سلطان الزمان
القوة والسياسة في إيران
The Latter-Day Sultan Power and Politics in Iran By Akbar Ganji
From Foreign Affairs , November/December 2008
بقلم: أخبار جانجي
ترجمة :خالد فياض
يتساءل العديد من الايرانيين هل لو كان الاصلاحيين قد فازوا في انتخابات 2005 هل كان من الممكن أن يغير ذلك من الواقع الايراني الكئيب ؟ فطبقا لما صرح به عبد الله رامزانزادا وهو متحدث حكومي رسمي سابق فان الموقف الإيراني الآن هو الأسوأ منذ أكثر من خمسين عاما، فطبقا لرؤية العديد من قادة المعارضة في إيران والتي تتفق في كثير من الأحيان مع وجهة نظر الإعلام الغربي فإنهم يرون أن المدان الوحيد في خلق إيران المريضة هو احمدى نجاد فمن رقابة إلى انهيار اقتصادي إلى فساد إلى احتمالية توجية ضربة عسكرية أمريكية.
لكن الواقع عكس ذلك تماما، فهناك تضخيم مبالغ فيه لدور احمدي نجاد وغض النظر عن الحاكم الحقيقي والفعلي في إيران وهو السيد على خاميني قائد المجلس الاعلي للثورة الإسلامية في إيران. فقد منح الدستور الإيراني صلاحيات كبيرة لقائد المجلس الأعلى على حساب كل المؤسسات في الدولة. وقد ضاعف من هذا النفوذ الفترة الكبيرة التي قضاها السيد خاميني في الحكم والتي امتدت منذ عام 1989 فقد أعطت له العديد من العوامل التي ضاعفت من هذا النفوذ. وذلك بشكل رسمي أو غير رسمي، فكل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية تخضع خضوعا تاما لسيطرته المطلقة. فخاميني هو رئيس الدولة والقائد الاعلي والمرشد الروحي، هو أيضا المسيطرعلى لاقتصاد والدين والشئون الثقافية وذلك من خلال العديد من المجالس الحكومية العديدة، والمنظمات المقيدة للحريات، مثل الحرس الثوري الذي يعين هو بنفسه أعضائه.
من بين كل القادة الذي حكموا إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 فقط آية الله خوميني قائد الثورة، وهاشمي رافسنجاني وهو رئيس إيران في معظم فترات التسعينات وعلى خاميني هم فقط الذي كانت لديهم تأثيرات ملموسة في إيران، فبالرغم من التأييد الذي تحقق لأحمدي نجاد فانه لم يكن ذو تأثير مثل أقرانه المائة الذي حكموا إيران في الثلاثين سنة الأخيرة، وذلك على الرغم أيضا من تأييد على خاميني له وإعطائه صلاحيات لم يسبق لرئيس إيراني التمتع بها، إلا أن نجاد كان فقط الاداة الاساسية لتحقيق أهداف خاميني.
أن سلطة خاميني كبيرة بالشكل إلي يصعب مخالفتها، وبالتالي فان أي تفكير في أن سياسة إيران من الممكن أن تتغير في حالة رحيل احمدي نجاد هو أمر بعيد عن الواقع، فسياسة إيران وخاصة الخارجية سوف تبقى كذلك ما دام هيكل السلطة بهذا الشكل.
6في واحد: نصف دستة من الآخر
أن الحكم على حرية الانتخابات في إيران أمر يحتاج إلى قليل من التدقيق، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وحتى الانتخابات المحلية تعتبر مسرحيه هزلية فالمرشحين ملزمين بالتوقيع على تعهد بأنهم مؤمنين بالثورة نظريا وعمليا وبالدستور الإيراني والإسلام والسلطة المطلقة لقائد المجلس الأعلى للثورةالاسلامية في إيران، وللراحل الخميني. لقد حرم العديد من اليساريين من الدخول في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1992 عندما كان هاشمي رافسنجاني رئيسا للجمهورية. وفي الانتخابات البرلمانية في فبراير عام 2004 وفي أثناء فترة حكم محمد خاتمي سمح فقط لمائة وتسعين برلمانيا من اصل 290 بالدخول للبرلمان الايراني، ليس هذا فقط بل أن 43% من مجموع المرشحين تم استبعادهم من الدخول في الانتخابات من الأساس. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005، وفاز بها احمدي نجاد كانت بالفعل انتخابات مزوره فقد استقال على أثرها العديد من كبار الموظفين الرسميين اعتراضا عليها،ولم يتغير أي شئ رغم هذا، ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا هذا العام تم استبعاد 158 مقعد وترك فقط 132 مقعد للتنافس عليهم، كما أن 26% من المرشحين تم استبعادهم.وقد انتقدت مجموعة الإصلاحيين المجاهدين في منظمة الثورة الإسلامية هذه الانتخابات الديكورية واعتبروها محاولة لخلق برلمان شكلي يدين بالولاء والطاعة للقيادة.
ومع ذلك ومن جهة أخرى فان احد لا يستطيع أن ينكر ان الأوضاع قد تحسنت قليلا فيما يتصل ببعض الأمور. ففي العقد الأول من عمر الثورة الإسلامية كان الوضع غاية في السوء من حيث القمع العنيف للمعارضين، فقد كان الاعتقال السياسي أمرا ممنهجا كما كان التعذيب كذلك أيضا،الا انه قد تلاحظ تحسن واضح ظهر في وضعية حقوق الإنسان في إيران، كنتيجة للحرية المتزايدة التي بدأت الصحافة في التمتع بها، ومناقشتها لقضية انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد بشكل علني. فقد قمنا بالكتابة عن استمرار الجور والظلم من خلال الدفع باالاعتقال فى السجون واحتجازهم دون محاكمة. الا انه ومع ذلك ينبغي التأكيد على التحسن الحاصل في وضعية حقوق الإنسان بالمقارنة بفترة الثمانينيات. إلا أن هذا التقدم قد تباطأ قليلا بتولي احمدي نجاد للحكم. ومع ذلك فانه من الأهمية القول أن تناقص القمع السياسي في البلاد في العقود الثلاث الأخيرة يرجع بصفة أساسية إلى تجذر مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان في عقل الشعب الإيراني مما صعب المهمة على أولئك المسئولين الذين كانوا يتطلعون إلى متابعة جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان. وعلى ذات الوتيرة فان انتقاد المرشد الاعلي للثورة أصبح أمرا متكررا، فصحفيون من أمثال احمد زيد عبادي وايسا ساهرخيز أعضاء رابطة الصحافة الحرة في إيران والمفكر احمد قابيل الذي ينادي باعتبار الحجاب حرية شخصية وليس فرضا دينيا وغيرهم من الجماعات السياسية الإصلاحية، قاموا بكتابة خطابات مفتوحة ومقالات تديني خاميني وتطالب بمشروع جديد للارتقاء بالأمن الاجتماعي ومنع القمع السياسي، خاصة في الجزء المتعلق بإلزام الإيرانيين بلباس محدد (لم يتم الالتزام بشكل كامل بهذا اللباس في عهد احمدي نجاد كما كان في السابق) إلا انه في الواقع الحالي فان الشباب الإيرانيين أصبح أكثر تمسكا باللباس العصري الذي يعتبر لباسا غير مقبول من جانب النظام الإيراني.
أن اللغة الشعبية الخطابية التي يستخدمها احمدي نجاد أعطت فرصة جيدة لتفحص سياساته ووضعها تحت الملاحظة الدقيقة، فباستخدام لغة واضحة في نقد معارضية فان احمدي نجاد قد شجعهم على استخدام ذات اللغة الواضحة والشفافة، فعلى سبيل المثال في بداية هذا العام صرح محسن ارمين، وهو من الرموز الإصلاحية في إيران، معترضا على سياسات احمدي نجاد في تنحية بعض ممن اسماهم بغير المؤهلين من وجهة نظر النظام ،ودعوتهم لعدم ترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية المزمع إجرائها قريبا باعتبارها غير مؤهلين للحفاظ على مصالح البلاد، حيث اعتبر محسن الرئيس احمدي نجاد أول غير المؤهلين لحكم البلاد والذي يجب استبعادهم حتى من الدخول في الانتخابات البرلمانية. وذلك بسبب ما سببه من تضخم اقتصادي أصبح يتزايد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى المعاناة اليومية ذات المصادرالمختلفة التي يعانيها الناس نتيجة لسياساته الخاطئة.أما مساعد وزير الخارجية في عهد رئاسة خاتمي السيد محمد صدر فقد وصف السياسة الخارجية لاحمدي نجاد باعتبارها تفتقد إلى الحنكة ومضللة، أو على حد وصفة شخصية وشديدة الجهالة.أن مثل هذا النقد لم يكن موجودا في حقبة خاتمي، فعلى الرغم من اتهام خاتمي أحيانا بأنه كان معاديا للدين فان احد لم يدعي عليه تشجيع السحر والشعوذة والتدين الأحمق كما فعل البعض مع احمدي نجاد .
الا ان ومع ذلك لم يمنع استمرار الرقابة على الصحف ، ففي نهاية عام 2007 وجه المجلس الأمني الوطني الأعلى والذي يصيغ السياسات الأمنية الإيرانية وجه الصحف بما يجب أن تكتبه عن قضايا العلاقات الإيرانية الأمريكية والعراق والانتخابات البرلمانية والرئاسية ومنع نشر وجهات النظر المعارضة للبرنامج النووي الإيراني أو للأقليات القريبة من الحدود الأفغانية أو العراقية أو حصص البترول، هذه الرقابة تمت أيضا فيعهد رافسنجاني وخاتمي.
أن قدرا من الثناء يستحقها احمد نجاد عن اي تقدم حدث في البلاد في عهده "، ولكنه لا يتحمل وحده المسئولية عن ما حاق بالبلاد في عهده وجعلها اسوأ فترة رئاسة منذ قيام الثورة الإسلامية.
السلطان خاميني:
لو كان هناك احد يجب أن يلام على ما وصلت إليه إيران اليوم فسوف يكون ذلك السيد خاميني، الذي قاد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على مدي عقدين من الزمان سيطر فيها على كل مقاليد الحكم في إيران، أن هذه السيطرة رغم كونها سيطرة تقليدية وفي بعض الأحيان تسمي ارثية، وعادة ما يطلق عليها اسم السلطانية وهي التي تخلط بين الحكم التقليدي والاستبدادي، وعادة ماتحكم من خلال المؤسسة العسكرية والنظام الإداري الذي يعتبر امتداد لحكم آل البيت. أن السلطان عادة ما يؤجل الانتخابات وذلك من اجل إثبات شرعيته وتقويتها، ولكنه ومع ذلك فانه وحتى في حالة إجراء الانتخابات فانه لا يفقد أي من سلطاته. أن السلطان عادة ما يستخدم الدولة بكل سلطاتها، ويحكم بالنيابة عنها، وهو يوجه الاقتصاد طبقا لمشيئته بالاضافة الى سلطاته القمعية وسيطرته على الشعوب، أن شخصا مثل هذا في النظرية عادة ما تجده في التطبيق تحت مسمي خاميني.
