في الاولى في التحالف مع قوى ثورية حقيقية اعطتهم الحق في التواجد والتفاعل والانصات لرؤاهم وافكارهم ، وثورة مضادة تحالفوا معها بمنطق اعوج وهو " انا وابن عمي على الغريب" وكانت النتيجة هي ضياع ثورة وبقاء الوضع على ما هو عليه من نظام مستبد وقوى متشرذمة مفتته لا رؤية لها ولا هدف اسمى ونظام ديمقراطي منتخب كان يسعى لاثبات وجوده زج به في السجون والمعتقلات . وبقى هؤلاء السذج في اماكنهم الطبيعية حيث الاسترزاق الثوري من مقالات التاك واي ولقاءات تلفزيونية ساذجة ومنظمات غير حكومية لا مكان لها الا في قاعات الفنادق الفاخرة . ونصل الى السؤال المحوري من الذي باع الثورة وقبض الثمن ، هل هم هؤلاء الموجودين في السجون والمعتقلات والمطاردين والمضيق عليهم في ارزاقهم وحياتهم لانهم باعونا في محمد محمود ام هؤلاء الذين باعوا ثورة لا يملكوها لنظام مستبد تأبط شراً بالقوى الحقيقية للثورة منذ اليوم الاول ؟

الخميس، 15 يناير 2015

صدر حديثا عن معهد البحرين للتنمية السياسية كتاب " مهارات اتصالية "

