الجمعة، 22 نوفمبر 2013

ليس بالانتخابات فقط تكون الديمقراطية..... ولكن

منذ احداث 30 يونية 2013 ومصر تعيش في مناظرات ومناقشات صاخبة حول توصيف ما حدث بعدها في الثالث من يوليو وهل هو انقلاب عسكري ام ثورة شعبية استجاب لها الجيش وخطط ودبر لها اعوانه من قوى المجتمع التقليدية منها والحديثة ، الا ان هذا المعسكر الاخير وهو من يعتبر ما حدث ثورة شعبية يثور ايضا جدل فيما بينهم حول مفهوم الديمقراطية ، وهل نظام ما قبل 3 يوليو 2013 كان نظاما ديمقراطيا وفشل ام انه لم يأخذ من الديمقراطية الا قشورها فقط والمتمثلة في حكم الصندوق بما له وما عليه ، وانقلب على كل قيم الديمقراطية الاخرى والمتمثلة في حرية الراي والتعبير واستقلالية المؤسسات والتغاضي عن حقوق الاقليات . بين هذا الفريق وذاك كانت الديمقراطية بما لها وما عليها محورا لمناقشات ساخنه ولكنها تبقى انها صاحبة قدرة نادرة بين غيرها من المفاهيم الاجتماعية -السياسية على التطور والتغير ، فهي ليست عقيدة جامدة ولا هي حقيقة مطلقة تعالج خارج إطار الزمان والمكان بل هي قيمة مرنة ونسبية تعبر عن نزوع الإنسان نحو الحرية وتطلعه إلى المساواة. لقد اخذت الديمقراطية صور وتطبيقات عديدة عبر تطور المجتمعات وتنوع ثقافاتها. وهو ما ادى الى انقسام المفكرين في ادراكهم لهذا المفهوم الى مدرستين وهما المدرسة الإجرائية وهي المدرسة التي تهتم بالشكل على حساب الجوهر وهناك المدرسة الموضوعية التي تهتم بالشكل والجوهر ايضا . ففي المدرسة الأولى وهى ما تعرف بمدرسة الديمقراطية الإجرائية ترتبط الديمقراطية – وجوداً وعدماً – بعدد من الترتيبات والإجراءات التي تشمل حق التصويت للجميع، وانتخابات دورية نزيهة، ووجود مجتمع مدني قوي، والفصل بين السلطات، وحرية تداول المعلومات، واحترام الحقوق المدنية الأساسية. ويرى أنصار هذا الرأى إن جوهر عملية الانتقال الديمقراطي هو إقامة هذه المؤسسات وحمايتها والعمل على استمرارها. ووفقاً لهم، فإن الديمقراطية هى مجموعة من الترتيبات والإجراءات لانتخاب أشخاص يمارسون السلطة بحكم اختيارهم من الشعب في انتخابات تنافسية حرة. أما المدرسة الثانية وهي المدرسة الموضوعية فإنها تنطلق من الاعتراف بأن إقامة تلك المؤسسات هو شرط ضروري ، ولكنه غير كاف لتحقيق الديمقراطية، وأنه من الضروري ان نضع في الاعتبار الثقافة الديمقراطية للمجتمع ، ودور السلطة في تعزيز هذه الثقافة بما تتيجه من حرية راي وتعبير ، وتشجيعها لحالة من الحوار الدائم والايجابي بين كافة اعضاء المجتمع . لأنه إذا كان هدف الديمقراطية هو صون حرية الإنسان وحقوقه وكرامته، وتحقيق المساواة في فرص الحياة بين الجميع، فإنها لا يمكن أن تتحقق بإقامة المؤسسات والإجراءات وحسب، ولكن بالتأكد من الشق الكيفي أي ماذا ادت اليه الانتخابات؟ ومن أوصلته للحكم؟ وماذا حقق بالنسبة لتجذير حالة الديمقراطية داخل المجتمع ؟ فإجراءات الديمقراطية وترتيباتها ليست ضمانه لاحترام الحقوق المدنية والسياسية أو لتمثيل المصالح الشعبية، فقد تكون تلك الترتيبات والإجراءات واجهة لنشأة نظم تسلطية، ولا يقصد أصحاب هذا الرأى التهوين من قدر أو قيمة المفهوم الإجرائي للديمقراطية، فبدونه لا يوجد الأساس القانوني للنظام الديمقراطي. ولكن المقصود أنه لا يمكن قصر مفهوم الديمقراطية عليه لأنه إذا كان أحد أهم المآخذ على النظم التسلطية هو الظلم الاجتماعي، وعدم احترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، فإنه يكون من الضروري محاسبة