الاثنين، 31 أكتوبر 2011

مفهوم الحركات الاجتماعية

تعريف الحركة الاجتماعية :-
هناك صعوبة في محاولة تعريف مفهوم الحركة من خلال كلمات أو عبارات مختصرة؛ فالحركة – بالمعنى الجسدي – تعني التحرك من مكان إلى آخر، أو تحريك شيء من مكان إلى آخر، أو تحرك في الوضع حيث لا يعني بالضـرورة الانتقال إلى موقع جغرافي مختلف، كأن نقول – مثلا - أن رد الفعل الذي يتجلى في تعبيرات وجه شخص ما يشير إلى الدهشة أو الاستغراب. أما بالمعنى الاجتماعي، فيمكن الإشارة إلى:
• ان الحركة تقوم بعدد من الأنشطة للدفاع عن مبدأ ما، أو للوصول إلى هدف ما.
• انها تتضمن وجود اتجاه عام للتغيير.
• انها تشمل مجموعات من البشر يحملون عقيدة أو أفكار مشتركة، ويحاولون تحقيق بعض الأهداف العامة.
• أن الحركة الاجتماعية هي محاولة قصدية للتدخل في عملية التغيير الاجتماعي، وهي تتكون من مجموعة من الناس يندرجون في أنشطة محددة، ويستعملون خطابا يستهدف تغيير المجتمع، وتحدي سلطة النظام السياسي القائم.
• كما يقترن مفهوم الحركة الاجتماعية بمفهوم القوة الاجتماعية، والقدرة على التأثير وإحداث التغيير.
• انها تعبر عن التحركات الجماعية لفئات أو جماعات أو منظمات بهدف انتزاع حقوق أو مواجهة مخاطر ويشترط لهذه التحركات أن تكون جماعية فى الهدف والحركة .
الا ان عالم السياسة الأمريكي تشارلز تيلي. Charles Tilly ,والذي ينتمي الى المدرسة الجديدة في البحث الاجتماعي فيقدم من خلال كتابه الحركات الاجتماعية (1768-2004)تعريفاُ واضحاً ومختصراً أو ما يمكن القول بأنه ما قل ودل في تعريف الحركات الاجتماعية، حيث وصفها على أنها:"سلسلة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص ينصّبون أنفسهم وباقتدار كمتحدثين عن قاعدة شعبية تفتقد للتمثيل النيابي الرسمي، وفي هذا الإطار يقوم هؤلاء الأشخاص بتقديم مطالب على الملأ من أجل التغيير سواء في توزيع أو في ممارسة السلطة، وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة للتأييد."
ويرى الباحث ان هذا التعريف يحتاج الى بعض التطوير فليس من المعقول ان يكون من شروط الحركة هو قيامها بالتظاهر فهذا هو المعني التقليدي لنشاطية الحركة اما المعني الحديث فمن الاهمية ان يضع في اعتباره ثورة الاتصالات وما رافقها من تطور في الاساليب جعلت من امكانية انشاء مجموعة على الانترنت (facebook , twitter ) او انشاء منتديات تهدف الى حث الناس على تبني افكار ورؤى معينة او الدعوة الى مطالبات محددة بديلا عن هذا التوع التقليدي من التظاهرات وحتى الاعتصامات .
اما مشروطية التمثيل النيابي الرسمي فان الباحث لديه عليها بعض التحفظات باعتبار ان تيلي يربط بين وجود الحركة وعدم وجود تمثيل نيابي رسمي لها في مؤسسات الدولة وهو امر يحتاج الى قدر من المراجعة حيث انه ينفي فكرة الحركات التي تعتبر التمثيل الرسمي غير كاف لها وتنشا بناء على ذلك . ولو كان الامر كما يقول تيلي فانه ما تفسير وجود حركات احتماعية نشطة في العديد من الدول الغربية والتي تدعي وجود تمثيل لكافة الحركات الاجتماعية داخل مؤسساتها الرسمية؟

النظريات الرئيسة المفسرة لنشأة الحركات الاجتماعية :-
1- نظرية السلوك الجماعي (collective behavior theory) التي أطلقها بعض المفكرين حول الحركات الاجتماعية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وقد ربطت هذه النظرية مفهوم الحركات الاجتماعية بحدوث أنشطة مثل: الهبات الجماهيرية، والمظاهرات، وأشكال من الهستريا الجماعية؛ أي بردود أفعال – ليست بالضرورة منطقية تماما – في مواجهة ظروف غير طبيعية من التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية الأساسية؛ ويرى أصحاب هذه المدرسة أن الحركات بهذا المعنى قد تصبح خطيرة (مثل الحركات الفاشية في ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). كما تعتبر مقاربة السلوك الجماعي أن الحركات الاجتماعية انعكاس لمجتمع مريض؛حيث لا تحتاج المجتمعات الصحية إلى حركات اجتماعية، بل تتضمن أشكال من المشاركة السياسية والاجتماعية.
