الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

العنف السياسي ...مخاطر على الادارة السلمية للصراع

تابعنا منذ فترة بدايات لعنف عشوائي قاده بعض الصبية في شارع محمد محمود وذلك عشية الاحتفال بذكرى شهداء هذاالشارع في العام الماضي والذين قتلوا نتيجة لاستخدام العنف المفرط من جانب قوات الشرطة، وقد امتدت احداث العنف العشوائي هذه لتشمل حرق مقر قناة الجزيرة مباشر مصر ، احد اهم منابر الثورة المصرية منذ انطلاقها في الخامس والعشرين من شهر يناير 2010 ، ولم يقتصر الامر على ذلك بل امتد ليشمل بعض المنشآت العامة الموجوده في شارع محمد محمود ويوسف صديق ، ومع بداية ليل يوم الخميس الثاني والعشرين من نوفمبر ، بدات امور اخرى تتغير على الارض فقد اعلن السيد رئيس الجمهورية د. محمد مرسي اعلانا دستوريا جديدا واتخذ بعض القرارات الهامة التي راى فيها تحصينا لمكاسب واهداف الثورة من عبث البعض خاصة بعض القضاة المحسوبين من وجهة نظر البعض على النظام السابق ، وهو الامر الذي فجر موجه من الغضب من جانب بعض القوى السياسية المحسوبة على الثورة وواخرى محسوبة على النظام السابق بالاضافة الى بعض مؤسسات الدولة مثل المؤسسة القضائية ، وقد اختلفت اسباب كل طرف في الاعتراض ، فالقوى المدنية رات في هذا الاعلان تكريس لسلطة استبدادية ، في حين راى اتبارع النظام السابق انه سيفتح عليهم جبهة سبق وان اغلقت وهي اعادة المحاكمات ، ورات المؤسسة القضائية ان في ذلك انتقاص من هيبتها بعد ما ظنت انها انتصرت في تراجع مؤسسة الرئاسة عن قراراها قبل ذلك بتعيين النائب العام سفيرا لمصر في الفاتيكان ، ومع اختلاف كل طرف في اسباب اعتراضه اختلفت ايضا اليات التعبير عن هذا الاعتراض ، فهناك من طالب بالعصيان المدني واخرين طالبوا بالتظاهر السلمي وطرف ثالث طالب باضراب القضاة ، الا انه مع هؤلاءوهؤلاء ظهر طرف رابع قرر ان يستخدم العنف في ادارة عملية الصراع السياسي مع الدولة وراوا فيما حدث في شارع محمد محمود في الثلاث ايام السابقة على الاعلان الدستوري نموذجا مثاليا لما يجب ان يكون عليه رد فعلهم ، فذاد الهجوم على مقر وزارة الداخلية ،,وامتد الامر ليشمل محاولات من جانبهم لاقتحام مقر مجلس الشورى حيث مكان انعقاد الجمعية التاسيسية ،كذلك تم حرق بعض المنشآت العامة مثل مدرسة الليسية احد اقدم المدارس في مصر ، وبدات بعض المجموعات المنظمة في محافظات مصر المختلفة في الهجوم على مقرات الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ،وهي الاعتداءات التي يبدو انها كانت استجابة في جزء منها لدعوات بعض الثوار الى حرق مقرات الاخوان اسوة بما حدث في ايام ثورة 25 يناير عندما قام بعض الثوار بحرق مقرات الحزب الوطني الحاكم في مصر آنذاك ووصل البعض في تبريره لهذا المنهج العنيف الى القول انه كما كان الاعلان الدستوري الذي اصدره رئيس الجمهوية استثنائي فكذلك هو العنف ايضا استثنائي ، ثم امتدت عمليات العنف بعد ذلك لتطال بعض الرموز السياسية من الطرفين فتعرض النائب السابق ابو العز الحريري لاعتداء قيل انه من جانب عناصر اخوانية في مدينة الاسكندرية، كما تعرض المحامي حمدي الفخراني صاحب قضية مناجم السكري الشهيرة لذات الاعتداء في مدنية المحلة ، ومن الجانب الاخر تعرض الصحفي الاخواني قطب العربي لاعتداء من جانب بعض المعارضين للاعلان الدستوري المكمل في ميدان التحرير ، وذات الامر تكرر مع الدكتور حسن البرنس القيادي في حزب الحرية والعدالة ونائب محافظ الاسكندرية . وهكذا تدور دائرة العنف ويخرج الجميع اسوأ اسلحة المعارضة وهو سلاح العنف والذي لم يستخدم باي حال من الاحول في ايام الثورة العظيمة الا كرد فعل يوم جمعة الغضب ويوم موقعة الجمل . ولكن المثير للانتباه هو رد الفعل الاخواني المتحفظ عن اي تصعيد ، فقد خرج بيان من حزب الحرية والعدالة في الاسكندرية وهو اولى المقرات التي تم حرقها ليؤكد ان ما حدث تم ومقر الحزب خالي من اعضاءه حيث