صدر حديثا عن معهد البحرين للتنمية السياسية كتاب بعنوان “مهارات اتصالية”، وتناول عبر دراسة مفهوم الاتصال وأهميته وآلياته المختلفة، النجاحات التي حققها معهد البحرين للتنمية السياسية لتنمية مهارات الاتصال لدى أبناء المجتمع البحريني، والجهد الذي بذله في توظيف المنصات الإعلامية المختلفة، التقليدية منها والمستحدثة، في تحقيق الاتصال الفعال والوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور. وأشار مؤلف الكتاب “خالد فياض”، الخبير بالمعهد، إلى أن مهارة الاتصال تعد من المهارات التي لا غنى عنها لأي مهتم بالشأن العام، وذلك باعتبارها وسيلته الرئيسية للاقتراب من الجماهير والتفاهم معهم وإقناعهم، مؤكدا أنه من المهم تعميق علاقات التعاون والاتصال بين أبناء المجتمع الواحد، وبين هذا المجتمع والعالم الخارجي بالشكل الذي يسمح بقدر كبير من التفاهم والتطور، وبهدف تجسير الفجوة بين النخبة والمجتمع. وذكر فياض أن مفهوم الاتصال مثله مثل أي مفهوم اجتماعي آخر تتعدد تعريفاته وتتشابك نظراً لتعدد الرؤى التي تناولته بالدراسة وتعدد البيئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ينطلق منها كل صاحب رؤية في تعريفه، وخلص إلى أن الاتصال “عملية ديناميكية يتم من خلالها تبادل مجموعة من الرموز والمفاهيم والأدوار بين أطراف عملية الاتصال، وهذه العملية تبدأ من اتصال الفرد بذاته إلى الاتصال الجماهيري، وأن الاتصال يتم بشكل قصدي أو غير قصد بغرض تكوين أنواع من العلاقات تختلف كل منها باختلاف حجم وزمان ومحتوى الموقف الاتصالي، وهي تتأثر كذلك بالبيئة الاتصالية وتؤثر فيها”. وأضاف خالد فياض أن هناك ضرورة للتفريق بين الاتصال من جانب والإعلام من جانب آخر، حيث يرتكز المفهوم الأخير على مهمة توجيه الرسائل من المرسل إلى المستقبل، أما الاتصال فهو عملية متكاملة الأركان، كلا الطرفين يلعبان فيها دورا محدداً، فالمرسل ليس بمرسل دائم بل إنه قد يتحول إلى مستقبل أثناء العملية الاتصالية ذاتها والعكس صحيح بالنسبة للمستقبل، موضحا أنه في ظل ثورة المعلومات والتطور السريع في وسائل الإعلام اقترب مفهوم الإعلام كثيراً من الاتصال، حيث أصبح ذي اتجاهين، لا يقتصر على إبلاغ الرسائل بل يتجاوز ذلك إلى مهام التعليم والتعلم والترفيه واسترجاع المعلومات، ويشمل أيضا التراسل عبر البريد الاليكتروني والتحاور والتسامر من خلال حلقات النقاش وعقد المؤتمرات عن بعد. وقال فياض إن وسائل الاتصال أصبحت بالنسبة للعالم اليوم ضرورة لا غنى عنها، بل وصارت سلاحا ذا حدين، الأول: قوة ايجابية داخل المجتمع تعمل على تماسكه وتدعيم بنائه، وتعبر عن قضاياه وتكشف عن مواطن الضعف فيه، وتساهم في دفع عجلة التنمية، والثاني: فهو سلبي ويتعزز أثره إذا أسيء استخدام هذا السلاح بهدف تخريب وتقويض المجتمعات، مشيرا إلى أن من أبرز وظائف عملية الاتصال بشكل عام، هي: الإعلام الشامل والتنشئة والتوعية والدعاية والإعلان والتكامل، فضلا عن التسلية والترفيه. وتابع قائلا إن مكونات عملية الاتصال تتعدد بتعدد آليات تحليل هذه العملية، وتتفاوت أهميتها بتفاوت دورها داخل العملية الاتصاليه ذاتها، ومن أبرز هذه المكونات: المرسل الذي لابد أن يكون موضع ثقة وتتوفر لديه مهارات اتصالية عالية ويكون مقتنعا ومؤمنا برسالته وغير ذلك، ثم الرسالة ذاتها من حيث الفحوى والمضمون باعتبارها محور العملية الاتصالية وأهم مكوناتها، والتي لا بد أن تخضع لعدة قواعد فنية ودلالية ونفسية كي تحظى بالنجاح المطلوب، ثم القناة أو الوسيلة التي من خلالها يتم نقل الرسالة إلى الطرف الآخر أثناء عملية الاتصال، ثم المُستقبِل، وأخيرا التغذية المرتدة التي تتم بين هذا الأخير ومرسل الرسالة. وأوضح الكاتب أن مهارات الاتصال تتعدد وتتشعب هي الأخرى بالشكل الذي جعل من كل مهارة منها أمراً مستقلا بذاته له سماته وخصائصه وآلياته التي تميزه عن باقي المهارات، منبها إلى أن هناك نوعين من مهارات الاتصال الفعال، الأولى: مهارات الاستماع والانصات، والتي تتضمن معلومات من الآخرين يمكن لمرسل الرسالة أن يستخدمها ليحصل على معلومات عن سلوك واعتقادات ومشاعر ومقاصد الطرف الآخر، الثانية: المهارات التعبيرية، وأبرزها مهارة التحدث، أو قدرة الشخص على اكتساب المواقف الإيجابية عند الاتصال بالآخرين سواء عبر الحوار أو الخطابة أو الاقناع أو التفاوض، والتي لكل منها سماتها وخصائصها ومراحل عملها، والتي لابد أن تتوفر فيها هي الأخرى المقومات اللازمة حتى يمكن أن تكلل عملية الاتصال بالنجاح المطلوب. وختم الخبير السياسي بمعهد البحرين للتنمية السياسية دراسته بالقول إن اتقان مهارات الاتصال يعتبر ضرورة ملحة في هذا العصر الذي تتدفق فيه المعلومات وتتربص به السماوات المفتوحة وتنفتح فيه المجتمعات على بعضها البعض، مشيرا إلى أن نجاح التطوير في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإدارية والسياسية لا بد أن يواكبه إستثمار لطاقات البشر في مجال تطوير مهارات الاتصال لديهم في كافة القطاعات الادارية والانتاجية والتعليمية.

