الأربعاء، 15 أبريل 2009

لمصر لا لحزب الله


هناك الكثير من الأمور تحدث في مصر هذه الأيام تستعصي على الفهم لغرابتها، وعدم خضوعها لمعايير المنطق
من بينها بيان النائب العام المصري الذي اتهم فيه حزب الله اللبناني بالتخطيط للقيام بعمليات عدائية داخل البلاد، وتدريب عناصر مدفوعة من الخارج على اعداد متفجرات لاستخدامها في تلك العمليات.
ولا نعرف لماذا يريد حزب الله تجنيد 'عملاء' في مصر، والاقدام على اعتداءات تستهدف مؤسساتها العامة، فلا يوجد 'ثأر' مبيت لديه تجاه المحروسة، كما ان تاريخه الطويل في اعمال المقاومة لا يشير مطلقاً الى انه نفذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية في الخارج، ناهيك عن تنفيذها ضد اهداف عربية، او مصرية على وجه الخصوص. هذه الاتهامات تبدو 'مفبركة' من ألفها الى يائها، تماماً مثل نظيراتها التي تصدر في حق اعضاء حركة "الاخوان المسلمين"، فلا يمر يوم دون ان تعتقل السلطات المصرية عددا منهم، دون ان يعرف هؤلاء سبباً واضحاً لاعتقالهم.
نفهم لو ان المدعي المصري العام اتهم حزب الله بمحاولة تهريب اسلحة الى حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في قطاع غزة عبر الاراضي المصرية، فهذه تهمة لا ينفيها الحزب، بل يتباهى بها، فعلاقته مع هذه الفصائل معروفة وعلنية، ولكن ان يُتهم بأنه يريد الاقدام على عمليات 'ارهابية' ضد مصر من خلال تجنيد انصار مصريين او فلسطينيين، مثلما اوحى بيان النائب العام، فهذا امر لا يمكن ان يصدقه عقل.
أما الاتهام الاكثر اثارة للاستغراب في البيان المصري، فهو 'السعي لنشر الفكر الشيعي'. وهل يحتاج المصريون الى هذا السعي؟ وهل هناك من لا يعرف كم يحب المصريون آل البيت عليهم رضوان الله؟ ألا يشارك ملايين المصريين كل عام في احياء ذكرى مولد آل البيت في مدنهم ومنذ مئات السنين، أي قبل ان ينشأ حزب الله او تقوم دولة اسلامية في ايران نفسها؟.
مصر تعرضت لموجات من التفجيرات واعمال العنف، استهدفت منتجعات سياحية من اقصى الجنوب (الاقصر) الى اقصى الشمال والشرق (طابا وشرم الشيخ وذهب) وكان القاسم المشترك في جميع التفجيرات ان الجهات التي تقف خلفها مصرية اصولية، لم تكن لها اي علاقة بتنظيمات خارجية، بما في ذلك تنظيم "القاعدة" الذي لم يعلن مسؤوليته عنها رغم اصابع الاتهام التي جرى توجيهها اليه من جهات داخلية وأخرى خارجية.
من الواضح ان هناك محاولة مدروسة من قبل الحكومة المصرية لتحويل الانظار عن المشاكل الداخلية المتفاقمة، باختلاق عدو خارجي، ويفضل ان تكون ارضية الخلاف مذهبية، وهذا ما يفسر هذه الحملة الجديدة على حزب الله. وربما يفيد التذكير بأنه عندما توترت العلاقة مع ايران بسبب عرض فيلم 'اعدام الفرعون' الذي تناول محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل انور السادات، شاهدنا حملة مماثلة ضد ايران، واغلاق مكاتب محطة 'العالم' الفضائية التابعة لها.
الحكومة المصرية تريد افتعال معارك مع حزب الله وتعبئة الشعب المصري ضده، تماماً مثلما حاولت تعبئته ضد الفلسطينيين والعرب، قبل زيارة الرئيس السادات للقدس المحتلة، لتبرير الخروج عن الصف العربي، وانهاء حالة الحرب، وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد.
فحزب الله يشكل خطراً عليها لأنه يدعم المقاومة في القطاع، وحقق نصراً على اسرائيل قلب كل المعادلات العسكرية، الاقليمية والدولية، اثناء عدوانها على لبنان في صيف العام 2006. فالحكومة المصرية تحارب المقاومة وتضيق الخناق عليها، وتوظف كل خبراتها من اجل عدم وصول الطعام والادوية اليها، ناهيك عن السلاح والعتاد الحربي.