كانوا في مظاهرة تاييد لقرارات الرئيس في قصر الاتحادية بالقاهرة ، واكدوا انهم لديهم القدرة على الرد ورد الصاع صاعين على حد قول البيان الا انهم ابدا لن يستخدموه ، ولكنهم في ذات الوقت لن يسمحوا بتكراره مرة اخرى . ويبدو ان جماعة الاخوان المسلمين تدرك الشرك الذي اعد لها فهناك من يجاول استفزازهم من اجل ان يدفعهم دفعا للعنف وهنا تكون الفوضي الشاملة والتي قد تدفع الجيش دفعا الى التدخل وانهاء حالة الانقسام المجتمعي الحادة وتولي الحكم وهو ما يبدوا ان البعض يتمناه باعتبار انهم يدركون ان نار العسكر افضل مرات من جنة الاخوان . ان الوضع الان في الدولة المصرية على المحك فاما ان تسير الدولة في اتجاهها الذي رسم لها من اجل اقامة ديمقراطية المؤسسات بصياغة دستور جديد للبلاد وانتخاب برلمان قوي او ننتظر فترة ليست بالقصيرة حتى يهدا الشارع ويبدا كل طرف في البحث عن مخرج عقلاني للازمة قد يكون البدء من نقطة الصفر ، ولكن في كل فان الرهان على سلمية الصراع بين الاقطاب السياسية المتنافسة قد بدا يتراجع امام دخول لغة العنف والتي يبدو ان ما يحدث في هذه الايام هو مقدمة لدائرة عنف لن ينجو منها احد وخاصة ان حدود البلاد مستباحة لمهربي السلاحي والذين نجحوا على ما يبدو من تهريب كميات كبيره منه الى الدولة المصرية وصارت الاطراف المسلحة داخل الساحة السياسية تقترب من الدخول المباشر والقوي الى حلبة الصراع وهو ما قد يهدد مصير الدولة المصرية ذاته ويدفعنا دفعا نحو النموذج الليبي في الصراع. فرغم ان معظم التجارب العالمية في التحول الديمقراطي قد مرت بالعديد من الصراعات السياسية ووصلت احيانا الى حد صناعة المؤامرات والنقد الجارح والهدام ، الا ان ذلك غالبا ما يكون جزء من الادارة السلمية للصراع اثناء عملية التحول الديمقراطي وهو ما يميل معظم علماء الاجتماع السياسي الى توقعه باعتباره جزء من حالة السخونة السياسية التي تمر على البلاد الخارجة للتو من مرحلة ثورة شعبية ، ويزداد هذا الصراع سخونة في حالة عدم تبلور قوة سياسية معينة قائدة للثورة وخضوع معظم المواقف وردود الافعال السياسية للاجتهادات الشخصية والرؤى الفردية والتي تكون غالبا تنقصها الكثير من الخبرة والحنكة السياسية . الا ان الخطورة على عملية التحول الديمقراطي تاتي غالبا من تحول هذا الصراع السلمي الى صراع عنيف تخرج فيه القوى السياسية المختلفة اسلحتها المادية كما هو متوقع للحالة المصرية حاليا ، والليبية منذ بدء الثورة على نظام القذافي . وخطورة هذا النوع من الصراع كونه يحتكم الى القوة بمعناها المادي فيصير توازن القوى السياسية غير محكوم بما يملكه البعض من قبول داخل الشارع بقدر ما يصبح انعكاس لما يملكه كل طرف من اسلحة تستطيع ان تحقق اكبر قدر من الخسائر الدموية في الطرف الاخر ، وهنا مكمن الخظر على اي ثورة شعبية حيث عادة ما لا يستطيع طرف حسم الامر لصالحه بشكل كامل وهو ما قد يضطر المؤسسة المنظمة الوحيدة في الدولة والتي تمتلك بحكم الدستور والقانون القوة بمعناها المادي الى التدخل لحسم الامر لصالح بقاء الدولة في حد ذاتها وهي في الحالة المصرية المؤسسة العسكرية ،ويبدو لي ان بعض القوة السياسية تريد بالفعل ذلك وهو ما ظهر من تصريحات بعضهم ،من خلال جر البلاد الى سلسلة من العنف والعنف المضاد تجد المؤسسة العسكرية نفسها مضطرة الى التدخل لحفظ الامن واعادة الامور الى نقطة الصفر مرة اخرى حيث لا رئيس منتخب ولا سلطة تشريعية او حتى قضائية ، واعتقد ان الطرف الذي يمتلك التواجد الفعلي في الشارع سيحاول قد الامكان منع هذا الامر بشتى الطرق من خلال محاولة تجنب تصعيد العنف مع بعض القوى المحسوبة على الثورة .وما المبادرات والتفاهمات التي بدات تظهر مقدماتها في الافق الا مقدمة لهذه المحاولات لوقف مسلسل العنف الذي لن يجنى منه خير الا هؤلاء المتربصين بالوطن والذي يستكثروت عليه عودة مصر القوية مرة اخرى الى محيطها العربي كما كانت في عهود سابقة .