السبت، 8 نوفمبر 2014

توافق ديمقراطي لا ديمقراطية توافقية

فرق كبير وجوهري بين التوافق الديمقراطي الذي يقصد به نوع من التراضي العام على مبادئ وأسس وقواعد التطور الديمقراطي، والديمقراطية التوافقية والتي يتم اللجوء إليها في بعض الدول المنقسمة ثقافيا، حين تكون الإنتماءات الدينية أو الطائفية أو العرقية عائقاً أمام بناء نظام ديمقراطي.
ويكمن الفرق في أن التوافق الديمقراطي يحدث بين أحزاب وقوى وجماعات واتجاهات سياسية وأيدلوجية ،أي يدور الخلاف بينها حول مواقف وبرامج يختارها أنصارها بإرادتهم، وليس حول هويات أولية يولدون بها . وربما يجوز تشبيه هذا التوافق  بالاساس الخرساني  الذي يوضع تحت الارض عند بناء أي مبنى، فحين نشرع في مثل هذا البناء يجوز أن نختلف على كل شئ فيه، إلا مواصفات ومستلزمات الأساس الذي يقام عليه المبنى، فإذا اختلفنا على هذا الأساس يكون ما نفعله مقدمة لانهيار المبنى فور بنائه .
والنظام السياسي الديمقراطي لا يختلف في الجوهر ، إذ يجوز أن نختلف على كل شئ فيه فيما عدا المقومات الأساسية للدولة التي بنبغي أن نتوافق عليها ،لأنها لا تتغير من انتخابات لأخرى ،فلا يمكن أن تؤدي انتخابات مثلا إلى دولة دينية فيما تقود الانتخابات التالية لها إلى دولة علمانية. فهناك مقومات نتوافق عليها ولا يغيرها احدنا بمفرده ،حتى إذا حصل على أغلبية كبيرة .
والتراضي العام الذي يتركز بهذا المعنى في مقومات الدولة ، ينصرف أيضاً إلى المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي والمحددات الرئيسية لتنظيم العلاقة بين أطرافه سواء بين الحكم والمعارضة ،أو بين قوى المعارضة بعضها البعض، وهو ما يعرف عموما بقواعد اللعبة . فلا فرق في الجوهر بين التنافس السياسي والثقافي والفكري والتنافس في أي مجال من مجالات الحياة ،ولا يستقيم أي تنافس بدون قواعد ينطلق منها المتنافسون ويعودون إليها كلما اقتضى الأمر ،فإذا لم يرتض فريقان، وهما في الملعب ، القانون الذي ينظم اللعبة ،تنتفي اهم مقومات التنافس وتنهار المسابقة التي يلعبان في إطارها ،وكذلك الحال إذا ارتضى أحدهما هذا القانون بينما أراد الثاني تطبيق قانون ينظم لعبة أخرى مختلفة .ولذلك نقول أنه من الصعب المضي قدما نحو إطلاق التنافس السياسي دون قيود في غياب توافق عام أو تراض عام على بعض من أهم مقومات الدولة .
ولهذا فالتراضي العام يعتبر ذو اهمية محورية في النظام الديمقراطي تحديداً ، حيث لا مجال له في النظم الأوتوقراطية الفردية ، التي يفرض فيها نظام الحكم ما يرتضيه هو دون غيره ،في الغالب الاعم ، فالتراضي هو بطبيعته عمل من أهم الأعمال الديمقراطية بل يجوز القول انه العمل المؤسس لأي ممارسة تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية وذلك لسببين :
أولهما أنه يتحقق عبر حوار لا يمكن أن يستمر ويثمر بدون التزام حقيقي بالديمقراطية من أطرافه كافة .أما السبب الثاني فهو أن الديمقراطية التي تفتقد إلى التراضي، تصبح صعبة المنال أو قابلة للتعثر السريع أو الانتكاس الفوري، فالديمقراطية لا تمارس في الهواء وإنما على أرض محدده ،وإذ لم تكن هذه الأرض ثابته فهي تميد بمن يقف عليها ،وأخطر ما يواجه أي تطور ديمقراطي هو ان يظن أطرافه أو بعضهم أن الديمقراطية هي بمثابة تنافس منفلت من أي قواعد ومعايير ،وأن الشعب يختار من يريده بين المتنافسين بمنأى عن اطار ينظم التنافس ويحدد ما هو ثابت لفترة معينة وما هو متغير .