وكما هو واضح فان هذه المقاربة ترى ان الحركات الاجتماعية تنشأ في المجتمعات المريضة فقط وهو امر يحتاج الى قدر كبير من المراجعة خاصة اذا نزلنا به الى الواقع وطبقنا عليه ما ذهب اليه هؤلاء حيث نجد ان اكثر الحركات الاجتماعية نشاطية موجوده في دول غربية .
2- نظرية تعبئة الموارد (resource mobilization theory) التي تطورت منذ الستينيات؛ وتستند هذه المقاربة إلى تشكل الحركات الاجتماعية وطرق عملها وفقا لتوافر الموارد (خاصة الموارد الاقتصادية، والسياسية، والاتصالية) المتاحة للمجموعة، والقدرة على استعمال تلك الموارد. ويرى منظرو هذه المقاربة أن الحركات الاجتماعية عبارة عن استجابات منطقية لمواقف وإمكانيات طرأت حديثا في المجتمع؛ وبالتالي، لا ينظر إليها على أنها مظاهر لخلل اجتماعي، بل جزء من العملية السياسية. وتهتم هذه المقاربة بالتأثير المباشر للحركات – القابل للقياس – على القضايا السياسية؛ بينما لا تعير اهتماما كبيرا لأبعاد هذه الحركات على المستوى الفكري، ومستوى رفع الوعي، وبلورة الهوية.
ويرى الباحث ان هذه المقاربة ايضا عليها بعض التحفظ حيث انها تهتم بتاثير الحركة على الامد المنظور من خلال استخدام منهج المدخلات والمخرجات القابل للقياس دون ان تضع في الاعتبار البعد الاستراتيجي التراكمي لدور هذه الحركات والدور التوعووي الذي تقوم به والتاثير غير المباشر الذي تتركه على المجتمع .
3- نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة (new social movement theory) التي تطورت في أوروبا لتبرير مجموعة من الحركات الجديدة التي تمت خلال الستينيات والسبعينيات. وتنظر تفسيرات هذه النظرية إلى الحركات الاجتماعية باعتبارها انعكاس للمتناقضات الكامنة في المجتمع الحديث نتيجة للبيروقراطية المفرطة، وكحل لها. كما يرى أصحاب هذه النظرية أن الحركات الاجتماعية الجديدة – اختلافا مع الحركات الاجتماعية القديمة – ناتجة عن بروز تناقضات اجتماعية جديدة، متجسدة في التناقض بين الفرد والدولة؛ وهو ما يجعل هذه المقاربة تنتقل من المصالح الطبقية إلى المصالح غير الطبقية المتعلقة بالمصالح الإنسانية الكونية. ويقال أن هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تهتم أكثر بتطوير الهوية الجماعية عن اهتمامها بالأيديولوجيات القائمة؛ كما تميل إلى البروز من صفوف الطبقة المتوسطة بدلا من الطبقة العاملة.
ويرى الباحث ان هذه المقاربة تقصر ظروف نشاة الحركات الاجتماعية على التناقض الحادث بين الدولة وبين الفرد دون ان تضع في الاعتبار ان بعض الحركات الاجتماعية تنشا نتيجة حالة عدم الرضا من جانب فئات اجتماعية معينة في فترة زمنية محددة ضد نظام اجتماعي محدد ، يتراجع دور الحركة بمجرد الاستجابة لمطالبها او تغيير النظام لسلوكياته وبالتالي فان الامر لا يتصل ابدا بفكرة الدولة في حد ذاتها بقدر اتصاله بفكرة النظام الرسمي واولياته .