أن إيران اليوم هي في الحقيقة دولة سلطانية، ليست شمولية ولا حتى فاشية، فأنت تستطيع في ايران أن تسمع فيها العديد من الأصوات المختلفة،ورغم انها ما زالت من الناحية الرسمية دولة إسلامية ثيوقراطية، لكن نستطيع القول أنها ليست دولة ذات ايدلولجية واحدة مسيطرة، حيث تستطيع أن ترى الليبرالية والاشتراكية والحركات النسوية بديلا للأيدلوجية الحاكمة، والعديد من الإيرانيين يعرفون أنفسهم أحيانا باعتبارها ممثلين لهذه التيارات.كما أن إيران لاتعترف بنظام الحزب الواحد، فعندها حوالي 12 حزب ولكن من الصعب أن تماثل وضعية هذه الأحزاب وضعية الأحزاب في الدول الديمقراطية. أن هذه الأحزاب عادة ما تمثل وجهة النظر المتمايزة على وجهة النظر الحكومية، هذا الوضع خلق ضغطا على خاميني في بعض الأحيان اجبره على الإعلان عن رفضة لبعض عمليات الاغتيال السياسية التي وقعت في عام 1998 .
منذ ثورة عام 1979 والإسلام خدم الدولة الإيرانية، وليس أي شئيا آخر، وقد اعتمد الخميني منذ البداية على الرؤية السلطانية للإسلام (الدولة لها الأولوية على تطبيق الشريعة ) وقد نشر ما يحمل هذا المعني في عام 1988، فالحكم مباح له أن يدمر المساجد والمنازل لو كانت هذه تشكل تهديدا خطيرا للدولة، كما تستطيع الدولة أن تمنع الحج مؤقتا لو أن ذلك شكل معوقا لمصالح الدولة.
لقد منح الدستور الايراني السلطة المطلقة للمرشد الاعلى للثورة الاسلامية ومن هذه المواد الدستورية المادة 57 من الدستور والتي تنص على أن قوة الحكومة في الجمهورية الإسلامية والمتمثلة في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية كلها تحت رقابة القيادة الدينية المطلقة. وقد استخدم خاميني سلطته هذه للسيطرة ليس فقط على السلطات الثلاث للحكومة لكن أيضا على الاقتصاد والدين والشئون الثقافية، وعادة ما يكون ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال المجالس المختلفة أو من خلال الحرس الثوري، هذه السيادة المطلقة تسمح للمرشد الأعلى بالتدخل الاستبدادي في حياة مواطنية الشخصية. هذا الواقع المتمثل في السلطة الواسعة المخولة له والمضمونة بالدستور كانت بعيدة في معظم الاحيان عن العقلانية .
السلطة غير المتوازنة:
المحرك الرئيسي للقوة هي في قدرة المرشد الأعلى في تعيين وإقالة كبار المسئولين الحكوميين، فقد سمح الرئيس رافسنجاني للمرشد الأعلى خاميني باختيار وزير الثقافة، ووزير الداخلية ووزير المخابرات، والتعليم العالي ووزير الخارجية (دائما ما كان خاميني مهتما بهذه الوزارات على وجه الخصوص قدر اهتمامه بالشئون الخارجية، ومنذ هذا التاريخ في عام 1989، حدد خاميني سلطاته في تعيين وإقالة الوظائف العسكرية الحساسة وكبار القيادات الأمنية. وبالتالي فان القضية ليست هل خاميني يستطيع نزع سلطات احمدي نجاد، ولكن القضية هل يستطيع.
وعلى المستوى التشريعي يمارس خاميني سلطاته وسيطرته على البرلمان، فمن الناحية الرسمية فان وزارة الداخلية هي المشرفة على الانتخابات البرلمانية، لكن في الواقع فان هذه المهمة تدخل تحت سلطات مجلس الحرس (نصف هذا المجلس يعين من قبل المرشد الأعلى).كما أن هذا المجلس من سلطاته مراقبة التشريعات والتأكد من مطابقتها للدستور وللائمة الاثني عشر والقانونيين، هذا بالإضافة إلى سلطتهم في اختيار المرشحين لمنصب الرئاسة. والمرشحون للبرلمان ومجلس الخبراء. في كل فانه وطبقا لتصريح السيد / بهزاد نبوي مؤسس حركة المجاهدين الإصلاحيين في المنظمة الثورية الإسلامية، فان أكثر من 3500 شخص ممن تم ترشيح لخوض الانتخابات البرلمانية عام 1992 لم يكونوا مؤهلين لذلك، كما كان هناك أكثر من 80 عضو معين في البرلمان من غير المؤهلين.كما انتقد خاميني مرارا الإصلاحيين في المجلس السادس واتهمه بانهم موالين للولايات المتحدة ويعملون ضد مصالح النظام، وامتدح المحافظين في البرلمان السابع (2004-2008).مجلس الحرس له أيضا حق الفيتو في منع أي قانون يسنه البرلمان(الرئيس لا يمتلك هذا الحق )فعلى سبيل المثال منع مجلس الحرس البرلمان السادس والذي كان مشكوكا في ولائه لمجلس الحرس، من تخفيض ميزانية هيئة البث الإذاعي. وهو ما أكده أبو الجاسم الغزالي وهو عضو في مجلس الحرس إلى الإعلان انه إذا عارض أربعة أعضاء في مجلس الحرس قرار وافق عليه 60 مليون فان هذا القرار يعتبر في حكم الملغى.
ليس هذا فقط، بل أن خاميني مارس سيطرته على كل المؤسسات الإيرانية المنتخبة وذلك بفضل المساندة الدستورية له، فالمادة 110 أعطته الحق في ضبط كل السياسات، فخاميني له سلطة غير محدودة في رسم السياسات العسكرية والاقتصادية والثقافية والقانونية والتعليمية، وإيصالها إلى مؤسسات الدولة لتنفيذها من خلال المجلس Expediency council (وهو المجلس الذي يعين أعضائه من قبل المرشد الأعلى، وهو المخول بحل النزاعات أن وجدت بين البرلمان ومجلس الحرس )في كلمات أخرى حتى لو استطاع الإصلاحيين السيطرة على المؤسسات المنتخبة، فان أي سياسات مستقلة يحاولون إتباعها سوف لن ترى النور وذلك بحجة معرضتها للسياسات العامة للدولة، . وبالتالي فان أي دور بارز للإصلاحيين في البرلمان سوف يؤدي إلى نتائج أسوأ نتيجة لهذه السيطرة التي يتمتع بها على خاميني.
اما السلطة القضائية فتخضع هي الاخرى لسيطرة خاميني، وعادة ما تم استخدمها كأداة قمع. المحكمة الثورية الإسلامية والتي تتمتع بقدر كبيرمن حرية التصرف خاصة في اوقات الفتن فهي تخضع لسلطات المرشد الأعلى للثورة. وزير المخابرات جوهلام حسين محسني ايجي والذي اتخذ قرارات باعتقال العديد من رموز المعارضة وذلك من خلال المحكمة الخاصة للإمام، والمحكمة التاديبية للموظفين الحكوميين، وكلا المحكمتين مسيطر عليهم من قبل المرشد الأعلى. في عام 1998 وفي عهد الرئيس خاتمي أوقف التحقيقات فيما عرف بجرائم المقيدة وذلك حتى نهاية رئاسة خاتمي (حيث تم فتح التحقيق في أربعة قضايا قتل من بين العديد من قضايا القتل التي وقعت آنذاك ) وتوقفت التحقيقات عند مستوى سعيد إمامي عضو وزارة المخابرات وهو احد المشتبه فيهم الرئيسيين في هذه القضية.
وطبقا لأيدلوجية الدولة، فان خاميني هو المهيمن أيضا على الشئون الدينية، فقد نحى جانبا اية الله محمد رضا مهدي خان وعلى اكبر ناطق نوري، وكلاهما من الأئمة المحافظين، والذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في عهد الخميني. لكنهم أصبحوا الآن اقل تأثير واقتصر ظهورهم على المناسبات فقط. أيضا سيطر خاميني على المساجد وقام بتعيين كل خطباء صلاة الجمعة كل أسبوع، كما انه المسئول عن تحديد خطب الجمعة وما يجب أن يقال فيها. الخطباء عادة ما يكونوا مستقلين عن الحكومة ولكن خاميني له سيطرة عليهم وذلك من خلال زيادة التمويل الممنوح لهم.كما انه الذي يحدد من هو الفقيه القادر على التفسير الصحيح للإسلام.
وعلى ذات المستوى فان خاميني هو المسيطر على الشئون الثقافية والأكاديمية. كما انه يراقب وسائل الإعلام بحجة الأمن القومي. ففي نهاية التسعينات وضع خاميني اية الله العظمي اية الله حسين على منتظري وهو الوريث السابق للإمام الخميني تحت الإقامة الجبرية في بيته لعدة سنوات وذلك بعد انتقاده انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وذلك بقرار من المجلس الأمني الوطني الأعلى SNSC.
و في الشئون الثقافية فان سلطة خاميني تمتد لتشمل كل كبيرة وصغيرة. ، ففي عام 1998 منع عبد الله نوري (وزير الداخلية في عهد الرئيس خاتمي )من التحدث في احد المساجد السنية في الريف أثناء احد الاضطرابات التي كان قد قام بها السكان السنة في هذه المنطقة. وعندما رفض نوري تنفيذ أوامره قام خاميني بإقالته من منصبه وإحالته للمحاكمة حيث أدين بعقوبة خمس سنوات في السجن. بالإضافة إلى ذلك فقد قام خاميني بنفسه بفحص قائمة الكتاب المزمع تكريمهم في عام 1998 بمناسبة مؤتمر(الرواية الأدبية في إيران ).خاميني أيضا يؤثر على الإعلام وذلك من خلال سياسات المجلس الأعلى للثورة الثقافية والذي كل أعضائه من المعينين. هو أيضا يجعل من تفضيلاته السياسية معروفة على نطاق واسع الأمر الذي يجعل كل الناس حريصين على إرضائه. وفي عام 1998 خاميني أغدق المديح على بعض الكتاب المسلمين الذين اعتبرهم حماة الدين والساهرين على تنفيذ حدوده في المعركة ضد الغزو الثقافي الغربي.