ولذلك يحدث التوافق الديمقراطي عادة على مبادئ وقواعد يلتزم الجميع بها لضمان سلامة العملية الديمقراطية واستمرارها وتجنب ما يمكن ان يؤدي إلى تعثرها أو انتكاسها بغض النظر عن نتائج الانتخابات ومن يفوز بها او يخسر . وهناك العديد من الامثلة على هذا النوع من الديمقراطيات في العالم وخاصة في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وتركيا والتي قامت فيه الانظمة ببناء نظام سياسي يتوافق عليه الجميع وتكون مرجعيتهم في ذات الوقت للدولة المدنية المركزية .
 أما الديمقراطية التوافقية فقد ظهرت عندما انتشرت الأنظمة الديمقراطية بشكل كبير خلال القرن الماضي خارج القارة الأوروبية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بسبب فشل الأنظمة غير الديمقراطية، وحدوث حالة واسعة من النمو والانتعاش الاقتصادي وتطور الثقافة السياسية،وقد حدثت هذه التطورات في مجتمعات تتميز بانقسامها الشديد والواضح. وبدأ التفكير جدياً في كيفية إيجاد حلول سياسية تساهم في ضمان تحقيق الديمقراطية بشكل يضمن أقصى درجات الاستقرار السياسي، ويحول دون حدوث صراعات في هذه المجتمعات. البعض حينها اهتم بكيفية استخدام الحكم الذاتي أو الفيدرالية، بحيث تكون الفرصة متاحة للأكثرية وللأقليات غير المتجانسة في الوقت نفسه للمشاركة السياسية في الحكم. وكانت النتيجة القدرة على تحقيق التوافق بين مكونات المجتمع، ومن أمثلة ذلك بلجيكا، والنمسا، وسويسرا،وكندا،وهولندا. ومن العالم العربي كانت لبنان نموذجا لهذا النوع من الديمقراطيات .
ان الديمقراطية التوافقية تفترض اتفاقا على ترتيبات اجرائية محددة لضمان تمثيل مختلف الهويات الموجوده في المجتمع ،بما في ذلك تلك التي يقل عدد المنتمين اليها ،  فهي شكل من أشكال الحكم المطبقة في بعض البلدان غير المتجانسة شعبيا .وهي تقضي بإعطاء حق الحكم بالتوافق فيما يتعلق ببعض الأمور الأساسية للجماعات المتمايزة عن بعضها البعض ، والمكونة في مجموعها للدولة ، والتمايز يكون سببه عادة اختلافا في الأصول الاثنية أو اللغوية . ويزداد التمايز عندما تكون لدى كل جماعة هواجس معينة تجعلها خائفة دوما من احتمال طمس هويتها من قبل الجماعات الأخري، أو ذوبانها ضمن الأغلبية السكانية أو الانتقاص من حقوق افرادها الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ، وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ،وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة بهم فيشعر الموطن نتيجتها أن له هويتين ، هوية نابعة من انتمائه إلى جماعته وأخرى نابعة من انتمائه السياسي إلى الوطن الذي يحمل جنسيته، وعندما تحتدم العصبيات بين الجماعات يتنازع الفرد هاتين الهويتين،  بحيث تطغى في الغالب هويته الخاصة ،ذات الطبيعة العنصرية الضيقة ، على هويته الوطنية وهنا يتوزع شعب هذه الدولة بين قوى سياسية لكل منها خلفياتها وخصوصياتها التي تجعلها مختلفة أو متمايزة عن غيرها،  ويتم اللجوء إلى التوافق في حال انعدمت الثقة المتبادلة بين هذه القوى الخائفة من بعضها البعض أو في حال عجزت هذه القوى المتنافسه عن تحديد الغايات والآمال المشتركة التي تكفل عادة جميع المواطنين وصهرهم ضمن بوتقة وحدة وطنية صلبة ومتماسكه . فهي تعتبر نوع من الكونفدرالية حيث تؤخذ الآراء بالإجماع ،ويكون لكل جماعة فيتو يمنع صدور أي قرار في الأمور المصيرية من دون موافقتها . وقد كان النموذج اللبناني دليلا على هذا النوع من الانظمة السياسية التي تطبق هذا النوع من الديمقراطية دون ان تكون هناك تربة قادرة على استيعاب هذه الفروق الاثنية والطائفية الواضحة بين اطياف المجتمع بسبب عدم نضج ثقافة ديمقراطية قادرة على قبول الآخر والتعايش معه في اطار من الدولة المدنية التي تجمع كل الطوائف والممل والأعراق في بوتقة واحده .