4- نموذج الفعل-الهوية (action-identity paradigm) وهي النظرية التي ترى أن الحركات الاجتماعية تحول دون الركود الاجتماعي، وهي تقوم ضد الأشكال المؤسسية القائمة والمعايير المعرفية المرتبطة بها؛ أي أنها تقوم ضد المجموعات المهيمنة على عمليات إعادة الإنتاج الاجتماعي والاقتصادي، وتشكيل المعايير الاجتماعية. ويرى بعض المروجين لهذه النظرية أن هناك إحلالا تدريجيا يتم فيه استبدال الشكل القديم للرأسمالية الصناعية بمجتمع مرحلة ما بعد التصنيع القائم على "البرمجة"، والذي يتميز بأنماط مختلفة تماما من العلاقات والصراعات الطبقية. ففي المجتمع "المبرمج" يشكل التكنوقراط الطبقة المهيمنة، بينما ينتهي دور الطبقة العاملة كمناضل أساسي ضد الأوضاع القائمة؛ وبالتالي يرون أن الصراع الطبقي أساسا ذو طبيعة اجتماعية-ثقافية، وليس ذو طبيعة اجتماعية-اقتصادية.
ورغم وجاهة هذا التعريف ودقته وارتباطه بالتطورات التكنولوجية الحادثة في العالم الان الا انه يهمل البعد الاجتماعي الاقتصادي في نشاة الحركات الاجتماعية ، فقد يتراجع هذا البعد الا انه يبقي موجودا وموجها للعديد من المنطلقات التي تقوم عليها الحركات الاجتماعية .
ثورة الاتصالات وتطور الحركات الاجتماعية الجديدة :-
شهد العالم تطوراً ملحوظاً في الأدوات والمناهج والأساليب التي تستخدمها الحركات الاجتماعية، والتي تضم التقنيات الحديثة.
• كانت البداية في التليفزيون والذي كان له الفضل في نشر حركة الحقوق المدنية الأفرو- أمريكية إلى كافة أنحاء القارة في أواخر الستينيات من القرن العشرين.
• وفي أواخر السبعينيات من القرن نفسه، شهد العالم "ثورة شرائط الكاسيت" التي انتشرت عبر توزيع خطب الخوميني والتي لم يفطن اليها شاه ايران آنذاك وكانت سببا فيما حدث في ايران من اضطرابات ادت الى الاطاحه بحكمه ، وقد حاول عمر عبد الرحمن في مصر نقل التحربة باستخدام ذات الوسيلة من مقر اقامته في الولايات المتحدة الا ان المحاولة باءت بالفشل نتيجة لحصار الاجهزة الامنية المصرية لها واجهاضها في مهدها .
• الفاكس : جاء اختراع الفاكس ليزيد ثورة الاتصالات زخما وقوة حيث ساهم في التقريب بين الحركات الاجتماعية بعضها البعض كما زاد من تاثير هذه الحركات على قطاع عريض من الشارع ، ولعل الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1988-1993) كانت نموذجا للحركات التي اعتمدت على هذه التقنية في نشر توجيهاتها ومطالبها داخليا وخارجيا .
• ثم كانت الثورة الاكبر في عالم الاتصالات وهو الانترنت بوسائله المختلفة من مواقع الكترونية ومدونات وشبكات اجتماعية اليكترونية والتي كان لها النصيب الاوفر من الاستخدام في حشد اعضاء للحركات الاجتماعية ونشر افكار ومبادئ هذه الحركات بل والتشارك في انشطة وفعاليات اجتماعية من خلال الشبكة . ثم جاءت ثورة الهواتف النقالة والتي شكلت عن حق انتقالا كبيرا وغير متوقع في تطور وسائل الاتصالات. وساهمت في تفعيل وتنشيط الحركات الاجتماعية الجديدة من خلال التشبيك فيما بينها وسرعة التواصل ونقل الافكار والمعلومات .