هناك 'ثأر' مبيت لدى هذه الحكومة تجاه السيد حسن نصر الله، زعيم الحزب، سببه مطالبته قادة الجيش المصري الذهاب الى قيادتهم السياسية واقناعها بكسر الحصار المفروض على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، والتصدي للعدوان الوحشي الاسرائيلي الذي يطحن عظام الاطفال والنساء، ويحرق اجسادهم بقنابل الفوسفور الابيض.
والمعروف ان للجيش المصري سجلا مشرّفا وناصعا، فهو لم يحارب ابدا شقيقا عربيا ولا مسلما، وكل ما طلبه منه حزب الله، ومعه الامة بأكملها، هو الا يتحول الى اداة للحصار والتجويع ضد شعب عربي سيبقى جارا لمصر بعد ان يذهب هذا النظام الحاكم من شرم الشيخ.
ومن المفارقة ان هذا التحريض ضد حزب الله يأتي في الوقت الذي تتقرب منه دول عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، فقبل اسبوع استقبلت العاصمة البريطانية النائب حسين الحاج حسن الذي يعتبر من اكثر نواب حزب الله نشاطا في البرلمان اللبناني، وقبلها استقبلت السيد ابراهيم الموسوي وزير اعلام الحزب وأحد اعضاء مكتبه السياسي، والمسؤول الاول عن قناة 'المنار'.
وربما يفيد تذكير القائمين على هذه الحملة بأن الولايات المتحدة دعت ايران التي تقف خلف الحزب للمشاركة في مؤتمر انعقد الاسبوع قبل الماضي في امستردام للبحث في كيفية التعاطي مع الاوضاع في افغانستان، وحرص الرئيس باراك اوباما اثناء زيارته الى انقرة على مد غصن الزيتون مجددا لها، وعرض التعاون معها على اساس تبادل المصالح والاحترام المتبادل.
السيد الحبيب العادلي وزير الداخلية المصري امتدح قبل اسبوعين في تصريحات مكتوبة ابناء الطائفة الشيعية في مصر الذين لا يزيد عددهم عن اربعة آلاف شخص على الاكثر، وقال انهم 'مسالمون'، واليوم توجه لهم النيابة العامة تهمة العداء لمصر، وتعتبرهم طابورا خامسا يشكل خطرا على الامن القومي المصري.
الخطر الحقيقي على مصر هو سياستها الحالية المرتبكة، والمساندة بشكل مباشر او غير مباشر للعدوان الاسرائيلي على الامة العربية. وحتى اذا كان حزب الله احد الاخطار فإنه يحتل ذيل قائمة طويلة، وان كنا لا نعتقد ذلك.
فتوجيه دعوة لبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية المتطرفة لزيارة مصر، والالتقاء برئيسها في شرم الشيخ ينطويان على تصغير لمصر ومكانتها واهانة لشعبها وتاريخه المشرف في الدفاع عن كرامة مصر والامة العربية بأسرها.
فماذا ستفعل هذه الحكومة اذا ما قرر نتنياهو اصطحاب وزير خارجيته افيغدور ليبرمان، الذي هدد بقصف السد العالي واغراق مصر، واهان رئيسها عندما قال 'فليذهب الى الجحيم'؟.
نتنياهو رفض القبول بحل الدولتين، واصر على السلام الاقتصادي كبديل، وهدد باجتياح قطاع غزة مجددا للقضاء على المقاومة وفصائلها بشكل نهائي، وتعهد بعدم تفكيك مستوطنة واحدة في الضفة الغربية، وتبنى سياسة وزير خارجيته في سحب الجنسية الاسرائيلية من الغالبية الساحقة من (عرب 48) بحجة عدم ولائهم للدولة العبرية.
حتى محمود عباس رئيس السلطة الخاضع للاحتلال الاسرائيلي، ولا يستطيع مغادرة مكتبه دون اذن شاويش اسرائيلي، قال إنه لن يلتقي نتنياهو إلا اذا اعترف بحل الدولتين وعملية السلام المنبثقة عن مؤتمر انابوليس. فهل السيد عباس اكثر شجاعة وبطولة من مصر العظمى ذات السبعة آلاف عام من الحضارة؟
نحن لا ندافع عن حزب الله، وانما عن مصر ومكانتها، ومحاولة نظامها جرها الى الحضيض، من خلال تبني سياسات قاصرة، عديمة الرؤية، ومغرقة في عدم وطنيتها، وهي السياسات التي جعلت اقرب حلفائها يتجاهلونها بطريقة مخجلة. وما زيارة اوباما الاخيرة لتركيا، وتجاهله لمصر وازهرها وقيادتها للعالمين العربي والاسلامي الا احد الامثلة.