لذا فأنه رغم نجاح بعض الأنظمة في أوربا وامريكا الشمالية في تطبيق نموذج الديمقراطية التوافقية فإن امراً مثل ذلك من الصعب تطبيقة في دول العالم الثالث عموما، وفي المنطقة العربية عموما، نظراً لوجود قدر كبير من الانقسامات الدينية والطائفية والقبلية والجهوية،بالإضافة الى أن ثقافة هذه الشعوب لم ترتق بعد لتجعل من الدولة المدنية مرجعاً لها ،في حالة التعارض مع الانتماءات الطبيعية( ا لاثنية ، الدينية ، الطائفية.... الخ ) . وبالتالي عدم وجود ثقافة ديمقراطية تقبل الآخر وتتسامح معه ،قد  يجعل إقامة هذا النوع من الأنظمة مقدمة للبننة أخرى أو عرقنة (مثل العراق )وهو ما قد يؤدي للدولة مستقبلاً إلى الانهيار والتفسخ . وهو ما لا يستوى مع الهدف الذي من أجله كانت الديمقراطية التوافقية . 

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

دلالات نتائج انتخابات تونس

وأخيراً بدأ الربيع العربي ينتعش مرة أخرى بعد فترة اختناق استمرت على مدى سنوات عديدة وها هي تونس كالعادة تغرد من جديد وتثبت أن تونس دائما هي الرقم الصعب في المعادلة الديمقراطية العربية ، فقد جاءت الانتخابات التونسية افراز لرحلة شاقة وطويل من الشد والجذب بين قوى سياسية مختلفة ، وبقراءة سريعة لهذه النتائج نستطيع أن نخرج بالملاحظات التالية : • أنها اثبتت أن المجتمع المدني القوي يفرز قوى سياسية قوية والعكس صحيح . فلولا دور الحركات والنقابات العمالية والأحزاب السياسية في تونس لما مرت عملية التحول الديمقراطية بتلك السلاسة والسلمية. • أن ادماج المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية قد جر الويلات على الدول التي فعلت ذلك حيث ارتبطت مصالح هذه المؤسسة بفكرة الربح والخسارة من أنشطتها المدنية وبالتالي ظهرت مصالحهم في القوة السياسية التي يجب ان تتصدر المشهد السياسي في الدولة التي يعملون بها مثل مصر على عكس الحال في تونس التي اكتفت مؤسساتها العسكرية بدور المراقب من بعيد والحامي للعملية الديمقراطية في البلاد. • أن الاعتماد على القوة المسلحة في حسم الخلافات السياسية لا يأت إلا بالدم كما حدث في مصر وسوريا والعراق واليمن . ولم يحدث في تونس التي فضلت كل النخب السياسية فيها اللجوء إلى قوة الاقناع والحجة والحوار الديمقراطي السلمي الخلاق بديلا للإقصاء والعنف السياسي . • أن هناك فرق بين دولة محورية تتجه كل الأنظار للتغييرات فيها بل وتشارك في عملية التغيير أحيانا مثل مصر وسوريا والعراق ودولة طرفيه مثل تونس تترك لتقرر حالها بيدها . • أن الاسلاميين هم الرقم الصعب في أي معادلة ديمقراطية، فهم إن لم يكونوا اقوى حركة سياسية فهم على الأقل ثاني أكبر قوة سياسية في الدول العربية وبالتالي فإن تهميشهم أمر شديد الخطوره على الاستقرار السياسي وعملية التحول الديمقراطي في أي دولة . • أن الاسلاميين في تونس أثبتوا أنهم أكثر استنارة من نخب تدعي الديمقراطية والمدنية حيث قبلوا بنتائج الانتخابات فور اعلانها ولم يحاولوا التشكيك فيها أو الانقلاب عليها كما حدث في مصر . • ان دولة منفتحه مثل تونس احتكت بالثقافة الغربية عموما والفرنسية خصوصا على مدى عقود طويلة استطاعت أن تخلق حركات اسلامية ومدنية اكثر براجماتية ومرونة في التعامل مع الواقع السياسي العربي المعقد والمثقل بثقافة احادية شمولية . على عكس دول منغلقة تدعي التحضر والمدنية وترجع جذورها الى حضارات قديمه مضت . • أن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى النفس الطويل الذي يكفل عملية اعادة توعية الشعوب حتى تعرف ما هو الصواب ؟ وما هو الخطأ ؟ اما القفز فوق إرادات الشعوب بحجج انتشار الأمية وانخفاض مستوى الوعي فقد ثبت فشله ولم يجر على دول أصحاب هذا الاتجاه سوى الخراب كما حدث ويحدث في مصر المحروسة . • أن الانتخابات التونسية أثبتت أنه لا يوجد في العالم ا لعربي قوى سياسية حقيقية سوى الاسلاميين ومن شايعهم وقوى النظام السابق ومن سار على هداهم، وما عدا ذلك فهي حركات كرتونية لا قيمة لها إلا الصوت الزاعق الذي ينتهي بإنتهاء مثيره الوهمي كما حدث مع جبهة الانقاذ في مصر . مبروك لتونس ولا عزاء لقوى التخلف العربي