ادارة الحركات الاجتماعية :-
تتطلب إدارة الحركات الاجتماعية إتاحة المجال للتنوع الواسع والتعقيد الداخلي. والحركات الاجتماعية يمكن أن تنتفع أو تساعد على خلق مناخ يتيح المجال لتآلف أو تركيب ثلاث عناصر وظيفية:
1. مجهود عام مستدام ومنظم يملي مطالب جماعية على سلطات مستهدفة (أو بمعنى أخر حملة campaign)
2. تركيبة من التحركات الاجتماعية تشمل: خلق جمعيات وتحالفات ذات أهداف خاصة، لقاءات عامة، مواكب مهيبة، سهرات تحضيرية، مسيرات، مظاهرات، حملات مناشدة، بيانات في الإعلام العام وإليه، منشورات أو مطويات (مجموعة متكاملة متغيرة من الأداءات أو ذخيرة أداءات الحركة الاجتماعية social movement repertoire).
3. تمثيل المشاركين لجملة من الصفات العامة والمتوافقة تتمثل في:
• الجدارة: تصرف بوقار؛ ملبس مهندم؛ حضور رجال الدين، الوجهاء، والأمهات مع أطفالهن.
• الوحدة: شارات متضاهية،أو لافتات، أو أزياء موحدة؛ السير في صفوف؛ غناء وترانيم.
• العدد: أعداد المشاركين، الحاضرون، الموقعون على التماس، رسائل من القاعدة الشعبية أو المساندين، ملأ الشوارع.
• الالتزام: تحدي الطقس السيء، مشاركة واضحة من قبل كبار السن والمعاقين؛ التضحية المتباهية، تسديد الاشتراك / التبرع
اشكال الحركات الاجتماعية :-
1- معيار النشاط:-
تميزت الحركات الاجتماعية على مدى العقود الماضية بتنوع ثري على مستوى الاهتمامات والأهداف؛ حيث احتوت ضمن مجالات كثيرة على:
مجالات بيئية
• الحماية البيئية.
• القضاء على الألغام
مجالات اجتماعية
• تعزيز حقوق المرأة
• مكافحة الفقر والبطالة
مجالات دينية
• حركات أصولية .
• حركات إصلاح ديني .
مجالات حقوقية
• معارضة عقوبة الإعدام
• تعزيز حقوق الحيوان
• معارضة الإجهاض
• حماية الأقليات
2- معيار الاهداف:-
حيث علماء الاجتماع الذين لهم تصنيف اخر قائم على معايير اخرى يميزون بين نوعين من الحركات الاجتماعية هما:
• الحركات التي تسعى إلى تغيير القواعد والأحكام المعمول بها.
• الحركات التي تهدف إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق.
ويتحفظ كل من "ريمون بودون-رئيس قسم العلوم الانسانية في جامعة باريس – وفرانسوا بوريكو وهو زميل مشارك في تاليف المعجم النقدي لعلم الاجتماع-على هذا التمييز، فالمواجهة بين مفهوم نفعي وآخر مثالي للحركة الاجتماعية- في رأيهما- هي مواجهة خادعة؛ إذ أن المشاركون في حركة اجتماعية واحدة قد تحركهم دوافع مثالية وأخرى نفعية في آن واحد. وفضلاً عن ذلك فإن الحركات الموجهة نحو القيم لا تشكل كلا متجانساً؛ فالإرهاب "الروسي" كان حركة اجتماعية على غرار المقاومة السلبية لغاندي، وإن كان الأول يلجأ إلى العنف، والثاني يجعل من تنكره للعنف أحد مبادئه الأساسية. ومع ذلك يمكننا اكتشاف سمة مشتركة بين كل الحركات الموجهة نحو القيم، وهي أنها المكان الراجح لليقين الذاتي حسب تعبير "ماكس فيبر".