احتكار العنف:
في أول اجتماع له مع مجلس الوزراء باعتباره القائد الأعلى لمجلس الوزراء. في عام 1989 طرح خاميني نظرية الرعب التي عرفت منهجه في قضايا الأمن الداخلي، والتي تأسست على تفسيره للقران وبداية التاريخ الإسلامي، فقد قال في الاجتماع أن غالبية الناس في الدولة صامتون لكن هناك مجموعات من الأفراد تقدم مصالحها الأنانية على مصالح الشعب هؤلاء من الأهمية أن تستعمل الدولة ضدهم الرعب. وقد وجدت هذه النظرية صلاحية واسعة النطاق ومبررا مقبولا للعديد من عمليات الاغتيال ضد المعارضين في داخل إيران وخارجها بمعني أدق استطاعت هذه السياسة إسكات أصوات المعارضين والذين قد يشكلون تهديدا للنظام.
وفي هذا السياق احتاج خاميني بشدة إلى تأييد المؤسسة العسكرية، لقد كان خاميني منذ زمن مهتم بالعمل الأمني والعسكري، لقد كان هو ممثل الخميني في وزارة الدفاع أثناء الحكومة الانتقالية في عام 1979، ثم انتقل بعد ذلك للعمل فيها ثم شغل منصب مساعد وزير الدفاع، وعندما تأسست وزارة المخابرات ووزارة الأمن عام 1984، عندما كان هو رئيسا للبلاد، طلب خاميني أن يكونا تحت سلطته.
بمرور السنين، زاد خاميني تدريجيا من نفوذ الحرس الثوري وزاد من قوته السياسية والاقتصادية، وبعد فشل محمد باقر ذوالقادر رئيس الحرس الثوري في إنجاح المرشح المنافس لخاتمي في الانتخابات الرئاسية في مايو عام 1997 وأثناء فترة حكم الإصلاحيين، ذاد نفوذ الحرس الثوري والباساج ضد حركات الإصلاح. وزادت قوة حرس الثورة أكثر بوصول احمدي نجاد إلى سدة الرئاسة ،، فقد تضاعفت ميزانية الجيش لتصل إلى حوالي 5% من ميزانية الدولة، وقام خاميني بتسمية رئيس هيئة البث الإذاعي من مجلس حرس الثورة. وتواصل هجوم العسكريين على الإصلاحيين في إيران إلى حد وصف الجنرال حسن فيروزبادي لهم بأنهم عملاء للأمريكان ومنفذين لإرادة سيدهم في البيت الأبيض جورج بوش الابن.
التدخل العسكري في الشأن الاقتصادي هو أيضا كان واضحا فقد كان التدخل سابقا ضمنا أما الآن فهو رسمي، فقد تدخل العسكريين في معظم الأنشطة الاقتصادية وأيضا الحرس الثوري كما شارك بعضهم في تسويق بعض عقود البترول وحقق أرباحا هائلة من وراء ذلك، منذ عام 1990 قام العسكريين والحرس الثوري بتمويل مشروعات إنشاء في وسط طهران العاصمة وذلك قبل وصول احمد نجاد للحكم وقد سهلت لهم السلطات المحلية إعطائهم رخص البناء والتي كانت في السابق هذه الرخص تعتبر من المستحيلات. مضمون الاقتصاد الإيراني نفسه في حالة ليست بالجيدة، فالشركات المسيطر عليها من جانب قوى الأمن بدا نفوذها في ازدياد وما رافقها من قروض سيئة السمعة أضرت بمجمل النظام المصرفي، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أن البرلمان في بداية عام 2008 وافق على إنشاء منظمة للبناء تابعة للباساج وهو الأمر الذي شكل خطوة في اتجاه تعزيز سيطرة الباساج على الاقتصاد القومي على حساب القطاع الخاص، هذا بالإضافة إلى سيطرة البيروقراطية التي أضرت كثير بالاقتصاد الإيراني.
هذا الاعتماد المتبادل بين الإدارة وقوى الأمن ، وهذا التسلل الواسع النطاق لشبكة خاميني من خلال الحرس الثوري قوض استقلالية مؤسسة الحرس الثوري، فعلى سبيل المثال كان الخميني ينأى بنفسه عن تعيين القيادات العليا في الحرس الثوري أما خاميني فهو يتدخل حتى في تعيينات قيادات الفرق، وبالتالي فان إيران الآن لا نستطيع أن نقول عليها أنها دولة ديكتاتورية أو حتى دولة ذات نظام حكم عسكري ولكنها دولة سلطان الزمان.
المزيد من المتشابهات
أن القوة التي يتمتع بها خاميني مؤمنة ومتصاعدة ومستمرة بالشكل الذي لن تتأثر بمجرد فقد احمدي نجاد لسلطته الرئاسية العام القادم بعد انتخابات الرئاسة، وخاصة في مجال السياسة الخارجية.
البعض من منتقدي احمدي نجاد يقولون انه جعل من إيران عرضة لهجوم عسكري من أمريكا وإسرائيل وذلك من خلال تبنيه لسياسات غير حكيمة، الأمر الذي جعل الغرب وإيران على خطي مواجهة وجعل من امكانية وجود خطر عسكري أمر حقيقي. ولكن ما هو دور احمدي نجاد في هذه القضية، أن الواضح أن السياسة الخارجية تقع بشكل كامل في يد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهو نفس ذات الوضع الذى كان موجودا في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد شاه إيران رضا بهلوي وهو الأمر الذي جعل من مساعد وزير الخارجية الإيراني الأسبق في حكومة محمد خاتمي يقول أن السياسة الخارجية في إيران مركزة في يد المرشد الأعلى وذلك عكس الساسة الداخلية التي هي إلى حد ما موزعة على أطراف عدة.
العلاقات الايرانية الامريكية:
منذ أمد بعيد والعلاقات الإيرانية الأمريكية يشوبها التوتر وهذا راجع بشكل أساسي إلى التأييد الذي أولته الولايات المتحدة لشاه إيران وهو ما كان يشكل تعارضا مع المطالب العريضة للشعب الإيراني الكاره للشاه. بالإضافة إلى الدور الأمريكي عام 1953 وقيادتهم لانقلاب معارض لرئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. وقد وصلت العلاقات بين البلدين إلى قمة توترها باندلاع الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 وهي الثورة التي بدأت عهدها باحتلال مجموعة من الطلبة الإيرانيين المتعاطفين مع الإمام لمبنى السفارة الأمريكية في طهران. وطبقا لتصريحات بعض المسئولين الإيرانيين فان الولايات المتحدة هي الدولة التي قامت بتحريض صدام حسين ضده وشنه لحرب ضد إيران استمرت 8 سنوات أسفرت عن مصرع أكثر نصف مليون إيراني وخسائر بلغت تريليون دولار. كما قامت الولايات المتحدة بمهاجمة طائرة إيرانية مدنية في الرحلة رقم 655 وذلك عام 1988, الأمر الذي اجبر الإيرانيين على قبول إنهاء الحرب مع العراق والقبول بقرارات الأمم المتحدة .وبعد وفاة الخميني وبتولي المرشد الحالي مع الرئيس رافسنجاني رأي الاثنين انه من الأهمية بداية علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والغرب عموما، وهو ما بدأه الطرفين بالفعل إلا أن العلاقات ما لبثت في التوتر مرة أخرى وذلك اغتيال بعض المنشقين على النظام الإيراني في بلجيكا، وفي بدايات عام 1997، وجدت إيران نفسها في خطر توجية هجمة عسكرية أمريكية ضدها، وذلك بعد حدوث انفجار في مقر القيادة الجوية الأمريكية في الخبر بالمملكة العربية السعودية وهو الانفجار الذي أسفر عن مقتل حوالي 19 أمريكيا في 25 يونيه عام 1996. وقد اتهمت ايران من جانب كل من المملكة العربية السعودية و FBI بالتخطيط لهذه التفجيرات ،وذلك طبقا لتصريحات ويليام بيري وزير الدفاع الأمريكي آنذاك حيث رصد البنتاجون استعدادات إيرانية للتخطيط لمثل هذه العملية.وبوصول احمدي نجاد للحكم اذدادت احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران.
وبمجئ ادراة كلينتون والتي كانت أكثر استعدادا لمهاجمة إيران فقد تابعت سياسته في الاحتواء المزدوج لكل من إيران والعراق وهو الحصار الذي من خلاله تم تحقيق ستة أهداف هي: عظمت من الحصار الاقتصادي على طهران، منعتها من عمل أي قروض خارجية، منعتها من استيرادا التكنولوجيات الحديثة التي من الممكن أن تستخدم من خلال القوات المسلحة.كما قيدت من قدرة الحكومة الإيرانية على استيراد الأسلحة الحديثة لتعزيز قدرتها الدفاعية، ومنعتها من استخدام الطاقة النووية سواء في المجالات العسكرية أو حتى السلمية. بالإضافة إلى التمكن من استخدام الدعاية الإعلامية ضدها لتشوية صورتها، وبعد فوز الإصلاحيين في مايو عام 1997. ظن البعض أن العلاقات بين الدولتين (إيران والولايات المتحدة ) سوف تأخذ منحى آخر وخاصة بعد حضور خاتمي لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001 هذا الاجتماع الذي ترافق معه بداية ما يسمى بحوار الحضارات. فبعد اجتماع الجمعية العامة حاول كلينتون بشكل غير مباشر أن ينتظر خاتمي خارج غرفة الاجتماعات من اجل أن يصافحه إلا أن خاميني رفض المصافحة باعتبار أن هذه الخطوة هي من الضخامة بحيث من الصعب تقبل تأثيراتها الشعبية.
ومع ذلك فمازال هناك قدر من التعاون بين الولايات المتحدة وإيران خاصة فيما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كما أن طهران رحبت بسقوط حركة طالبان وهي الحركة التي تصفها إيران بأنها حركة سنية متطرفة تناصب إيران العداء باعتبارها دولة شيعية كما أنها تضطهد الشيعة في أفغانستان والدبلوماسيين الإيرانيين. وقد تعاونت إيران مع الولايات المتحدة في إنشاء الحكومة الجديدة وذلك خلال مؤتمر بون ،كما أرسلت إيماءات وذلك بقيام السفير الإيراني في باريس بإرسال رسالة غير موقعة إلى السفير السويسري في طهران اقترح فيها أن تعترف الحكومة الإيرانية بإسرائيل وان تقوم بكبح الجماعات الراديكالية في المنطقة، وتقترح نظام امني جديد في الخليج الفارسي. لكن إدارة بوش كانت في سكرة الفرح بانتصارها في العراق تجاهلت هذا العرض جملة وتفصيلا. وقد فسرت كل أطراف النظام الإيراني هذا التجاهل من جانب إدارة بوش بأنها رسالة أن بعد غزو الولايات المتحدة للعراق سوف تكون إيران الدولة التالية.