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

كلمة السر ... راجح

فيلم بياع الخواتم هو احد الافلام الغنائية للرائعين فيروز ونصري شمس الدين وهو يحكي بشكل غير مباشر قصتنا الان مع الارهاب ، فالخال وهو هو في هذه المسرحية نصري شمس الدين هو أحد اعيان القرية التي تسكنها بنت اخته فيروز وباقي اهالي القرية ، إالا ان هذا الخال كانت له تطلعات للسيطر على لاقرية بكل مقدراتها حيث يريد ان يكون زعيما لها بدون منافس ، في هذه الاجواء بدأ الناس تتحدث عن قاطع طريق اسمه راجح وهو الشخص الذي لم يره أي احد سوى خال فيروز ،والذي كان يتحدث دائما عن صولاته وجولاته مع هذا الراجح وكيف انه لولاه –أي الخال- لتمكن راجح من القرية وخربها وقتل من فيها وسرقها ونهبها ... الخ وهو ما دفع الاهالي بتمجيد وتأليه شخصية الخال حامي حمى القرية واختاروه زعيما ملهما واحدا لا منافس له .. وتسير القصة ويبدا الناس في الاذعان الكامل للخال بحجة انه حامي القرية من خطر راجح ولولا وجود هذا الخال لكانت القرية ضحية للراجح السفاح قاطع الطريق ، وفي مساء احد الايام الممطره عزمت فيروز بنت الاخت على الخروج لتقضي بعض الاشياء الا انها خشيت من ان يعترض طريقها هذا الراجح وذهبت لخالها لتخبره بخوفها هذا ، الا انها فوجئت برد خالها الذي صرح لها بحقيقة هذا الراجح وهو السر الذي اخفاه عن جميع من في القرية وهو انه لا يوجد شئ اسمه راجح من الاساس وانه اخترع هذه القصة لان اهل القرية يحتاجون زعيم، وفي ذات الوقت هو يريد ان يكون زعيما لهذه القرية ،ولكن هذا الزعيم لن يؤمنوا به الا اذا حماهم من خطر ما ،وما دام الخال يريد ان يكون زعيم فمن الممكن اختراع قصة راجح وخطره ليكون بذلك مقدمة للسيطرة على اهل القرية والحجة حمايتهم من خطر قاطع الطريق المسمى راجح .. وهو ما حدث بالفعل فقد خضع كل اهل القرية للخال وتخلصوا من اي معارض يشكك في قصة راجح تلك ويمجدوا في شخص راجح بالشكل الذي يمنع اي شخص في التفكير أو حتى التشكيك في صفات ومزايا الخال العظيمة غير القابلة للنقاش ، ويصبح اي معارض للخال اما مجنون او خائن للقرية واهلها ....... هذه هي المسرحية اما الواقع فهو السيسي وقصة الارهاب هذا الخطر الذي اخترعه السيسي وصدقه من يريدون ان يعيشوا دائما في كنف منقذ وهمي مستبد وطاغية يرعاهم كما يرعى الراعي الابل ،فهو حامي مصر من خطر الارهاب ولولا السيسي لصارت مصر مثل سوريا أو العراق او ليبيا او لبنان..... الخ .ان خطر الارهاب الذي يحاول السيسي تصديره خوفه لنا ، هو هذا الراجح الذي اخترعه الخال ليحكم اهل القرية فهنيئا للسيسي بشعب راجح. وهنئيا لشعب السيسي بنعمة الخوف التي انعم السيسي عليهم بها . وكلمة السر راجح .

