السبت، 8 نوفمبر 2014

توافق ديمقراطي لا ديمقراطية توافقية

فرق كبير وجوهري بين التوافق الديمقراطي الذي يقصد به نوع من التراضي العام على مبادئ وأسس وقواعد التطور الديمقراطي، والديمقراطية التوافقية والتي يتم اللجوء إليها في بعض الدول المنقسمة ثقافيا، حين تكون الإنتماءات الدينية أو الطائفية أو العرقية عائقاً أمام بناء نظام ديمقراطي.
ويكمن الفرق في أن التوافق الديمقراطي يحدث بين أحزاب وقوى وجماعات واتجاهات سياسية وأيدلوجية ،أي يدور الخلاف بينها حول مواقف وبرامج يختارها أنصارها بإرادتهم، وليس حول هويات أولية يولدون بها . وربما يجوز تشبيه هذا التوافق  بالاساس الخرساني  الذي يوضع تحت الارض عند بناء أي مبنى، فحين نشرع في مثل هذا البناء يجوز أن نختلف على كل شئ فيه، إلا مواصفات ومستلزمات الأساس الذي يقام عليه المبنى، فإذا اختلفنا على هذا الأساس يكون ما نفعله مقدمة لانهيار المبنى فور بنائه .
والنظام السياسي الديمقراطي لا يختلف في الجوهر ، إذ يجوز أن نختلف على كل شئ فيه فيما عدا المقومات الأساسية للدولة التي بنبغي أن نتوافق عليها ،لأنها لا تتغير من انتخابات لأخرى ،فلا يمكن أن تؤدي انتخابات مثلا إلى دولة دينية فيما تقود الانتخابات التالية لها إلى دولة علمانية. فهناك مقومات نتوافق عليها ولا يغيرها احدنا بمفرده ،حتى إذا حصل على أغلبية كبيرة .
والتراضي العام الذي يتركز بهذا المعنى في مقومات الدولة ، ينصرف أيضاً إلى المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي والاجتماعي والمحددات الرئيسية لتنظيم العلاقة بين أطرافه سواء بين الحكم والمعارضة ،أو بين قوى المعارضة بعضها البعض، وهو ما يعرف عموما بقواعد اللعبة . فلا فرق في الجوهر بين التنافس السياسي والثقافي والفكري والتنافس في أي مجال من مجالات الحياة ،ولا يستقيم أي تنافس بدون قواعد ينطلق منها المتنافسون ويعودون إليها كلما اقتضى الأمر ،فإذا لم يرتض فريقان، وهما في الملعب ، القانون الذي ينظم اللعبة ،تنتفي اهم مقومات التنافس وتنهار المسابقة التي يلعبان في إطارها ،وكذلك الحال إذا ارتضى أحدهما هذا القانون بينما أراد الثاني تطبيق قانون ينظم لعبة أخرى مختلفة .ولذلك نقول أنه من الصعب المضي قدما نحو إطلاق التنافس السياسي دون قيود في غياب توافق عام أو تراض عام على بعض من أهم مقومات الدولة .
ولهذا فالتراضي العام يعتبر ذو اهمية محورية في النظام الديمقراطي تحديداً ، حيث لا مجال له في النظم الأوتوقراطية الفردية ، التي يفرض فيها نظام الحكم ما يرتضيه هو دون غيره ،في الغالب الاعم ، فالتراضي هو بطبيعته عمل من أهم الأعمال الديمقراطية بل يجوز القول انه العمل المؤسس لأي ممارسة تستحق أن توصف بأنها ديمقراطية وذلك لسببين :
أولهما أنه يتحقق عبر حوار لا يمكن أن يستمر ويثمر بدون التزام حقيقي بالديمقراطية من أطرافه كافة .أما السبب الثاني فهو أن الديمقراطية التي تفتقد إلى التراضي، تصبح صعبة المنال أو قابلة للتعثر السريع أو الانتكاس الفوري، فالديمقراطية لا تمارس في الهواء وإنما على أرض محدده ،وإذ لم تكن هذه الأرض ثابته فهي تميد بمن يقف عليها ،وأخطر ما يواجه أي تطور ديمقراطي هو ان يظن أطرافه أو بعضهم أن الديمقراطية هي بمثابة تنافس منفلت من أي قواعد ومعايير ،وأن الشعب يختار من يريده بين المتنافسين بمنأى عن اطار ينظم التنافس ويحدد ما هو ثابت لفترة معينة وما هو متغير .