وقد تواصلت المساعي الإيرانية لاتخاذ خطوات فاعلة لتفعيل النقاشات الثنائية مع واشنطن وقد بدأت النقاشات بالفعل في عهد الرئيس احمدي نجاد وبدا مستوى الاتصال في الارتفاع. حتى أن احمدي نجاد قد قال انه يأمل في مقابلة الرئيس بوش لكن بوش هو الذي رفض المقابلة وأبدى عدم استعداداه لها. رافسنجاني وخاتمي وهم من المؤيدين لتلطيف العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب عموما أكدوا أن المحادثات لا يمكن استمرارها دون تصديق خاميني عليها وذلك خوفا من اتهامات المحافظين لهم بالخديعة. من جهة أخرى فان احمدي نجادوهو من يوصف بالأصولي والثوري والموثوق به من جانب خاميني يتطلع أيضا إلى علاقات مع الولايات المتحدة. وقد سبق وقال خاميني عن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة بان قطع الروابط معها هو من جوهر سياستنا إلا أننا نؤمن انه من الصعب القطع الكامل لأية روابط إلى الأبد. فالإدارة الأمريكية الحالية تشترط شروطا ضارة بالأمة الإيرانية في حالة إقامة علاقات مع الولايات المتحدة وبالتالي فمن الطبيعي أن نرفض مثل هذه الرابطة الضارة بمصالحنا ولكننا على استعداد لتغيير سياستنا تجاه الولايات المتحدة إذا وجدنا أنها سوف تكون في صالح الأمة الإيرانية .
استمرارية البرنامج النووي
أن هذه القضية تشكل بعدا جوهريا في العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وايران . ويبدو أن هذه القضية أمامها الكثير ليحدث تفاهم حولها، لقد تم البدء في هذا المشروع عام 1989 أي في بداية تولي خاميني لمنصب المرشد الأعلى وتم إحضار أجهزة الطرد المركزي والتكنولوجيا النووية في عهد رافسنجاني وتم تحديث أجهزة الطرد في عهد خاتمي.وتابع روحاني بان المرشد الأعلى هو الذي يضبط السياسات. وعندما ذهب روحاني إلى ألمانيا للتحدث مع الأوروبيين عن برنامج إيران النووي في عام 2005 ادعى احمدي نجاد بان هذه المحادثات تتم تحت تصرفه الشخصي ولكن في سبتمبر 2007 صرح روحاني لوكالة مهر للأخبار بأنه وعلى مدى 18 عام لم يسافر إلى أي مكان دون استشارة القيادة العليا.
بالرغم انه في نهاية رئاسة خاتمي أعلن خاميني انه سوف يعلق أنشطة إيران النووية. وقد فسر ذلك في خطبة له لطلاب الجامعة في بداية العام الدراسي حيث قال أننا قمنا بتعليق برنامجنا النووي من اجل أهداف مقدسة ولكن هذا التعليق غير دائم ولكنه مرتبط بأمور أخرى وأننا لسنا على استعداد لأي إيقاف شامل للبرنامج النووي. نعم نحن قبلنا بتعليق البرنامج النووي ولكننا لم نقبل بإيقافه إيقافا شاملا.
أن تفصيلات احمدي نجاد هي مع برنامج نووي إيراني طويل المدى. وقد وصف خاميني موقف احمدي نجاد في احد اجتماعات مجلس الخبراء بانه من الرسوخ بما كان. وهو ذات موقف المحافظين في البرلمان السابع على عكس موقف آخرين في برلمانات سابقه (يقصد موقف الإصلاحيين المقاوم للبرنامج النووي ) فموقف نجاد يأتي كمقاوم من اجل تنفيذ أوامر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
الاختلافات المتصارعة
خلاف أساسي آخر بين إيران والولايات المتحدة يتعدي رئاسة احمدي نجاد وهو خلاف متعلق باختلاف الرؤى تجاه الشرق الأوسط، فواشنطن متلهفة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط دون النظر إلى مصالح إيران وأمنها في ذات المنطقة. كما أن إيران طواقه هي أيضا لتزعم العالم الإسلامي والي بناء قوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط هذا ما يؤثر بعمق على السياسات في المنطقة. كما انه حتى وأثناء تعاون إيران مع الولايات المتحدة في أفغانستان كانت إيران حريصة على توريط الولايات المتحدة في المستنقع العراقي كما كانت حريصة على دفعها في أتون الصراع بين حزب الله والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخري وذلك حتى تكون الولايات المتحدة مشغولة عن ممارسة أي ضغط على إيران. وهو ما أكده السيد روحاني كبير المفاوضين في البرنامج النووي الإيراني أثناء فترة رئاسة خاتمي.
بقصد أو بدون قصد نستطيع أن نلاحظ أن السياسة الإيرانية مع جيرانها لم تتأثر كثيرا بوصول احمدي نجاد للسلطة، فقد كانت هذه الساسة هي منهج مفضل للمرشد الأعلى. يقول المسئولين الإيرانيين أن حرب الأيام الثلاث والثلاثين بين إسرائيل وحزب الله كانت تحت التوجية الكامل لخاميني. كما أكد السيد لاريجاني كبير المفاوضين السابق في البرنامج النووي الإيراني والسكرتير الرسمي للمجلس الأمني الوطني الأعلى SNSC. يصف الصراع بين حزب الله وإسرائيل بأنه ممتع ويعتبر لحظة مذهلة لي ويرجع الفضل في انتصار حزب الله إلى السيد خاميني شخصيا. فيقول انه يوجه إلى الاستراتيجية السلامية للمرشد والتي وضحت منذ الأسبوع الأول لبداية الحرب بين الطرفين.
ايران واسرائيل :
ستبقي إسرائيل هي لب النزاع بين كل من إيران والولايات المتحدة . فطهران تنظر للحكومة الإسرائيلية باعتبارها المحرض الرئيسي ضدها. ولكن بادعاءات احمدي نجاد والتي أعلن فيها عن نيته تدمير إسرائيل وإنكاره لمذابح الهولوكوست فان احمدي نجاد يعطي الفرصة لإسرائيل من اجل أن تحشد العالم ضدها. انه يختلف قليلا عن الزعماء الإيرانيين السابقين فالخميني كان يؤمن أن إسرائيل يجب تمحى من الوجود كما انه لم يؤمن بدولتين إسرائيلية وفلسطينية يقومون على أساس الحقوق المتساوية بين الطرفين وان كان يؤمن بأنه هناك تمايز بين اليهود ودولة إسرائيل. وكذلك فعل رافسنجاني. حتى خاتمي التي اعتقدت الولايات المتحدة انه قد يقبل بدولتين فلسطينية وإسرائيلية سارع إلى تكرار كلمات الخميني والتي رفض وجود هذه الدولة، ومع ذلك يبقي احمد نجاد الأكثر وضوحا رغم الاختلافات الطفيفة بينه وبين الزعماء الآخرين.
بالرغم من أن زعم احمدي نجاد كان من الممكن أن يضر بالمصالح الإيرانية إلا انه لم يكن ليفعله دون رضا المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. وذلك رغم تعامل خاميني الدقيق مع هذه المقولة وحرصة على عدم زج شخصه مباشرة في هذا الإنكار. إلا انه قلل من تأثير هذه المقولة وقال في تجمع في الجامعة أن البعض قد يقول أن هذه المقولة قد زادت العداوة بيننا وبين الولايات المتحدة وأنا أقول لهؤلاء أن الخصومة موجودة فهي جوهرية بيننا واحتمالية توجية ضربة عسكرية أمريكية لإيران لم تتأثر ايحابا أو سلبا بمثل هذه المقولات.
ان المشاكل في الشرق الأوسط تتخطى التعليقات الساخنة عن إسرائيل والهولوكوست كما أنها تبعد عن الثورة الإسلامية التي اندلعت في عام 1979، أن المسئولين الأمريكيين يجب أن يعلمونا أن إسرائيل تتعامل باستعلاء في الشرق الأوسط وهي ترفض تأسيس دولة فلسطينية. أن رؤية الشعوب في الشرق الأوسط ما زالت تدرك انه من الصعب تحقيق سلام في المنطقة بهذة الطريقة. لقد قال بوش في احد جولاته في الشرق الأوسط عام 2008 أن إيران تشكل تهديدا لأمن دول عموما. لكن إيران لا تتحمل أي مسئولية عن الدفع بالولايات المتحدة في المستنقع العراقي أو الأفغاني. لقد لعب البعث العراقي والقاعدة والجيش الباكستاني والأموال السعودية ادوارا أساسية للدفع بالمنطقة تجاه هذا المستنقع الخطير. وليس من الإنصاف الادعاء بان احمدي نجاد هو الوحيد المسئول عما يحدث في الشرق الأوسط الآن فهناك فاعلين آخرين ومشاكل أخرى ساهمت في حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الشرق الأوسط الآن.
البحث عن حجرة:
في يونيو القادم سوف تجري انتخابات رئاسية في إيران.وبغض النظر عن من الفائز في هذه الانتخابات فطالما بقى خاميني فلا يوجد تغيير متوقع في السياسة الداخلية. أن التغير الحقيقي سيأتي لاحقا عندما يتحرر الإيرانيين من ربقة الحكم السلطاني. أن نظاما مثل إيران التحول فيه للديمقراطية يعتمد على الإصلاحيين وكيف يخلقون لأنفسهم حجرة كافية يستطيعوا أن يناوروا من خلالها مع مؤسسات الدولة المختلفة خاصة المؤسسة العسكرية. والنخب الاجتماعية والقوى الخارجية. وذلك من اجل خلق حركات اجتماعية متعددة ولاحقا استخدام هذه الحركات للدفع بالبلاد نحو الديمقراطية.
في النهاية فانه لا شك أن المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران سوف لن تخدم
العلاقات بين الدولتين وخاصة المصالح القومية. ولكن يجب أن توجه هذه الجهود نحو وقف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والدفاع عن المناضلين من اجل الديمقراطية هناك . ان الولايات المتحدة لا تفعل أي شئ الآن تجاه إيران إلا من اجل وقف البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية وضمان التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة. الأمر الذي يعني أن أهداف المعارضين والمناضلين الإيرانيين من اجل حقوق الإنسان والديمقراطية ليست من بين أهداف الولايات المتحدة. كما أن هؤلاء لا يستطيعون أبدا تأييد أي تهديد من جانب واشنطن باستخدام القوة العسكرية ضد بلادهم. أن سياسة الادارة الامريكية الحالية في عهد الرئيس بوش هي سياسة تسعي إلى تقوية السلطان خاتمي وتجعل من امكانيات التحول الديقراطي في إيران أمرا غاية في الصعوبة.