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

العسكرة رغم انف الجميع

في مسرحيته الشهيرة "الزعيم" يسأل الفنان عادل امام نفسه أمام الجمهور سؤال ويجيب عليه بنفسه والسؤال هو "لماذا قمنا بالثورة؟" ثم يجيب نفسه بنفسه" أنا مش عارف لماذا قمنا بالثورة انا كنت نايم ساعتها " . ورغم هزلية الحوار وفكاهيته إلا أنه يبدو أنه ينطبق إلى حد كبير على العديد ممن شاركوا فيما أطلقوا عليه في حينه ثورة 30 يونية ، فقط كانت المطالب الجوهرية هي انتخابات رئاسية مبكرة ، وتعديل الدستور الذي في رأيهم قد احتوى على العديد من النصوص التي تنفي عن الدولة مدنيتها ، سواء المدنية المضاده للديني او المدنية المضادة للعسكري ، ففي رأي البعض منهم أن دستور 2012 قد اعطى للمؤسسة العسكرية بعض الحقوق التي لا تستحقها ،وهو ما شكل عند العديد من الحقوقيين انتكاسة كبيرة على حد زعمهم لثورة يناير ،وما نتج عنها من أحلام وردية بالحرية والمساواة ، ونهاية الحكم العسكري لمصري الذي امتد على مدار اكثر من ستين عاما . ولكن هل حقق الدستور الجديد أو المعدل أحلام هؤلاء؟ في هذه السطور سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بقراءة في التعديلات التي قامت بها الجنة المعينة من قبل رئيس الجمهورية المؤقت والمعروفة اعلاميا باسم لجنة الخمسين . الموازنة العامة للمؤسسة العسكرية اعتقدت أن هؤلاء الذين خرجوا ينادون بسقوط حكم العسكر ويتهمون نظام ما قبل الانقلاب العسكري بمهادنة الجيش خوفا وطمعا، أن يخرجوا علينا بمواد أكثر مدنية، أو إن شئت الدقة أكثر تحررا من هيمنة المؤسسة العسكرية،والتي جعلها نظام ما قبل الانقلاب العسكري دولة فوق الدولة على حد تعبير المنتقدين لدستور الجمعية التأسيسية المنتخبة .ولكن امراً من ذلك لم يحدث، ففي المادة الخاصة بمناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة نصت مادة دستور 2012 وهي المادة رقم 195 على وجود مجلس دفاع وطني من مهامه مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة ووضعها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة ، وهي في ذلك تسحب حق مجلس النواب في مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة،من خلال مجلس معظمه من المعينين ،بالإضافة إلى هيمنة العسكريين على تشكيل المجلس فهو يضم سبعة مدنيين هم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيسا مجلسي النواب والشوري ووزراء الخارجية والداخلية والمالية ، ويضم من العسكريين ثمانية وهم وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع . وانتظرنا في دستور المدنيين تخفيفاً ولو محدودا للهيمنة العسكرية، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث ،حيث نصت المادة 203 على تشكيل ذات المجلس ،وان تراجعت هيمنة المدنيين قليلا فبعد أن كان سبعة مدنيين في مقابل ثمانيين عسكريين في دستور 2012 صارت ستة مدنيين في مقابل ثمانية عسكريين بعد إلغاء مجلس الشورى وإلغاء منصب رئيسه معه . ورغم أن المادة قد حاولت استدراك الامر بنصها أنه عند مناقشة موازنة المؤسسة العسكرية ينضم لعضوية المجلس كل من رئيسا لجني الأمن القومي والموازنة وهما مدنيين ، إلا انها اضافت ايضا رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة ،ليحافظ العسكريين على أغلبيتهم بمعدل تسعة عسكريين الى ثمانية مدنيين . الأمر الذي يجعل أمر ميزانية الجيش بعيد عن رقابة المؤسسة المنتخبة وكأن انقلابا لم يحدث !