3- المعيار الماركسي :-
أما الفكر الماركسي فنجده في عمومه يميز بين خمسة أنواع من الحركات الاجتماعية وهي (العمالية، والطلابية، والفلاحية، والنسائية، والثقافية)، ويستند هذا التمييز إلى أن الفئات الاجتماعية الداخلة فيه هي التي تشكل القوى الرئيسية المكونة لأغلبية الشعوب والمجتمعات المعاصرة، وهي في الوقت ذاته القوى الرئيسية للإنتاج، كما أنها أكثر القوى الاجتماعية تخلفا فيما يتعلق بظروف عملها وأحوال معيشتها.
ورغم وجاهة الطرح الماركسي الا انه يقصر الحركات الاجتماعية على القوى الاجتماعية المتخلفة ويغض الطرف عن الحركات الاجتماعية الاخرى التي تقوم على اساس مطالبي تكنوقراطي في الاساس وليس البعد الطبقي فقط .
ومن الطبيعي عند السعي إلى الوقوف على تصنيف مميز للتحرك الاجتماعي الجماعي أن نجد من الأهمية أيضاً التعرف على أن الحركات الاجتماعية تتداخل وتتضاهى من وقت لأخر لأسباب استراتيجية وتكنيكية. وفي المقابل، يمكن للحركات الاجتماعية أن تشكل علاقات أكثر مأسسة، تتداخل فيها الوظائف وتتلاشى فيها الحدود الفاصلة. وبعض الحركات الاجتماعية أيضاً يمكن أن تتمثل في تحالفات وشبكات ويمكن أن تشكل أنواع أخرى من التحالف ويمكن في الحقيقة أن تتألف من منظمات مجتمعية محلية ومنظمات غير حكومية.

مراحل تطور الحركات الاجتماعية :-
1- التعبئة الاولية :-
إن تاريخ كل حركة اجتماعية يبدأ في الغالب الأعم بمرحلة من ’’التعبئة’’ الأولية؛ بالمعنى الذي قصده باحث بارز مثل كارل دويتش، حيث قصد بالتعبئة حالة اجتماعية متسمة بتزايد الحركية الجغرافية (الهجرة الداخلية) والمهنية، وسرعة توصيل الأفكار وانتشارها، وكثافة الاتصالات؛ أي أن تعبئة المجتمع -في المعنى الذي استعمله دويتش- تشكل واحدة من مقدمات ظهور الحركات الاجتماعية.
2- قدرة تنظيمية :
إذ يقتضي أن يتحرر الأفراد من القيود التقليدية، وأن يطوروا قدرة تنظيمية يستطيعون بفضلها تحديد أهداف مشتركة، ووضع الموارد المطلوبة للوصول إلى هذه الأغراض موضع العمل.
3- مبادرات لا مركزية وغير منسقة :حيث تطبع بدايات الحركة، وتليها مرحلة العمل المنظم.
الا ان بعض علماء الاجتماع يختزلون مراحل تطور الحركات الاجتماعية في مرحلتين:
• الأولى هي المرحلة التلقائية: حيث لا تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم، وتكون الأدوار غير واضحة، والأهداف غير متبلورة بشكلٍ كافٍ.
• والثانية هي مرحلة التنظيم الواضح، والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار، وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة.
ويمكن القول بأن الحركات الاجتماعية بشكل عام تمر بثلاث مراحل هي:
1 - تبلور فكر الجديد واتساع دوائر انتشاره.
2 - حشد التأييد الاجتماعي له.
3- تغيير الواقع، أو الإسهام في تغييره.
خصائص الحركات الاجتماعية :-
• الاختلاف عن منظمات المجتمع المدني: يرى بعض علماء الاجتماع والكتاب السياسيين أن انتعاش المجتمع المدني إبان السنوات الماضية قد جاء على حساب الحركات الاجتماعية، خاصة في الدول الشيوعية أو الاشتراكية سابقاً، وربما في البلاد العربية. ومع ذلك فإن تحركات مؤثرة قامت بها حركات اجتماعية على مستوى العالم في الحقبة الأخيرة يمكن أن تقودنا لدحض هذا الاستنتاج، حيث يرى أخرون ان المجتمع المدني يتألف من أشكال مختلفة من التنظيم، تتطور في سياقات خاصة. والإيمان الزائد بالمجتمع المدني قد يلقي بشيء من الغموض على الفروق المهمة بين المنظمات غير الحكومية ومنظمات الجماهير القاعدية والحركات الاجتماعية وأشكال أخرى من التحرك أو العمل المدني. كما الأدوار المتزامنة للمجتمع المدني سواء فيما يخص المقرطة/ التحول الديمقراطي أو الأدوار النزاعية، نجدها" تعزز مفهوم مفاده أن الفاعلين غير الحكوميين وما لديهم من رأسمال اجتماعي يمكن أن يعول عليهم في القيام بخدمات من النوع الذي يجعل الدولة ترفع يدها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه توفير الخدمات. وهذا المفهوم متميز عن الوظيفة المعتادة للحركات الاجتماعية.