القوة والسياسة في إيران
The Latter-Day Sultan Power and Politics in Iran By Akbar Ganji
From Foreign Affairs , November/December 2008
بقلم: أخبار جانجي
ترجمة :خالد فياض
يتساءل العديد من الايرانيين هل لو كان الاصلاحيين قد فازوا في انتخابات 2005 هل كان من الممكن أن يغير ذلك من الواقع الايراني الكئيب ؟ فطبقا لما صرح به عبد الله رامزانزادا وهو متحدث حكومي رسمي سابق فان الموقف الإيراني الآن هو الأسوأ منذ أكثر من خمسين عاما، فطبقا لرؤية العديد من قادة المعارضة في إيران والتي تتفق في كثير من الأحيان مع وجهة نظر الإعلام الغربي فإنهم يرون أن المدان الوحيد في خلق إيران المريضة هو احمدى نجاد فمن رقابة إلى انهيار اقتصادي إلى فساد إلى احتمالية توجية ضربة عسكرية أمريكية.
لكن الواقع عكس ذلك تماما، فهناك تضخيم مبالغ فيه لدور احمدي نجاد وغض النظر عن الحاكم الحقيقي والفعلي في إيران وهو السيد على خاميني قائد المجلس الاعلي للثورة الإسلامية في إيران. فقد منح الدستور الإيراني صلاحيات كبيرة لقائد المجلس الأعلى على حساب كل المؤسسات في الدولة. وقد ضاعف من هذا النفوذ الفترة الكبيرة التي قضاها السيد خاميني في الحكم والتي امتدت منذ عام 1989 فقد أعطت له العديد من العوامل التي ضاعفت من هذا النفوذ. وذلك بشكل رسمي أو غير رسمي، فكل من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية تخضع خضوعا تاما لسيطرته المطلقة. فخاميني هو رئيس الدولة والقائد الاعلي والمرشد الروحي، هو أيضا المسيطرعلى لاقتصاد والدين والشئون الثقافية وذلك من خلال العديد من المجالس الحكومية العديدة، والمنظمات المقيدة للحريات، مثل الحرس الثوري الذي يعين هو بنفسه أعضائه.
من بين كل القادة الذي حكموا إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 فقط آية الله خوميني قائد الثورة، وهاشمي رافسنجاني وهو رئيس إيران في معظم فترات التسعينات وعلى خاميني هم فقط الذي كانت لديهم تأثيرات ملموسة في إيران، فبالرغم من التأييد الذي تحقق لأحمدي نجاد فانه لم يكن ذو تأثير مثل أقرانه المائة الذي حكموا إيران في الثلاثين سنة الأخيرة، وذلك على الرغم أيضا من تأييد على خاميني له وإعطائه صلاحيات لم يسبق لرئيس إيراني التمتع بها، إلا أن نجاد كان فقط الاداة الاساسية لتحقيق أهداف خاميني.
أن سلطة خاميني كبيرة بالشكل إلي يصعب مخالفتها، وبالتالي فان أي تفكير في أن سياسة إيران من الممكن أن تتغير في حالة رحيل احمدي نجاد هو أمر بعيد عن الواقع، فسياسة إيران وخاصة الخارجية سوف تبقى كذلك ما دام هيكل السلطة بهذا الشكل.
6في واحد: نصف دستة من الآخر
أن الحكم على حرية الانتخابات في إيران أمر يحتاج إلى قليل من التدقيق، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وحتى الانتخابات المحلية تعتبر مسرحيه هزلية فالمرشحين ملزمين بالتوقيع على تعهد بأنهم مؤمنين بالثورة نظريا وعمليا وبالدستور الإيراني والإسلام والسلطة المطلقة لقائد المجلس الأعلى للثورةالاسلامية في إيران، وللراحل الخميني. لقد حرم العديد من اليساريين من الدخول في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1992 عندما كان هاشمي رافسنجاني رئيسا للجمهورية. وفي الانتخابات البرلمانية في فبراير عام 2004 وفي أثناء فترة حكم محمد خاتمي سمح فقط لمائة وتسعين برلمانيا من اصل 290 بالدخول للبرلمان الايراني، ليس هذا فقط بل أن 43% من مجموع المرشحين تم استبعادهم من الدخول في الانتخابات من الأساس. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005، وفاز بها احمدي نجاد كانت بالفعل انتخابات مزوره فقد استقال على أثرها العديد من كبار الموظفين الرسميين اعتراضا عليها،ولم يتغير أي شئ رغم هذا، ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا هذا العام تم استبعاد 158 مقعد وترك فقط 132 مقعد للتنافس عليهم، كما أن 26% من المرشحين تم استبعادهم.وقد انتقدت مجموعة الإصلاحيين المجاهدين في منظمة الثورة الإسلامية هذه الانتخابات الديكورية واعتبروها محاولة لخلق برلمان شكلي يدين بالولاء والطاعة للقيادة.
ومع ذلك ومن جهة أخرى فان احد لا يستطيع أن ينكر ان الأوضاع قد تحسنت قليلا فيما يتصل ببعض الأمور. ففي العقد الأول من عمر الثورة الإسلامية كان الوضع غاية في السوء من حيث القمع العنيف للمعارضين، فقد كان الاعتقال السياسي أمرا ممنهجا كما كان التعذيب كذلك أيضا،الا انه قد تلاحظ تحسن واضح ظهر في وضعية حقوق الإنسان في إيران، كنتيجة للحرية المتزايدة التي بدأت الصحافة في التمتع بها، ومناقشتها لقضية انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد بشكل علني. فقد قمنا بالكتابة عن استمرار الجور والظلم من خلال الدفع باالاعتقال فى السجون واحتجازهم دون محاكمة. الا انه ومع ذلك ينبغي التأكيد على التحسن الحاصل في وضعية حقوق الإنسان بالمقارنة بفترة الثمانينيات. إلا أن هذا التقدم قد تباطأ قليلا بتولي احمدي نجاد للحكم. ومع ذلك فانه من الأهمية القول أن تناقص القمع السياسي في البلاد في العقود الثلاث الأخيرة يرجع بصفة أساسية إلى تجذر مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان في عقل الشعب الإيراني مما صعب المهمة على أولئك المسئولين الذين كانوا يتطلعون إلى متابعة جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان. وعلى ذات الوتيرة فان انتقاد المرشد الاعلي للثورة أصبح أمرا متكررا، فصحفيون من أمثال احمد زيد عبادي وايسا ساهرخيز أعضاء رابطة الصحافة الحرة في إيران والمفكر احمد قابيل الذي ينادي باعتبار الحجاب حرية شخصية وليس فرضا دينيا وغيرهم من الجماعات السياسية الإصلاحية، قاموا بكتابة خطابات مفتوحة ومقالات تديني خاميني وتطالب بمشروع جديد للارتقاء بالأمن الاجتماعي ومنع القمع السياسي، خاصة في الجزء المتعلق بإلزام الإيرانيين بلباس محدد (لم يتم الالتزام بشكل كامل بهذا اللباس في عهد احمدي نجاد كما كان في السابق) إلا انه في الواقع الحالي فان الشباب الإيرانيين أصبح أكثر تمسكا باللباس العصري الذي يعتبر لباسا غير مقبول من جانب النظام الإيراني.
أن اللغة الشعبية الخطابية التي يستخدمها احمدي نجاد أعطت فرصة جيدة لتفحص سياساته ووضعها تحت الملاحظة الدقيقة، فباستخدام لغة واضحة في نقد معارضية فان احمدي نجاد قد شجعهم على استخدام ذات اللغة الواضحة والشفافة، فعلى سبيل المثال في بداية هذا العام صرح محسن ارمين، وهو من الرموز الإصلاحية في إيران، معترضا على سياسات احمدي نجاد في تنحية بعض ممن اسماهم بغير المؤهلين من وجهة نظر النظام ،ودعوتهم لعدم ترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية المزمع إجرائها قريبا باعتبارها غير مؤهلين للحفاظ على مصالح البلاد، حيث اعتبر محسن الرئيس احمدي نجاد أول غير المؤهلين لحكم البلاد والذي يجب استبعادهم حتى من الدخول في الانتخابات البرلمانية. وذلك بسبب ما سببه من تضخم اقتصادي أصبح يتزايد يوما بعد يوم، بالإضافة إلى المعاناة اليومية ذات المصادرالمختلفة التي يعانيها الناس نتيجة لسياساته الخاطئة.أما مساعد وزير الخارجية في عهد رئاسة خاتمي السيد محمد صدر فقد وصف السياسة الخارجية لاحمدي نجاد باعتبارها تفتقد إلى الحنكة ومضللة، أو على حد وصفة شخصية وشديدة الجهالة.أن مثل هذا النقد لم يكن موجودا في حقبة خاتمي، فعلى الرغم من اتهام خاتمي أحيانا بأنه كان معاديا للدين فان احد لم يدعي عليه تشجيع السحر والشعوذة والتدين الأحمق كما فعل البعض مع احمدي نجاد .
الا ان ومع ذلك لم يمنع استمرار الرقابة على الصحف ، ففي نهاية عام 2007 وجه المجلس الأمني الوطني الأعلى والذي يصيغ السياسات الأمنية الإيرانية وجه الصحف بما يجب أن تكتبه عن قضايا العلاقات الإيرانية الأمريكية والعراق والانتخابات البرلمانية والرئاسية ومنع نشر وجهات النظر المعارضة للبرنامج النووي الإيراني أو للأقليات القريبة من الحدود الأفغانية أو العراقية أو حصص البترول، هذه الرقابة تمت أيضا فيعهد رافسنجاني وخاتمي.
أن قدرا من الثناء يستحقها احمد نجاد عن اي تقدم حدث في البلاد في عهده "، ولكنه لا يتحمل وحده المسئولية عن ما حاق بالبلاد في عهده وجعلها اسوأ فترة رئاسة منذ قيام الثورة الإسلامية.
السلطان خاميني:
لو كان هناك احد يجب أن يلام على ما وصلت إليه إيران اليوم فسوف يكون ذلك السيد خاميني، الذي قاد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على مدي عقدين من الزمان سيطر فيها على كل مقاليد الحكم في إيران، أن هذه السيطرة رغم كونها سيطرة تقليدية وفي بعض الأحيان تسمي ارثية، وعادة ما يطلق عليها اسم السلطانية وهي التي تخلط بين الحكم التقليدي والاستبدادي، وعادة ماتحكم من خلال المؤسسة العسكرية والنظام الإداري الذي يعتبر امتداد لحكم آل البيت. أن السلطان عادة ما يؤجل الانتخابات وذلك من اجل إثبات شرعيته وتقويتها، ولكنه ومع ذلك فانه وحتى في حالة إجراء الانتخابات فانه لا يفقد أي من سلطاته. أن السلطان عادة ما يستخدم الدولة بكل سلطاتها، ويحكم بالنيابة عنها، وهو يوجه الاقتصاد طبقا لمشيئته بالاضافة الى سلطاته القمعية وسيطرته على الشعوب، أن شخصا مثل هذا في النظرية عادة ما تجده في التطبيق تحت مسمي خاميني.