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! المحاكمات العسكرية وتأتي المفاجأة الأكبر وهي الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ، فرغم الانتقادات الحادة لدستور 2012 في أنه سمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، إلا أنه بقراءة متأنية لنص المادة والتي حملت رقم 198 في دستور 2012 نجدها لم تشر إلى محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا بقولها " ويجوز استثناء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الحالات التى يحددها القانون، ويبين القانون اختصاصاتها الأخرى، وذلك كله فى حدود المبادئ الواردة بالدستور" أي ان الدستور ترك مهمة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية للمشرع القانوني فإن شاء أباحها وإن شاء رفضها . بل إن الدستور قد قيد حق المشرع بقوله أن ذلك يتم في حدود المبادئ الورادة بالدستور . أما دستور 2013 فلم يترك الأمر للمشرع القانوني ونصت مادته التي حملت رقم 204 تحديدا واضحا للمدنيين الذين من الممكن محاكمتهم عسكريا وشملت قائمة الجرائم سلسلة الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة لذلك أو معداتها أو مركباتهم أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم . أي ان الدستور هنا قد جعل أي جريمة طرفها عسكري والآخر مدني يحاكم المدني أمام المحكمة العسكرية رغم تشكيلها وآليات العمل داخلها وعدم شفافية اجراءاتها ، ومع ذلك فإن بعض من الثوار ما زالوا يرددون هتافاتهم التي ملأت الدنيا ضجيجا في عهد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر بأن يسقط يسقط حكم العسكر ،وكأن انقلابا لم يحدث !!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وزير دفاع بدرجة رئيس جمهورية إلا أن المادتين المذكورتين رغم دعمهما الواضح لهيمنة المؤسسة العسكرية لا تشكل تأثيرا كبيرا على الدور المتضخم للم}سسة العسكرية في الدستور اذا قورنت بالمادة 234 ، والتي أتت بالقول الفصل في أننا بالفعل أمام دستور من نوع خاص . يشرع لهيمنة المؤسسة العسكرية ويحصن المسئولين فيها أكثر من حصانة رئيس الجمهورية المنتخب ذاته ، فقد نصت المادة على أن يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور . وهذا يعني انه ليس من حق رئيس الجمهورية المنتخب تعيين وزير الدفاع ولا حتى عزله ، أي أنه مهمها فعل هذا الوزير حتى ولو هزم في حرب او أخل بواجباته الوظيفية اخلالا جسميا فإنه ليس من حق رئيس الجمهورية بأي حال من الأحوال عزله أو حتى تحويله للمحاكمة، فالأمر كله بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،الذي صار بهذه المادة ،دولة داخل الدولة، أو إن شئت الدقة دولة فوق الدولة لمدة ثمانية سنوات لا يعلم ما سيحدث فيهم إلا الله والمجلس الأعلى للقوات المسلحة . وفي الختام فإن دستورا يتم صياغة مواده في ظل هذا الاحتقان المجتمعي المتوتر ، يجعل من القائمين عليه بين اختيارين إما ان ينتصروا للإرادة الشعبية التي ليس لها أي فضل عليهم فقد جاءوا معينين بالكامل من رئيس الجمهورية المؤقت المعين بدوره من وزير الدفاع في كوميديا قل أن تحدث في تاريخ الأمم والشعوب،أو ينتصروا لإرادة من عينهم وهو الأمر الأكثر واقعية واتساقا مع توازنات القوة المادية بين من يملكون السلاح ومن يملكون الإرادة . ولكن ابدأ لن تكون الدساتير أداة لإخضاع إرادة أمة مهما تجبر المتجبرين وصاح المطبلين وراقصيهم.