• الاختلاف عن الاحزاب : نميز الحركة الاجتماعية عن الأحزاب السياسية. في ان الحركات الاجتماعية تسعى للتأثير في صنع القرار، أو يرفع مطالب لدى الدولة، إلا أنها لا تسعى إلى الاستحواذ على السلطة السياسية ولا مراكمتها ولا تعمل من خلال آليات العمل السياسي المباشر، كما هو شأن الأحزاب.
• التشابه مع الحركات الدينية : الحركات الدينية هي نوع من الحركات الاجتماعية، وإن كانت تتميز عن غيرها بكونها تمتلك مطلقات ومراجع كونية؛ كما هو الحال مثلا في الحركات الإسلامية، فلديها ’’مطلقات’’ عقيدية وإيمانية تجعل المنتمين إليها مستعدين للموت في سبيلها، كما أن لديها مرجعية متجاوزة للواقع المادي وتفسيراته الوضعية؛ كما أن رسالتها تسمو فوق الفوارق بين التجمعات الطبقية والإثنيات العرقية، واللون والجنس؛ ولذلك نجد أن خطاب هذه الحركات يتجه إلى الناس أجمعين دون تمييز، وتتسم أهدافها بالشمول والكلية، مثل هدف ’’تغيير الحياة’’، و’’تجديد الأخلاق’’، و’’إصلاح المجتمع والقضاء على الفساد’’ و’’إقامة حكم الله في أرضه’’.
• التركيز على القضايا الاجتماعية : قد تسعى الحركات الاجتماعية إلى نوع مغاير من السلطة الاجتماعية. ويمكن أن نضيف إن مطالب الحركات الاجتماعية تتعلق في المقام الأول بقضايا اجتماعية، رغم ما قد يكون لها من انعكاسات سياسية غير مباشرة.
• عدم اشتراط وجود برنامج عمل: إنه لا يشترط في الحركة تحديد برنامج عمل يعكس تصورا لسياسة منهجية للحكم ورغم هذا ينبغي أن تتوفر على وعي بذاتها داخل محيطها وتحديد لهويتها. وهي تسعى إلى إنجاز تغيير في إطار هذا الوعي، كما أن لها نسقًا قيميًا مرجعيًا ورمزيًا وقواعد للمشروعية. كما أنها تسعى إلى الاستقلال والاستقواء بالذات. وفي الوقت ذاته تشارك الحركات الاجتماعية في تهيئة مناخ مختلف سياسيا واجتماعيا وثقافيا، كما أنها تثير الصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية المتشابكة. و ما تثيره من قضايا قد ينغمس في الفضاءات العامة ويكون له تأثير سياسي واضح. و يمكن أن تقتصر على النطاق المحلي الذي وجدت فيه، وليس بالضرورة أن يكون لها بعد وطنى.
• عدم اشتراط الشعبوية او النخبوية : فيما يتعلق بشعبية أو نخبوية الحركة فإن الحركة الشعبية هي أحد تجليات الحركات الاجتماعية، ولكنها ليست التجلي الوحيد لها. فهناك ضرورة لفهم حركات النخب حيثما وجدت وتلمس اتجاهاتها نحو الفئات الشعبية المختلفة، ودور الأخيرة في رؤية الأولى للتغيير.