أن إيران اليوم هي في الحقيقة دولة سلطانية، ليست شمولية ولا حتى فاشية، فأنت تستطيع في ايران أن تسمع فيها العديد من الأصوات المختلفة،ورغم انها ما زالت من الناحية الرسمية دولة إسلامية ثيوقراطية، لكن نستطيع القول أنها ليست دولة ذات ايدلولجية واحدة مسيطرة، حيث تستطيع أن ترى الليبرالية والاشتراكية والحركات النسوية بديلا للأيدلوجية الحاكمة، والعديد من الإيرانيين يعرفون أنفسهم أحيانا باعتبارها ممثلين لهذه التيارات.كما أن إيران لاتعترف بنظام الحزب الواحد، فعندها حوالي 12 حزب ولكن من الصعب أن تماثل وضعية هذه الأحزاب وضعية الأحزاب في الدول الديمقراطية. أن هذه الأحزاب عادة ما تمثل وجهة النظر المتمايزة على وجهة النظر الحكومية، هذا الوضع خلق ضغطا على خاميني في بعض الأحيان اجبره على الإعلان عن رفضة لبعض عمليات الاغتيال السياسية التي وقعت في عام 1998 .
منذ ثورة عام 1979 والإسلام خدم الدولة الإيرانية، وليس أي شئيا آخر، وقد اعتمد الخميني منذ البداية على الرؤية السلطانية للإسلام (الدولة لها الأولوية على تطبيق الشريعة ) وقد نشر ما يحمل هذا المعني في عام 1988، فالحكم مباح له أن يدمر المساجد والمنازل لو كانت هذه تشكل تهديدا خطيرا للدولة، كما تستطيع الدولة أن تمنع الحج مؤقتا لو أن ذلك شكل معوقا لمصالح الدولة.
لقد منح الدستور الايراني السلطة المطلقة للمرشد الاعلى للثورة الاسلامية ومن هذه المواد الدستورية المادة 57 من الدستور والتي تنص على أن قوة الحكومة في الجمهورية الإسلامية والمتمثلة في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية كلها تحت رقابة القيادة الدينية المطلقة. وقد استخدم خاميني سلطته هذه للسيطرة ليس فقط على السلطات الثلاث للحكومة لكن أيضا على الاقتصاد والدين والشئون الثقافية، وعادة ما يكون ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال المجالس المختلفة أو من خلال الحرس الثوري، هذه السيادة المطلقة تسمح للمرشد الأعلى بالتدخل الاستبدادي في حياة مواطنية الشخصية. هذا الواقع المتمثل في السلطة الواسعة المخولة له والمضمونة بالدستور كانت بعيدة في معظم الاحيان عن العقلانية .
السلطة غير المتوازنة:
المحرك الرئيسي للقوة هي في قدرة المرشد الأعلى في تعيين وإقالة كبار المسئولين الحكوميين، فقد سمح الرئيس رافسنجاني للمرشد الأعلى خاميني باختيار وزير الثقافة، ووزير الداخلية ووزير المخابرات، والتعليم العالي ووزير الخارجية (دائما ما كان خاميني مهتما بهذه الوزارات على وجه الخصوص قدر اهتمامه بالشئون الخارجية، ومنذ هذا التاريخ في عام 1989، حدد خاميني سلطاته في تعيين وإقالة الوظائف العسكرية الحساسة وكبار القيادات الأمنية. وبالتالي فان القضية ليست هل خاميني يستطيع نزع سلطات احمدي نجاد، ولكن القضية هل يستطيع.
وعلى المستوى التشريعي يمارس خاميني سلطاته وسيطرته على البرلمان، فمن الناحية الرسمية فان وزارة الداخلية هي المشرفة على الانتخابات البرلمانية، لكن في الواقع فان هذه المهمة تدخل تحت سلطات مجلس الحرس (نصف هذا المجلس يعين من قبل المرشد الأعلى).كما أن هذا المجلس من سلطاته مراقبة التشريعات والتأكد من مطابقتها للدستور وللائمة الاثني عشر والقانونيين، هذا بالإضافة إلى سلطتهم في اختيار المرشحين لمنصب الرئاسة. والمرشحون للبرلمان ومجلس الخبراء. في كل فانه وطبقا لتصريح السيد / بهزاد نبوي مؤسس حركة المجاهدين الإصلاحيين في المنظمة الثورية الإسلامية، فان أكثر من 3500 شخص ممن تم ترشيح لخوض الانتخابات البرلمانية عام 1992 لم يكونوا مؤهلين لذلك، كما كان هناك أكثر من 80 عضو معين في البرلمان من غير المؤهلين.كما انتقد خاميني مرارا الإصلاحيين في المجلس السادس واتهمه بانهم موالين للولايات المتحدة ويعملون ضد مصالح النظام، وامتدح المحافظين في البرلمان السابع (2004-2008).مجلس الحرس له أيضا حق الفيتو في منع أي قانون يسنه البرلمان(الرئيس لا يمتلك هذا الحق )فعلى سبيل المثال منع مجلس الحرس البرلمان السادس والذي كان مشكوكا في ولائه لمجلس الحرس، من تخفيض ميزانية هيئة البث الإذاعي. وهو ما أكده أبو الجاسم الغزالي وهو عضو في مجلس الحرس إلى الإعلان انه إذا عارض أربعة أعضاء في مجلس الحرس قرار وافق عليه 60 مليون فان هذا القرار يعتبر في حكم الملغى.
ليس هذا فقط، بل أن خاميني مارس سيطرته على كل المؤسسات الإيرانية المنتخبة وذلك بفضل المساندة الدستورية له، فالمادة 110 أعطته الحق في ضبط كل السياسات، فخاميني له سلطة غير محدودة في رسم السياسات العسكرية والاقتصادية والثقافية والقانونية والتعليمية، وإيصالها إلى مؤسسات الدولة لتنفيذها من خلال المجلس Expediency council (وهو المجلس الذي يعين أعضائه من قبل المرشد الأعلى، وهو المخول بحل النزاعات أن وجدت بين البرلمان ومجلس الحرس )في كلمات أخرى حتى لو استطاع الإصلاحيين السيطرة على المؤسسات المنتخبة، فان أي سياسات مستقلة يحاولون إتباعها سوف لن ترى النور وذلك بحجة معرضتها للسياسات العامة للدولة، . وبالتالي فان أي دور بارز للإصلاحيين في البرلمان سوف يؤدي إلى نتائج أسوأ نتيجة لهذه السيطرة التي يتمتع بها على خاميني.
اما السلطة القضائية فتخضع هي الاخرى لسيطرة خاميني، وعادة ما تم استخدمها كأداة قمع. المحكمة الثورية الإسلامية والتي تتمتع بقدر كبيرمن حرية التصرف خاصة في اوقات الفتن فهي تخضع لسلطات المرشد الأعلى للثورة. وزير المخابرات جوهلام حسين محسني ايجي والذي اتخذ قرارات باعتقال العديد من رموز المعارضة وذلك من خلال المحكمة الخاصة للإمام، والمحكمة التاديبية للموظفين الحكوميين، وكلا المحكمتين مسيطر عليهم من قبل المرشد الأعلى. في عام 1998 وفي عهد الرئيس خاتمي أوقف التحقيقات فيما عرف بجرائم المقيدة وذلك حتى نهاية رئاسة خاتمي (حيث تم فتح التحقيق في أربعة قضايا قتل من بين العديد من قضايا القتل التي وقعت آنذاك ) وتوقفت التحقيقات عند مستوى سعيد إمامي عضو وزارة المخابرات وهو احد المشتبه فيهم الرئيسيين في هذه القضية.
وطبقا لأيدلوجية الدولة، فان خاميني هو المهيمن أيضا على الشئون الدينية، فقد نحى جانبا اية الله محمد رضا مهدي خان وعلى اكبر ناطق نوري، وكلاهما من الأئمة المحافظين، والذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير في عهد الخميني. لكنهم أصبحوا الآن اقل تأثير واقتصر ظهورهم على المناسبات فقط. أيضا سيطر خاميني على المساجد وقام بتعيين كل خطباء صلاة الجمعة كل أسبوع، كما انه المسئول عن تحديد خطب الجمعة وما يجب أن يقال فيها. الخطباء عادة ما يكونوا مستقلين عن الحكومة ولكن خاميني له سيطرة عليهم وذلك من خلال زيادة التمويل الممنوح لهم.كما انه الذي يحدد من هو الفقيه القادر على التفسير الصحيح للإسلام.
وعلى ذات المستوى فان خاميني هو المسيطر على الشئون الثقافية والأكاديمية. كما انه يراقب وسائل الإعلام بحجة الأمن القومي. ففي نهاية التسعينات وضع خاميني اية الله العظمي اية الله حسين على منتظري وهو الوريث السابق للإمام الخميني تحت الإقامة الجبرية في بيته لعدة سنوات وذلك بعد انتقاده انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وذلك بقرار من المجلس الأمني الوطني الأعلى SNSC.
و في الشئون الثقافية فان سلطة خاميني تمتد لتشمل كل كبيرة وصغيرة. ، ففي عام 1998 منع عبد الله نوري (وزير الداخلية في عهد الرئيس خاتمي )من التحدث في احد المساجد السنية في الريف أثناء احد الاضطرابات التي كان قد قام بها السكان السنة في هذه المنطقة. وعندما رفض نوري تنفيذ أوامره قام خاميني بإقالته من منصبه وإحالته للمحاكمة حيث أدين بعقوبة خمس سنوات في السجن. بالإضافة إلى ذلك فقد قام خاميني بنفسه بفحص قائمة الكتاب المزمع تكريمهم في عام 1998 بمناسبة مؤتمر(الرواية الأدبية في إيران ).خاميني أيضا يؤثر على الإعلام وذلك من خلال سياسات المجلس الأعلى للثورة الثقافية والذي كل أعضائه من المعينين. هو أيضا يجعل من تفضيلاته السياسية معروفة على نطاق واسع الأمر الذي يجعل كل الناس حريصين على إرضائه. وفي عام 1998 خاميني أغدق المديح على بعض الكتاب المسلمين الذين اعتبرهم حماة الدين والساهرين على تنفيذ حدوده في المعركة ضد الغزو الثقافي الغربي.
