الاثنين، 2 ديسمبر 2013

العسكرة رغم انف الجميع

في مسرحيته الشهيرة "الزعيم" يسأل الفنان عادل امام نفسه أمام الجمهور سؤال ويجيب عليه بنفسه والسؤال هو "لماذا قمنا بالثورة؟" ثم يجيب نفسه بنفسه" أنا مش عارف لماذا قمنا بالثورة انا كنت نايم ساعتها " . ورغم هزلية الحوار وفكاهيته إلا أنه يبدو أنه ينطبق إلى حد كبير على العديد ممن شاركوا فيما أطلقوا عليه في حينه ثورة 30 يونية ، فقط كانت المطالب الجوهرية هي انتخابات رئاسية مبكرة ، وتعديل الدستور الذي في رأيهم قد احتوى على العديد من النصوص التي تنفي عن الدولة مدنيتها ، سواء المدنية المضاده للديني او المدنية المضادة للعسكري ، ففي رأي البعض منهم أن دستور 2012 قد اعطى للمؤسسة العسكرية بعض الحقوق التي لا تستحقها ،وهو ما شكل عند العديد من الحقوقيين انتكاسة كبيرة على حد زعمهم لثورة يناير ،وما نتج عنها من أحلام وردية بالحرية والمساواة ، ونهاية الحكم العسكري لمصري الذي امتد على مدار اكثر من ستين عاما . ولكن هل حقق الدستور الجديد أو المعدل أحلام هؤلاء؟ في هذه السطور سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بقراءة في التعديلات التي قامت بها الجنة المعينة من قبل رئيس الجمهورية المؤقت والمعروفة اعلاميا باسم لجنة الخمسين . الموازنة العامة للمؤسسة العسكرية اعتقدت أن هؤلاء الذين خرجوا ينادون بسقوط حكم العسكر ويتهمون نظام ما قبل الانقلاب العسكري بمهادنة الجيش خوفا وطمعا، أن يخرجوا علينا بمواد أكثر مدنية، أو إن شئت الدقة أكثر تحررا من هيمنة المؤسسة العسكرية،والتي جعلها نظام ما قبل الانقلاب العسكري دولة فوق الدولة على حد تعبير المنتقدين لدستور الجمعية التأسيسية المنتخبة .ولكن امراً من ذلك لم يحدث، ففي المادة الخاصة بمناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة نصت مادة دستور 2012 وهي المادة رقم 195 على وجود مجلس دفاع وطني من مهامه مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة ووضعها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة ، وهي في ذلك تسحب حق مجلس النواب في مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة،من خلال مجلس معظمه من المعينين ،بالإضافة إلى هيمنة العسكريين على تشكيل المجلس فهو يضم سبعة مدنيين هم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيسا مجلسي النواب والشوري ووزراء الخارجية والداخلية والمالية ، ويضم من العسكريين ثمانية وهم وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع . وانتظرنا في دستور المدنيين تخفيفاً ولو محدودا للهيمنة العسكرية، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث ،حيث نصت المادة 203 على تشكيل ذات المجلس ،وان تراجعت هيمنة المدنيين قليلا فبعد أن كان سبعة مدنيين في مقابل ثمانيين عسكريين في دستور 2012 صارت ستة مدنيين في مقابل ثمانية عسكريين بعد إلغاء مجلس الشورى وإلغاء منصب رئيسه معه . ورغم أن المادة قد حاولت استدراك الامر بنصها أنه عند مناقشة موازنة المؤسسة العسكرية ينضم لعضوية المجلس كل من رئيسا لجني الأمن القومي والموازنة وهما مدنيين ، إلا انها اضافت ايضا رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة ،ليحافظ العسكريين على أغلبيتهم بمعدل تسعة عسكريين الى ثمانية مدنيين . الأمر الذي يجعل أمر ميزانية الجيش بعيد عن رقابة المؤسسة المنتخبة وكأن انقلابا لم يحدث !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! المحاكمات العسكرية وتأتي المفاجأة الأكبر وهي الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ، فرغم الانتقادات الحادة لدستور 2012 في أنه سمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ، إلا أنه بقراءة متأنية لنص المادة والتي حملت رقم 198 في دستور 2012 نجدها لم تشر إلى محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا بقولها " ويجوز استثناء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الحالات التى يحددها القانون، ويبين القانون اختصاصاتها الأخرى، وذلك كله فى حدود المبادئ الواردة بالدستور" أي ان الدستور ترك مهمة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية للمشرع القانوني فإن شاء أباحها وإن شاء رفضها . بل إن الدستور قد قيد حق المشرع بقوله أن ذلك يتم في حدود المبادئ الورادة بالدستور . أما دستور 2013 فلم يترك الأمر للمشرع القانوني ونصت مادته التي حملت رقم 204 تحديدا واضحا للمدنيين الذين من الممكن محاكمتهم عسكريا وشملت قائمة الجرائم سلسلة الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة لذلك أو معداتها أو مركباتهم أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم . أي ان الدستور هنا قد جعل أي جريمة طرفها عسكري والآخر مدني يحاكم المدني أمام المحكمة العسكرية رغم تشكيلها وآليات العمل داخلها وعدم شفافية اجراءاتها ، ومع ذلك فإن بعض من الثوار ما زالوا يرددون هتافاتهم التي ملأت الدنيا ضجيجا في عهد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر بأن يسقط يسقط حكم العسكر ،وكأن انقلابا لم يحدث !!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وزير دفاع بدرجة رئيس جمهورية إلا أن المادتين المذكورتين رغم دعمهما الواضح لهيمنة المؤسسة العسكرية لا تشكل تأثيرا كبيرا على الدور المتضخم للم}سسة العسكرية في الدستور اذا قورنت بالمادة 234 ، والتي أتت بالقول الفصل في أننا بالفعل أمام دستور من نوع خاص . يشرع لهيمنة المؤسسة العسكرية ويحصن المسئولين فيها أكثر من حصانة رئيس الجمهورية المنتخب ذاته ، فقد نصت المادة على أن يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور . وهذا يعني انه ليس من حق رئيس الجمهورية المنتخب تعيين وزير الدفاع ولا حتى عزله ، أي أنه مهمها فعل هذا الوزير حتى ولو هزم في حرب او أخل بواجباته الوظيفية اخلالا جسميا فإنه ليس من حق رئيس الجمهورية بأي حال من الأحوال عزله أو حتى تحويله للمحاكمة، فالأمر كله بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،الذي صار بهذه المادة ،دولة داخل الدولة، أو إن شئت الدقة دولة فوق الدولة لمدة ثمانية سنوات لا يعلم ما سيحدث فيهم إلا الله والمجلس الأعلى للقوات المسلحة . وفي الختام فإن دستورا يتم صياغة مواده في ظل هذا الاحتقان المجتمعي المتوتر ، يجعل من القائمين عليه بين اختيارين إما ان ينتصروا للإرادة الشعبية التي ليس لها أي فضل عليهم فقد جاءوا معينين بالكامل من رئيس الجمهورية المؤقت المعين بدوره من وزير الدفاع في كوميديا قل أن تحدث في تاريخ الأمم والشعوب،أو ينتصروا لإرادة من عينهم وهو الأمر الأكثر واقعية واتساقا مع توازنات القوة المادية بين من يملكون السلاح ومن يملكون الإرادة . ولكن ابدأ لن تكون الدساتير أداة لإخضاع إرادة أمة مهما تجبر المتجبرين وصاح المطبلين وراقصيهم.