النظام الديمقراطي الجديد وفقاً لالتزامه بتحقيق هذه الأهداف. ولعل في التطور التاريخي للدول العديد من النماذج التي تثبت أنه يمكن أن توجد الممارسات والترتيبات الديمقراطية بشكلها الظاهر ، دون الجوهر، فالانتخابات قد تؤدي إلى توفير الغطاء للنظم الاستبدادية لتصدر قوانين وقرارات تعتدي على الحريات العامة وتحد من حرية المؤسسات الشرعية في ممارسة دورها . وهو ما قد يمتد أيضا إلى قيام الحكومات المنتخبة بإصدار تشريعات تقّيد من حرية الرأى والتعبير، وتعيق نشاط مؤسسات المجتمع المدني، وغير ذلك من الممارسات التي تُهدر القيم الديمقراطية. فالقوانين الصادرة عن الهيئات المنتخبة قد تكون ملتزمة بالقواعد التي وضعها الدستور للتشريع من حيث الشكل، ولكنها تكون مخالفة لدورها الاساسي في تعزيز ثقافة ديمقراطية مدنية من حيث الموضوع والجوهر . وعليه فإن الديمقراطية هي ظاهر وجوهر ، وليست مجرد شكل للحكم، وهي تعني ما هو أوسع من مجرد ورقة تلقى في صندوق الانتخاب أو مقعد تحت قبة البرلمان ،حيث أنها تشمل مبادئ تتمثل في الحرية والمساواة التي تكفلها الدساتير الديمقراطية وحرية الرأي والعقيدة وحرية الاختيار وغيرها من الحريات العامة التي تكفلها الدساتير الديمقراطية وتنظمها القوانين في السعي لاقامة ثقافة ديمقراطية مدنية . وبالتالي فإنه لا ينبغي أبداً الإكتفاء بالتركيز على الجانب الإجرائي-الشكلي من الديمقراطية المتعلق بالحريات، وتنظيم الانتخابات، والفصل بين السلطات، وإنما ينبغي إضافة الجانب الموضوعي المرتبط بمحتوى السياسات العامة، فإقامة النظم الديمقراطية لا تكتمل بدون الانتقال من «الإجراءات» إلى «الموضوع»، ومن الشكل الى الجوهر . ومع ذلك فان احدا لا يستطيع ابدا ان يقلل من قيمة الديمقراطية بمعناها الاجرائي كمدخل لا غنى عنه لاقامة نظام ديمقراطي ثابت ومستقر ، فقدرة المجتمع على اختيار النظام الديمقراطي، مرتبطه الى حد كبير بما يملكه المجتمع من ثقافة ديمقراطية مدنية، وهذه الثقافة هي ثقافة مكتسبة ، يمتلكها المجتمع من خلال قدرته على الاختيار الحر بين متنافسين لديهم القدرة على التواصل مع الجماهير واقتاعهم بافكاره ورؤاه . هذا الاختيار الحر مرتبط بامكانية ان يخطأ الشعب مرة واخرى ولكن هذا الخطأ ايضا مرتبط بقدرة المجتمع على التعلم من اخطاءه واصلاحها في اي فعالية انتخابية تتاح له ،دون ان يرتبط ذلك ابدا باي محاولة من جانب فئة معينة لضرب الديمقراطية في شكلها الاجرائي بحجة عدم تمكن المجتمع من الثقافة المدنية الديمقراطية ، والتشكيك في قدرته على الاختيار الصحيح والمثالي ، فغير مطلوب من الشعب في اي مكان او زمان ان يكون اختياره مثاليا ولكن المطلوب فقط ان تكون القدرة على الاختيار الحر والدوري متاحة له . ان الحديث عن غياب الديمقراطية الموضوعية كمبرر لضرب الديمقراطية في شكلها الاجرائي هو حديث استبدادي في المقام الاول بل هو اشبه بمن يحاولون اعادة الساعة الى الوراء بالحديث عن الخبز اولا قبل الحرية ، وهي الرؤية التي قادت العديد من الاوطان الى مستنقع الفقر والجهالة فلا هم وجدوا ، ولا ذاقوا طعم الحرية . ان الديمقراطية لا تعني ابدا صندوق الانتخابات ولكني تعني ،بالاضافة الى ذلك ، التوافق بين ابناء المجتمع على الثقافة المدنية الديمقراطية ، ولكن ذلك يكون من خلال وجود نقطة بداية محددة لهذا التحول من مجتمع شمولي الى مجتمع ديمقراطي، هذه النقطة توافقت العديد من المدارس الفكرية الغربية والعربية على كونها ...... صندوق الانتخابات .