الخميس، 22 نوفمبر 2012

الحكم للشعب .. .. وكفى

كنت في نقاش مع أحد الاصدقاء عن الأوضاع في مصر ، وكان هذا الصديق ممن يصنفون انفسهم باعتباره من الاسلاميين وبعد نقاش ساخن قال لي وهو في قمة الحزن ان ما أراه في مصر الآن هو صراع ليس بين الاسلاميين و المدنيين ولكنه صراع بين من يؤيدون الثورة ومن لا يؤيدوها ، ورغم ان كلمة صديقي بها قدر من التجاوز نتيجة الحالة النفسية السيئة التي وصل اليها معظم الناس نتيجة للأوضاع في مصر ، فان قدر آخر من كلام صديقي صحيح ، فما يحدث من بعض القوى الآن في مصر يذكرني بطفل جلس يبكي ويطالب ويصرخ من اجل احضار حاسب آلي له ،وكذلك فعل شقيقه الاكبر ،وعندما احضر له والده الحاسب وطلب منه ان يستعمله هو وشقيقه الاكبر وبعد فترة ظهر تفوق شقيقه الاكبر عليه في استخدام الحاسب الالى فقرر الطفل معاودة البكاء والصراخ مرة اخرى ولكن ليس من اجل ان تتاح له الفرصة كشقيقه لاستخدام الحاسب الالى ولكن من اجل ان يعيد والده الحاسب الالى للبائع ويعود المنزل مرة اخرى بدون حاسب آلي لا لشئ إلا ان شقيقه بدا في التعاطي الايجابي مع الحاسب وبدا في انجاز بعض الاشياء من خلاله ، وبدلا من ان يحاول الطفل هو ايضا ان يتعلم كيفية التعامل مع الحاسب الالي طلب اعادته مرة اخرى فهو يرى ان بيتا بلا حاسب خير الف مرة من بيت به حاسب ولكنه لا يستطيع ان يناظر اخاه في طريقة التعامل معه. يؤسفني القول أن هذا هو ما حدث بالضبط مع الثورة المصرية ، فبعدما خرجنا جميعا من الثورة ونحن يد واحدة ، وبدا فصيل سياسي معين في التعاطي الايجابي مع حركة الشارع من خلال النزول له والاستجابة لبعض من تطلعاته في حياة كريمه ، وبعد ان اقتنع الشارع بما وعدوا به وصوت لهم في كل انتخابات او استفتاءات جرت بعد الثورة،رأت بعض الفصائل السياسية الاخرى ان نظام ما قبل الثورة كان افضل فقد كان لهم فيه شبه دور نتيجة رغبة من جانب النظام البائد في توزيع بعض الادوار على بعض منهم رغبة في تجنب تحولهم الى معارضة راديكالية متشددة ، اما في نظام ما بعد الثورة فلن يكون لهم دور اي دور إلا من خلال صندوق
الاقتراع وهم ما زالوا يؤمنون انه من الصعب عليهم ان يعطوا هذا الشعب غير المؤهل من وجهة نظرهم حق تقييمهم فهم كما يرون هم انفسهم وليسوا كما يراهم الآخرون ، بل وصل البعض منهم الى المقارنة بين هذا العهد والعهد البائد وتفضيل البائد على الحالي وحاول بعض الاخر ضم بعض من عناصر النظام البائد مثلما دعا كبيرهم في اسوان من اسابيع قليلة . إن القضية الآن ليست نزاعا بين من يحكمون وبين من لا يحكمون ولكنها نزاع بين من يؤمنون بحق هذا الشعب في الاختيار وبين غير المقتنعين بأي ولاية للشعب لنقص وعيه واميته وفقره ووووووو ................ كلي ايمان بان الثورة مستمرة من اجل الحرية والعدالة والخبز والكرامة الانسانية ، ولن تتحقق هذه الشعارات إلا اذا اعطيت السلطة للشعب وأن اي سياسي لن يكون له دور في مصر الثورة إلا اذا خرج من هذا الاستديو الكائن في مدينة الانتاج الاعلامي ، أيا كان اسم القناة الفضائية ، وقرر النزول الى الشعب القائد والمعلم والملهم ليعرف مطالبه ويوعيه بحقوقه وواجباته وما عدا ذلك فهو حرث في ماء لن يجدي شيئا وسيكون ذلك حتما في صالح هذا الفصيل الذي لديه قناعة كاملة بان الشارع لا غنى عنه في اي منافسة سياسية ، لذا فهم يلحون في كل تحدي معهم انهم يريدون الاحتكام للشعب فهو الوحيد مصدر شرعيتهم . كفانا سبا في بعضنا البعض كفانا تخوينا وتسفيها وتكفيرا ولنتجه جميعا إلى الآلية الوحيدة التي ثبت صحتها حتى الآن في كل الدول وفي كل مراحل التاريخ الانساني وهي الديمقراطية ، التي لن يكون لهذا الوطن قيمة إلا من خلالها حتى لو ظهر بعض من مثالبها على الأمد القصير .