وأخيراً بدأ الربيع العربي ينتعش مرة أخرى بعد فترة اختناق استمرت على مدى سنوات عديدة وها هي تونس كالعادة تغرد من جديد وتثبت أن تونس دائما هي الرقم الصعب في المعادلة الديمقراطية العربية ، فقد جاءت الانتخابات التونسية افراز لرحلة شاقة وطويل من الشد والجذب بين قوى سياسية مختلفة ، وبقراءة سريعة لهذه النتائج نستطيع أن نخرج بالملاحظات التالية :
• أنها اثبتت أن المجتمع المدني القوي يفرز قوى سياسية قوية والعكس صحيح . فلولا دور الحركات والنقابات العمالية والأحزاب السياسية في تونس لما مرت عملية التحول الديمقراطية بتلك السلاسة والسلمية.
• أن ادماج المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية قد جر الويلات على الدول التي فعلت ذلك حيث ارتبطت مصالح هذه المؤسسة بفكرة الربح والخسارة من أنشطتها المدنية وبالتالي ظهرت مصالحهم في القوة السياسية التي يجب ان تتصدر المشهد السياسي في الدولة التي يعملون بها مثل مصر على عكس الحال في تونس التي اكتفت مؤسساتها العسكرية بدور المراقب من بعيد والحامي للعملية الديمقراطية في البلاد.
• أن الاعتماد على القوة المسلحة في حسم الخلافات السياسية لا يأت إلا بالدم كما حدث في مصر وسوريا والعراق واليمن . ولم يحدث في تونس التي فضلت كل النخب السياسية فيها اللجوء إلى قوة الاقناع والحجة والحوار الديمقراطي السلمي الخلاق بديلا للإقصاء والعنف السياسي .
• أن هناك فرق بين دولة محورية تتجه كل الأنظار للتغييرات فيها بل وتشارك في عملية التغيير أحيانا مثل مصر وسوريا والعراق ودولة طرفيه مثل تونس تترك لتقرر حالها بيدها .
• أن الاسلاميين هم الرقم الصعب في أي معادلة ديمقراطية، فهم إن لم يكونوا اقوى حركة سياسية فهم على الأقل ثاني أكبر قوة سياسية في الدول العربية وبالتالي فإن تهميشهم أمر شديد الخطوره على الاستقرار السياسي وعملية التحول الديمقراطي في أي دولة .
• أن الاسلاميين في تونس أثبتوا أنهم أكثر استنارة من نخب تدعي الديمقراطية والمدنية حيث قبلوا بنتائج الانتخابات فور اعلانها ولم يحاولوا التشكيك فيها أو الانقلاب عليها كما حدث في مصر .
• ان دولة منفتحه مثل تونس احتكت بالثقافة الغربية عموما والفرنسية خصوصا على مدى عقود طويلة استطاعت أن تخلق حركات اسلامية ومدنية اكثر براجماتية ومرونة في التعامل مع الواقع السياسي العربي المعقد والمثقل بثقافة احادية شمولية . على عكس دول منغلقة تدعي التحضر والمدنية وترجع جذورها الى حضارات قديمه مضت .
• أن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى النفس الطويل الذي يكفل عملية اعادة توعية الشعوب حتى تعرف ما هو الصواب ؟ وما هو الخطأ ؟ اما القفز فوق إرادات الشعوب بحجج انتشار الأمية وانخفاض مستوى الوعي فقد ثبت فشله ولم يجر على دول أصحاب هذا الاتجاه سوى الخراب كما حدث ويحدث في مصر المحروسة .
• أن الانتخابات التونسية أثبتت أنه لا يوجد في العالم ا لعربي قوى سياسية حقيقية سوى الاسلاميين ومن شايعهم وقوى النظام السابق ومن سار على هداهم، وما عدا ذلك فهي حركات كرتونية لا قيمة لها إلا الصوت الزاعق الذي ينتهي بإنتهاء مثيره الوهمي كما حدث مع جبهة الانقاذ في مصر .
مبروك لتونس ولا عزاء لقوى التخلف العربي