احتكار العنف:
في أول اجتماع له مع مجلس الوزراء باعتباره القائد الأعلى لمجلس الوزراء. في عام 1989 طرح خاميني نظرية الرعب التي عرفت منهجه في قضايا الأمن الداخلي، والتي تأسست على تفسيره للقران وبداية التاريخ الإسلامي، فقد قال في الاجتماع أن غالبية الناس في الدولة صامتون لكن هناك مجموعات من الأفراد تقدم مصالحها الأنانية على مصالح الشعب هؤلاء من الأهمية أن تستعمل الدولة ضدهم الرعب. وقد وجدت هذه النظرية صلاحية واسعة النطاق ومبررا مقبولا للعديد من عمليات الاغتيال ضد المعارضين في داخل إيران وخارجها بمعني أدق استطاعت هذه السياسة إسكات أصوات المعارضين والذين قد يشكلون تهديدا للنظام.
وفي هذا السياق احتاج خاميني بشدة إلى تأييد المؤسسة العسكرية، لقد كان خاميني منذ زمن مهتم بالعمل الأمني والعسكري، لقد كان هو ممثل الخميني في وزارة الدفاع أثناء الحكومة الانتقالية في عام 1979، ثم انتقل بعد ذلك للعمل فيها ثم شغل منصب مساعد وزير الدفاع، وعندما تأسست وزارة المخابرات ووزارة الأمن عام 1984، عندما كان هو رئيسا للبلاد، طلب خاميني أن يكونا تحت سلطته.
بمرور السنين، زاد خاميني تدريجيا من نفوذ الحرس الثوري وزاد من قوته السياسية والاقتصادية، وبعد فشل محمد باقر ذوالقادر رئيس الحرس الثوري في إنجاح المرشح المنافس لخاتمي في الانتخابات الرئاسية في مايو عام 1997 وأثناء فترة حكم الإصلاحيين، ذاد نفوذ الحرس الثوري والباساج ضد حركات الإصلاح. وزادت قوة حرس الثورة أكثر بوصول احمدي نجاد إلى سدة الرئاسة ،، فقد تضاعفت ميزانية الجيش لتصل إلى حوالي 5% من ميزانية الدولة، وقام خاميني بتسمية رئيس هيئة البث الإذاعي من مجلس حرس الثورة. وتواصل هجوم العسكريين على الإصلاحيين في إيران إلى حد وصف الجنرال حسن فيروزبادي لهم بأنهم عملاء للأمريكان ومنفذين لإرادة سيدهم في البيت الأبيض جورج بوش الابن.
التدخل العسكري في الشأن الاقتصادي هو أيضا كان واضحا فقد كان التدخل سابقا ضمنا أما الآن فهو رسمي، فقد تدخل العسكريين في معظم الأنشطة الاقتصادية وأيضا الحرس الثوري كما شارك بعضهم في تسويق بعض عقود البترول وحقق أرباحا هائلة من وراء ذلك، منذ عام 1990 قام العسكريين والحرس الثوري بتمويل مشروعات إنشاء في وسط طهران العاصمة وذلك قبل وصول احمد نجاد للحكم وقد سهلت لهم السلطات المحلية إعطائهم رخص البناء والتي كانت في السابق هذه الرخص تعتبر من المستحيلات. مضمون الاقتصاد الإيراني نفسه في حالة ليست بالجيدة، فالشركات المسيطر عليها من جانب قوى الأمن بدا نفوذها في ازدياد وما رافقها من قروض سيئة السمعة أضرت بمجمل النظام المصرفي، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أن البرلمان في بداية عام 2008 وافق على إنشاء منظمة للبناء تابعة للباساج وهو الأمر الذي شكل خطوة في اتجاه تعزيز سيطرة الباساج على الاقتصاد القومي على حساب القطاع الخاص، هذا بالإضافة إلى سيطرة البيروقراطية التي أضرت كثير بالاقتصاد الإيراني.
هذا الاعتماد المتبادل بين الإدارة وقوى الأمن ، وهذا التسلل الواسع النطاق لشبكة خاميني من خلال الحرس الثوري قوض استقلالية مؤسسة الحرس الثوري، فعلى سبيل المثال كان الخميني ينأى بنفسه عن تعيين القيادات العليا في الحرس الثوري أما خاميني فهو يتدخل حتى في تعيينات قيادات الفرق، وبالتالي فان إيران الآن لا نستطيع أن نقول عليها أنها دولة ديكتاتورية أو حتى دولة ذات نظام حكم عسكري ولكنها دولة سلطان الزمان.
المزيد من المتشابهات
أن القوة التي يتمتع بها خاميني مؤمنة ومتصاعدة ومستمرة بالشكل الذي لن تتأثر بمجرد فقد احمدي نجاد لسلطته الرئاسية العام القادم بعد انتخابات الرئاسة، وخاصة في مجال السياسة الخارجية.
البعض من منتقدي احمدي نجاد يقولون انه جعل من إيران عرضة لهجوم عسكري من أمريكا وإسرائيل وذلك من خلال تبنيه لسياسات غير حكيمة، الأمر الذي جعل الغرب وإيران على خطي مواجهة وجعل من امكانية وجود خطر عسكري أمر حقيقي. ولكن ما هو دور احمدي نجاد في هذه القضية، أن الواضح أن السياسة الخارجية تقع بشكل كامل في يد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهو نفس ذات الوضع الذى كان موجودا في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد شاه إيران رضا بهلوي وهو الأمر الذي جعل من مساعد وزير الخارجية الإيراني الأسبق في حكومة محمد خاتمي يقول أن السياسة الخارجية في إيران مركزة في يد المرشد الأعلى وذلك عكس الساسة الداخلية التي هي إلى حد ما موزعة على أطراف عدة.
العلاقات الايرانية الامريكية:
منذ أمد بعيد والعلاقات الإيرانية الأمريكية يشوبها التوتر وهذا راجع بشكل أساسي إلى التأييد الذي أولته الولايات المتحدة لشاه إيران وهو ما كان يشكل تعارضا مع المطالب العريضة للشعب الإيراني الكاره للشاه. بالإضافة إلى الدور الأمريكي عام 1953 وقيادتهم لانقلاب معارض لرئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. وقد وصلت العلاقات بين البلدين إلى قمة توترها باندلاع الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979 وهي الثورة التي بدأت عهدها باحتلال مجموعة من الطلبة الإيرانيين المتعاطفين مع الإمام لمبنى السفارة الأمريكية في طهران. وطبقا لتصريحات بعض المسئولين الإيرانيين فان الولايات المتحدة هي الدولة التي قامت بتحريض صدام حسين ضده وشنه لحرب ضد إيران استمرت 8 سنوات أسفرت عن مصرع أكثر نصف مليون إيراني وخسائر بلغت تريليون دولار. كما قامت الولايات المتحدة بمهاجمة طائرة إيرانية مدنية في الرحلة رقم 655 وذلك عام 1988, الأمر الذي اجبر الإيرانيين على قبول إنهاء الحرب مع العراق والقبول بقرارات الأمم المتحدة .وبعد وفاة الخميني وبتولي المرشد الحالي مع الرئيس رافسنجاني رأي الاثنين انه من الأهمية بداية علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والغرب عموما، وهو ما بدأه الطرفين بالفعل إلا أن العلاقات ما لبثت في التوتر مرة أخرى وذلك اغتيال بعض المنشقين على النظام الإيراني في بلجيكا، وفي بدايات عام 1997، وجدت إيران نفسها في خطر توجية هجمة عسكرية أمريكية ضدها، وذلك بعد حدوث انفجار في مقر القيادة الجوية الأمريكية في الخبر بالمملكة العربية السعودية وهو الانفجار الذي أسفر عن مقتل حوالي 19 أمريكيا في 25 يونيه عام 1996. وقد اتهمت ايران من جانب كل من المملكة العربية السعودية و FBI بالتخطيط لهذه التفجيرات ،وذلك طبقا لتصريحات ويليام بيري وزير الدفاع الأمريكي آنذاك حيث رصد البنتاجون استعدادات إيرانية للتخطيط لمثل هذه العملية.وبوصول احمدي نجاد للحكم اذدادت احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران.
وبمجئ ادراة كلينتون والتي كانت أكثر استعدادا لمهاجمة إيران فقد تابعت سياسته في الاحتواء المزدوج لكل من إيران والعراق وهو الحصار الذي من خلاله تم تحقيق ستة أهداف هي: عظمت من الحصار الاقتصادي على طهران، منعتها من عمل أي قروض خارجية، منعتها من استيرادا التكنولوجيات الحديثة التي من الممكن أن تستخدم من خلال القوات المسلحة.كما قيدت من قدرة الحكومة الإيرانية على استيراد الأسلحة الحديثة لتعزيز قدرتها الدفاعية، ومنعتها من استخدام الطاقة النووية سواء في المجالات العسكرية أو حتى السلمية. بالإضافة إلى التمكن من استخدام الدعاية الإعلامية ضدها لتشوية صورتها، وبعد فوز الإصلاحيين في مايو عام 1997. ظن البعض أن العلاقات بين الدولتين (إيران والولايات المتحدة ) سوف تأخذ منحى آخر وخاصة بعد حضور خاتمي لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2001 هذا الاجتماع الذي ترافق معه بداية ما يسمى بحوار الحضارات. فبعد اجتماع الجمعية العامة حاول كلينتون بشكل غير مباشر أن ينتظر خاتمي خارج غرفة الاجتماعات من اجل أن يصافحه إلا أن خاميني رفض المصافحة باعتبار أن هذه الخطوة هي من الضخامة بحيث من الصعب تقبل تأثيراتها الشعبية.
ومع ذلك فمازال هناك قدر من التعاون بين الولايات المتحدة وإيران خاصة فيما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كما أن طهران رحبت بسقوط حركة طالبان وهي الحركة التي تصفها إيران بأنها حركة سنية متطرفة تناصب إيران العداء باعتبارها دولة شيعية كما أنها تضطهد الشيعة في أفغانستان والدبلوماسيين الإيرانيين. وقد تعاونت إيران مع الولايات المتحدة في إنشاء الحكومة الجديدة وذلك خلال مؤتمر بون ،كما أرسلت إيماءات وذلك بقيام السفير الإيراني في باريس بإرسال رسالة غير موقعة إلى السفير السويسري في طهران اقترح فيها أن تعترف الحكومة الإيرانية بإسرائيل وان تقوم بكبح الجماعات الراديكالية في المنطقة، وتقترح نظام امني جديد في الخليج الفارسي. لكن إدارة بوش كانت في سكرة الفرح بانتصارها في العراق تجاهلت هذا العرض جملة وتفصيلا. وقد فسرت كل أطراف النظام الإيراني هذا التجاهل من جانب إدارة بوش بأنها رسالة أن بعد غزو الولايات المتحدة للعراق سوف تكون إيران الدولة التالية.