• مستوى للتنظيم : فينبغي أن يتوفر للحركة الاجتماعية قادة يمكن تمييزهم عن القواعد، وأيضا آليات لتعبئة الموارد المادية والرمزية. وهي تختلف عن الهبة أو التمرد العفوي الذي يفتقد إلى أي درجات من الوعي والتنظيم. وإذا كان كل تنظيم ليس بالضرورة حركة اجتماعية فإننا نستبعد المنظمات التنموية، والخدمية والخيرية، أو الهياكل التنظيمية الفارغة، التي لا يتوفر لها مطالب اجتماعية تسعى من خلالها إلى تغيير في الحالة الراهنة التي لا تمثل مشكلة بالنسبة لها، أو لا تنطوي على هوية محددة أو مرجعية أو رموز خاصة بها، وإذا كانت الحركات الاجتماعية تنحى إلى البعد عن المؤسسات التي تخضع لتنظيم تراتبي صارم وعضوية ثابتة منتظمة، فإن وجود هذا التنظيم لا ينفي صفة الحركة الاجتماعية.
• مرونة الاستمرارية : فإننا نأخذ في الاعتبار أن الحركات الاجتماعية تمر بدورات تزدهر فيها أحيانا أنشطتها، وفي أحيان أخرى تخبو وتسكن.
مستقبل الحركات الاجتماعية
من اصول نشاتها في القرن الثامن عشر فصاعدا لم تمض الحركات الاجتماعية كأداءات فردية او منفرده ولكن كحملات تفاعلية . وبالتالي فان اي حديث عن هذه الحركات ينبغي ان يوضع في الاعتبار هذه المعلومة والتي تشير الى ان التنبؤ بالحركات الاجتماعية المستقبلية يتضمن التفكير حول العلاقات المتغيرة وسط المطالبين بالحقوق واهداف هذه المطالب والجماهير والسلطات وليس مجرد استنتاج الملامح الاكثر ظهورا لاداءات الحركات الاجتماعية ولنتذكر تفاعل الحركات والحركات المضاده والسلطات والجماهير والقوى الخارجية . لذلك فانه من الممكن تخيل اربعة سيناريوهات لمستقبل هذه الحركات وهي :
• التدويل .
بمعني ان يحدث تحولا دقيقا للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية والقومية في اتجاه نشاط الحركة الاجتماعية العالمية .ويعود الفضل في ذلك تحديدا الى ثورة الاتصالات وما رافقها من تجنيد لاعضاء هذه الحركات من خلال شبكة الانترنت .
• انحدار الديمقراطية :
حيث ان ذلك من شانه ان يحبط جميع انواع الحركات الاجتماعية خاصة ذات الحجم الكبير ولكنها قد تترك جيوبا لنشاط الحركة الاجتماعية المحلية او الاقليمية حيث تعيش بعض المؤسسات الديمقراطية . فالمقرطة غالبا مرتبطة بنشاطية الحركات الاجتماعية .
• الاحترافية :
وهي تعني نوع من مأسسة هذه الحركات ومن ثم انحدار الابتكار في الحركات الاجتماعية ومن ثم يصبح تعامل هذه الحركات نخبويا على مستوى طرح القضايا والمشاكل وهو الأمر الذي قد يؤدي بأصحاب المشاكل الحقيقيين بالانفضاض عنها. وهي في الغالب ستقلص من الاهمية النسبية للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية بينما تحول الطاقات الخاصة بالنشطاء والمنظمين الى مستويات قومية او على الاخص مستويات دولية وعالمية .
• الانتصار :
وهي ان تعمل على كل المستويات من المحلي العالمي كوسيلة لتقديم مطالب شعبية وهو امر في رايي ما زال بعيد المنال نظرا لتعقد المشاكل والمعوقات التي تجابه الحركات الاجتماعية واختلاف ظروف كل حركة عن مثيلاتها في دول اخرى.
والخلاصة هي أن الحركات الاجتماعية تتشكل حول مبادئ و’’مصالح معينة’’ بهدف الدفاع عنها، أو للسعي من أجل تحقيقها، وتشمل كلمة ’’المصالح’’ -هنا- الجوانب المادية الملموسة، والجوانب الأخلاقية والمعنوية والقيمية. فهل تتمكن هذه الحركات من الاسهام في حل مشكلات المجتمعات المعاصرة والتحديات التي تجابهها في عصر العولمة؟