الأحد، 26 يونيو 2011

على استعداد ان ادفع حياتي ثمنا لكي تقول رايك

هذه العبارة هي جزء من مقولة فيلسوف الادباء ، وأديب الفلاسفة، فولتير التي قال فيها "أخالفك الرأي لدرجة أني علي استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لكي تقول رأيك ". فما أجمل فولتير .. وهو يذكرنا بضرورة تقبل الآخر واحترام رأيه مهما كان درجة اختلافي معه . هكذا يكون الاختلاف وتلك ضريبة الديمقراطية التي يجب ان ندفعها، حتى لو كان ذلك على حساب مصالحنا القصيرة المدي ، اما طويلة المدى فتلك قضية اخرى ، فالامم العظمى ترقي وتتقدم باحترام شعوبها للمبادئ والقيم التي تنشا مجتمعاتها عليها ، وهذا الامر يضمن بقوة استقرار المجتمع واستعداده لتخطي ازماته بشكل متحضر وعقلاني يجنبه الامراض الاستثنائية التي تحدث في المجتمعات الضعيفة . نتيجة لاسئثار الاقلية بالراي وعدم احترامها لراي الاغلبية .
اقول هذا بمناسبة ما تشهده مصر هذه الايام من دعوات خبيثة للقفز على نتيجة الاستفتاء على النعديلات الدستورية والتي قال الشعب فيها باغلبية ساحقة انه لا يوافق فقط على التعديلات ولكنه يوافق ايضا على ما يسمى بخريطة طريق تقود مصر الى الدولة الديمقراطية المنشوده ، ويخرج علينا بعض من اصحاب الصوت العالي والفكر المنخفض ليقدموا مبررات في بعضها هزلية وفي الاخري تدعو للتوجس والشك في نية هؤلاء ،ويقدمون في ذللك حجج منها :
1- ان الاستفتاء جرى على عجل وغاب عنهم ان هذا الاستفتاء الذي جرى على عجل شارك وصوت فيه اعداد من المواطنين فاقت كل اعداد الانتخابات والاستفتاءات الحقيقية والمزورة التي جرت في مصر في العصر الحديث ، وقد كانوا هم يشكلون شريحة كبيرة ممن صوتوا ، ألم يكن لهم ان كانوا من المؤمنين بان الاستفتاء سيتم على عجل ان يدعوا لمقاطعته حينها كنوع من المقاومة السلبية المحموده والمعروفه في كل دول العالم؟ ولكن الذي حدث هو العكس فقد شاركوا ودعوا الاخرين الى المشاركة وبكثافة، بل ان منهم من اعلن قبل النتيجة انه على استعداد لقبولها مهما كانت . ولكن يبدو انهم حنوا الى الماضي الذي كان يحتقرهم ويصوت لهم وهم في بيوتهم ويريدون ان يقفزوا على ارادة الشعب كما كان المخلوع يفعل .
2- الحجة الثانية التي يقدمها هؤلاء وهي ايضا طريفة وهزلية انهم يقولون اننا قد استفتينا على تعديل الدستور وليس اعلان دستوري ويشغلون انفسهم بكلام بعض ممن اطلقوا عليهم كبار القانويين وفقهاءه والذين كان يطلق عليهم في عهود مضت ترزية القوانين . تحول هؤلاء بقدرة قادر الى فقهاء . وفات عليهم ان القانوني يختلف عن السياسي فاذا كان القانوني ينظر لشكل النص فان السياسي ينظر لروح لنص وشتان بين الامرين ، فالقضية ليست مادة هنا او فقرة هناك وليس قضية تعديل او تغيير ولكنها قضية خريطة طريق خير الشعب فيها بين ان تكون الانتخابات اولا تليها انتخاب جمعية تاسيسية تضع دستور جديد للبلاد ، وبين تشكيل جمعية تاسيسية -حتى الان لم يتفق من يقولوا الدستور اولا على شكلها بعد- تضع دستور جديد للبلاد يليها انتخابات . هذه هي القضية كما يراها الساسه الذين كان كل عملهم دائما ينطلق من الواقع وليس من كتب القانون التي تحوي العديد من الاشياء ونقيضها في ان واحد . هذان هما الخياران اللذان استفتي عليهما الشعب وقال الشعب كلمته بقوة مؤيدا ان تكون الانتخابات اولا ، وغير ذلك فهي تفاصيل لا تهم سوى الاقلية التي تشغل نفسها بقضايا ثانوية ليست هي مجالنا الان في مصر بعد الثورة .