وقد تواصلت المساعي الإيرانية لاتخاذ خطوات فاعلة لتفعيل النقاشات الثنائية مع واشنطن وقد بدأت النقاشات بالفعل في عهد الرئيس احمدي نجاد وبدا مستوى الاتصال في الارتفاع. حتى أن احمدي نجاد قد قال انه يأمل في مقابلة الرئيس بوش لكن بوش هو الذي رفض المقابلة وأبدى عدم استعداداه لها. رافسنجاني وخاتمي وهم من المؤيدين لتلطيف العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب عموما أكدوا أن المحادثات لا يمكن استمرارها دون تصديق خاميني عليها وذلك خوفا من اتهامات المحافظين لهم بالخديعة. من جهة أخرى فان احمدي نجادوهو من يوصف بالأصولي والثوري والموثوق به من جانب خاميني يتطلع أيضا إلى علاقات مع الولايات المتحدة. وقد سبق وقال خاميني عن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة بان قطع الروابط معها هو من جوهر سياستنا إلا أننا نؤمن انه من الصعب القطع الكامل لأية روابط إلى الأبد. فالإدارة الأمريكية الحالية تشترط شروطا ضارة بالأمة الإيرانية في حالة إقامة علاقات مع الولايات المتحدة وبالتالي فمن الطبيعي أن نرفض مثل هذه الرابطة الضارة بمصالحنا ولكننا على استعداد لتغيير سياستنا تجاه الولايات المتحدة إذا وجدنا أنها سوف تكون في صالح الأمة الإيرانية .
استمرارية البرنامج النووي
أن هذه القضية تشكل بعدا جوهريا في العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وايران . ويبدو أن هذه القضية أمامها الكثير ليحدث تفاهم حولها، لقد تم البدء في هذا المشروع عام 1989 أي في بداية تولي خاميني لمنصب المرشد الأعلى وتم إحضار أجهزة الطرد المركزي والتكنولوجيا النووية في عهد رافسنجاني وتم تحديث أجهزة الطرد في عهد خاتمي.وتابع روحاني بان المرشد الأعلى هو الذي يضبط السياسات. وعندما ذهب روحاني إلى ألمانيا للتحدث مع الأوروبيين عن برنامج إيران النووي في عام 2005 ادعى احمدي نجاد بان هذه المحادثات تتم تحت تصرفه الشخصي ولكن في سبتمبر 2007 صرح روحاني لوكالة مهر للأخبار بأنه وعلى مدى 18 عام لم يسافر إلى أي مكان دون استشارة القيادة العليا.
بالرغم انه في نهاية رئاسة خاتمي أعلن خاميني انه سوف يعلق أنشطة إيران النووية. وقد فسر ذلك في خطبة له لطلاب الجامعة في بداية العام الدراسي حيث قال أننا قمنا بتعليق برنامجنا النووي من اجل أهداف مقدسة ولكن هذا التعليق غير دائم ولكنه مرتبط بأمور أخرى وأننا لسنا على استعداد لأي إيقاف شامل للبرنامج النووي. نعم نحن قبلنا بتعليق البرنامج النووي ولكننا لم نقبل بإيقافه إيقافا شاملا.
أن تفصيلات احمدي نجاد هي مع برنامج نووي إيراني طويل المدى. وقد وصف خاميني موقف احمدي نجاد في احد اجتماعات مجلس الخبراء بانه من الرسوخ بما كان. وهو ذات موقف المحافظين في البرلمان السابع على عكس موقف آخرين في برلمانات سابقه (يقصد موقف الإصلاحيين المقاوم للبرنامج النووي ) فموقف نجاد يأتي كمقاوم من اجل تنفيذ أوامر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
الاختلافات المتصارعة
خلاف أساسي آخر بين إيران والولايات المتحدة يتعدي رئاسة احمدي نجاد وهو خلاف متعلق باختلاف الرؤى تجاه الشرق الأوسط، فواشنطن متلهفة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط دون النظر إلى مصالح إيران وأمنها في ذات المنطقة. كما أن إيران طواقه هي أيضا لتزعم العالم الإسلامي والي بناء قوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط هذا ما يؤثر بعمق على السياسات في المنطقة. كما انه حتى وأثناء تعاون إيران مع الولايات المتحدة في أفغانستان كانت إيران حريصة على توريط الولايات المتحدة في المستنقع العراقي كما كانت حريصة على دفعها في أتون الصراع بين حزب الله والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخري وذلك حتى تكون الولايات المتحدة مشغولة عن ممارسة أي ضغط على إيران. وهو ما أكده السيد روحاني كبير المفاوضين في البرنامج النووي الإيراني أثناء فترة رئاسة خاتمي.
بقصد أو بدون قصد نستطيع أن نلاحظ أن السياسة الإيرانية مع جيرانها لم تتأثر كثيرا بوصول احمدي نجاد للسلطة، فقد كانت هذه الساسة هي منهج مفضل للمرشد الأعلى. يقول المسئولين الإيرانيين أن حرب الأيام الثلاث والثلاثين بين إسرائيل وحزب الله كانت تحت التوجية الكامل لخاميني. كما أكد السيد لاريجاني كبير المفاوضين السابق في البرنامج النووي الإيراني والسكرتير الرسمي للمجلس الأمني الوطني الأعلى SNSC. يصف الصراع بين حزب الله وإسرائيل بأنه ممتع ويعتبر لحظة مذهلة لي ويرجع الفضل في انتصار حزب الله إلى السيد خاميني شخصيا. فيقول انه يوجه إلى الاستراتيجية السلامية للمرشد والتي وضحت منذ الأسبوع الأول لبداية الحرب بين الطرفين.
ايران واسرائيل :
ستبقي إسرائيل هي لب النزاع بين كل من إيران والولايات المتحدة . فطهران تنظر للحكومة الإسرائيلية باعتبارها المحرض الرئيسي ضدها. ولكن بادعاءات احمدي نجاد والتي أعلن فيها عن نيته تدمير إسرائيل وإنكاره لمذابح الهولوكوست فان احمدي نجاد يعطي الفرصة لإسرائيل من اجل أن تحشد العالم ضدها. انه يختلف قليلا عن الزعماء الإيرانيين السابقين فالخميني كان يؤمن أن إسرائيل يجب تمحى من الوجود كما انه لم يؤمن بدولتين إسرائيلية وفلسطينية يقومون على أساس الحقوق المتساوية بين الطرفين وان كان يؤمن بأنه هناك تمايز بين اليهود ودولة إسرائيل. وكذلك فعل رافسنجاني. حتى خاتمي التي اعتقدت الولايات المتحدة انه قد يقبل بدولتين فلسطينية وإسرائيلية سارع إلى تكرار كلمات الخميني والتي رفض وجود هذه الدولة، ومع ذلك يبقي احمد نجاد الأكثر وضوحا رغم الاختلافات الطفيفة بينه وبين الزعماء الآخرين.
بالرغم من أن زعم احمدي نجاد كان من الممكن أن يضر بالمصالح الإيرانية إلا انه لم يكن ليفعله دون رضا المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. وذلك رغم تعامل خاميني الدقيق مع هذه المقولة وحرصة على عدم زج شخصه مباشرة في هذا الإنكار. إلا انه قلل من تأثير هذه المقولة وقال في تجمع في الجامعة أن البعض قد يقول أن هذه المقولة قد زادت العداوة بيننا وبين الولايات المتحدة وأنا أقول لهؤلاء أن الخصومة موجودة فهي جوهرية بيننا واحتمالية توجية ضربة عسكرية أمريكية لإيران لم تتأثر ايحابا أو سلبا بمثل هذه المقولات.
ان المشاكل في الشرق الأوسط تتخطى التعليقات الساخنة عن إسرائيل والهولوكوست كما أنها تبعد عن الثورة الإسلامية التي اندلعت في عام 1979، أن المسئولين الأمريكيين يجب أن يعلمونا أن إسرائيل تتعامل باستعلاء في الشرق الأوسط وهي ترفض تأسيس دولة فلسطينية. أن رؤية الشعوب في الشرق الأوسط ما زالت تدرك انه من الصعب تحقيق سلام في المنطقة بهذة الطريقة. لقد قال بوش في احد جولاته في الشرق الأوسط عام 2008 أن إيران تشكل تهديدا لأمن دول عموما. لكن إيران لا تتحمل أي مسئولية عن الدفع بالولايات المتحدة في المستنقع العراقي أو الأفغاني. لقد لعب البعث العراقي والقاعدة والجيش الباكستاني والأموال السعودية ادوارا أساسية للدفع بالمنطقة تجاه هذا المستنقع الخطير. وليس من الإنصاف الادعاء بان احمدي نجاد هو الوحيد المسئول عما يحدث في الشرق الأوسط الآن فهناك فاعلين آخرين ومشاكل أخرى ساهمت في حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الشرق الأوسط الآن.
البحث عن حجرة:
في يونيو القادم سوف تجري انتخابات رئاسية في إيران.وبغض النظر عن من الفائز في هذه الانتخابات فطالما بقى خاميني فلا يوجد تغيير متوقع في السياسة الداخلية. أن التغير الحقيقي سيأتي لاحقا عندما يتحرر الإيرانيين من ربقة الحكم السلطاني. أن نظاما مثل إيران التحول فيه للديمقراطية يعتمد على الإصلاحيين وكيف يخلقون لأنفسهم حجرة كافية يستطيعوا أن يناوروا من خلالها مع مؤسسات الدولة المختلفة خاصة المؤسسة العسكرية. والنخب الاجتماعية والقوى الخارجية. وذلك من اجل خلق حركات اجتماعية متعددة ولاحقا استخدام هذه الحركات للدفع بالبلاد نحو الديمقراطية.
في النهاية فانه لا شك أن المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران سوف لن تخدم
العلاقات بين الدولتين وخاصة المصالح القومية. ولكن يجب أن توجه هذه الجهود نحو وقف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والدفاع عن المناضلين من اجل الديمقراطية هناك . ان الولايات المتحدة لا تفعل أي شئ الآن تجاه إيران إلا من اجل وقف البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية وضمان التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في المنطقة. الأمر الذي يعني أن أهداف المعارضين والمناضلين الإيرانيين من اجل حقوق الإنسان والديمقراطية ليست من بين أهداف الولايات المتحدة. كما أن هؤلاء لا يستطيعون أبدا تأييد أي تهديد من جانب واشنطن باستخدام القوة العسكرية ضد بلادهم. أن سياسة الادارة الامريكية الحالية في عهد الرئيس بوش هي سياسة تسعي إلى تقوية السلطان خاتمي وتجعل من امكانيات التحول الديقراطي في إيران أمرا غاية في الصعوبة.