3- اما الحجة الثالثة وهي من الحجج موضع شك نتيجة لغرابتها ولكنها هزلية ايضا ،وهو انه من المتوقع ان جرت الانتخابات في موعدها فسوف يفوز بها الاسلاميين باعتبار انهم الاكثر خبرة وتنظيما ومالا . اما هزلية الحجة فتنبع من تشابهها مع حجة التلميد البليد قبل الامتحان فقرنائه اجتهدوا وصبروا وصابروا وناضلوا من اجل الفوز في الامتحان وهو كان نموذجا للتلميد المتكاسل الذي ركز كل جهده في ليلة ما قبل الامتحان وهي في موضعنا هنا الثورة ويريد ان يتساوى مع من ثار وناضل وقاوم منذ اكثر من ثمانين عاما واخص بالذكر هنا جماعة الاخوان المسلمين . فمع اختلافي مع هؤلاء فانهم دفعوا ضريبة اكبر بكثير مع اخرين شاركوا في الثورة وكان لهم فضل فيها عظيم ولكن لا يستويان . اما عن الشك الذي تثيره هذه الحجه فهي كونها تصدر عن تيارات عرفت بتعاطف الغرب معها الامر الذي يجعلنا نعتقد ان هناك ثمة اتفاقا بين تلك التيارات وهذه الدول وهو امر ان صح فهو يفقد هذه التيارات جزءا كبيرا من وطنيتها ويفقد مصر ان نجحوا فيما يخططون له جزء كبيرا من استقلاليتها .
ان قضية الديمقراطية تقتضي منا ان نقبل الاخر مهما كان هذا الاخر ونعطيه الفرصة لكي يحكم واثقين كل الثقة ان مصر بعد الثورة لن تسمح ابدا بان الصندوق الذي اوصل الاخوان الى الحكم ان يكون الاخير كما ان الدستور الذي من الممكن ان تصيغه اكثرية اسلامية ليس مقدسا عن التعديل او الالغاء مرة اخرى فقد حددت وستحدد مواد كثيرة اليات تعديل وتغيير الدستور اعتقد انها لن تكون جامدة بالشكل الذي يمنعنا من دستوراخر نصيغه نحن –الليبراليين – ان تمكنا من الحكم في المستقبل .
ان الثورة لم نقم بها من اجل ان تعيد انتاج ذات الثقافة التي جذرها فينا نظام المخلوع وهي ان الاقلية صاحبة الصوت العالي تسيطر على الاغلبية التي تفضل العقلانيةوالهدوء في التعامل . وهذه الاقلية حتى الان لا تدري خطورة ما تفعل، فهي ان استطاعت ان تمرر رغبتها في ان يكون الدستور اولا وقفزت فوق ارادة الشعب فهي تكون قد ارتكبت جريمة في حق مصر كلها وهدمت اهم ركن من اركان الثورة وهو ثقة الجماهير الغفيرة في ذاتها وفي قدرتها على احداث التغييرالذي تصبوا اليه ، فهي ان اهمل رايها مرة اخرى سوف لا يكون امامها الا امرين اما ان تتحول الى قنابل غير موقوته قابله للانفجار في اي لحظة او تعود الى بيتها مرة اخرى كما كانت من قبل وتلك النكسة الكبري .
ان الامر يحتاج منا الى العمل والتضحية معا ، فالعمل فهو من اجل ان نزيد دورنا في الشارع ونتعلم من تجارب من سبقنا في ضرورة صياغة دستور توافقي للبلاد يضمن عدم اضرار الاغلبية بمصالح الاقلية ، اما التضحية فهو قبول نتيجة الانتخابات النزيهه ايا كانت والقبول براي الاخر ايا كان قسوته علينا واثقين كل الثقة في قدرتنا على العمل داخل الشارع من جديد في ظل مناخ تسوده روح الديمقرطية في مصر بعد الثورة . مرديين مقولة الفيلسوف الفرنسي فولتير "أخالفك الرأي لدرجة أني علي استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لكي تقول رأيك"