ولذلك يحدث التوافق الديمقراطي عادة على مبادئ وقواعد يلتزم الجميع بها لضمان سلامة العملية الديمقراطية واستمرارها وتجنب ما يمكن ان يؤدي إلى تعثرها أو انتكاسها بغض النظر عن نتائج الانتخابات ومن يفوز بها او يخسر . وهناك العديد من الامثلة على هذا النوع من الديمقراطيات في العالم وخاصة في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وتركيا والتي قامت فيه الانظمة ببناء نظام سياسي يتوافق عليه الجميع وتكون مرجعيتهم في ذات الوقت للدولة المدنية المركزية .
 أما الديمقراطية التوافقية فقد ظهرت عندما انتشرت الأنظمة الديمقراطية بشكل كبير خلال القرن الماضي خارج القارة الأوروبية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بسبب فشل الأنظمة غير الديمقراطية، وحدوث حالة واسعة من النمو والانتعاش الاقتصادي وتطور الثقافة السياسية،وقد حدثت هذه التطورات في مجتمعات تتميز بانقسامها الشديد والواضح. وبدأ التفكير جدياً في كيفية إيجاد حلول سياسية تساهم في ضمان تحقيق الديمقراطية بشكل يضمن أقصى درجات الاستقرار السياسي، ويحول دون حدوث صراعات في هذه المجتمعات. البعض حينها اهتم بكيفية استخدام الحكم الذاتي أو الفيدرالية، بحيث تكون الفرصة متاحة للأكثرية وللأقليات غير المتجانسة في الوقت نفسه للمشاركة السياسية في الحكم. وكانت النتيجة القدرة على تحقيق التوافق بين مكونات المجتمع، ومن أمثلة ذلك بلجيكا، والنمسا، وسويسرا،وكندا،وهولندا. ومن العالم العربي كانت لبنان نموذجا لهذا النوع من الديمقراطيات .
ان الديمقراطية التوافقية تفترض اتفاقا على ترتيبات اجرائية محددة لضمان تمثيل مختلف الهويات الموجوده في المجتمع ،بما في ذلك تلك التي يقل عدد المنتمين اليها ،  فهي شكل من أشكال الحكم المطبقة في بعض البلدان غير المتجانسة شعبيا .وهي تقضي بإعطاء حق الحكم بالتوافق فيما يتعلق ببعض الأمور الأساسية للجماعات المتمايزة عن بعضها البعض ، والمكونة في مجموعها للدولة ، والتمايز يكون سببه عادة اختلافا في الأصول الاثنية أو اللغوية . ويزداد التمايز عندما تكون لدى كل جماعة هواجس معينة تجعلها خائفة دوما من احتمال طمس هويتها من قبل الجماعات الأخري، أو ذوبانها ضمن الأغلبية السكانية أو الانتقاص من حقوق افرادها الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ، وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة أو العامة فيتماسك الأفراد داخل كل جماعة مكونين بذلك قوة سياسية تتنافس مع غيرها من القوى الأخرى مثيلاتها ،وقد يصل بهم الأمر إلى حد التعصب لهويتهم الخاصة بهم فيشعر الموطن نتيجتها أن له هويتين ، هوية نابعة من انتمائه إلى جماعته وأخرى نابعة من انتمائه السياسي إلى الوطن الذي يحمل جنسيته، وعندما تحتدم العصبيات بين الجماعات يتنازع الفرد هاتين الهويتين،  بحيث تطغى في الغالب هويته الخاصة ،ذات الطبيعة العنصرية الضيقة ، على هويته الوطنية وهنا يتوزع شعب هذه الدولة بين قوى سياسية لكل منها خلفياتها وخصوصياتها التي تجعلها مختلفة أو متمايزة عن غيرها،  ويتم اللجوء إلى التوافق في حال انعدمت الثقة المتبادلة بين هذه القوى الخائفة من بعضها البعض أو في حال عجزت هذه القوى المتنافسه عن تحديد الغايات والآمال المشتركة التي تكفل عادة جميع المواطنين وصهرهم ضمن بوتقة وحدة وطنية صلبة ومتماسكه . فهي تعتبر نوع من الكونفدرالية حيث تؤخذ الآراء بالإجماع ،ويكون لكل جماعة فيتو يمنع صدور أي قرار في الأمور المصيرية من دون موافقتها . وقد كان النموذج اللبناني دليلا على هذا النوع من الانظمة السياسية التي تطبق هذا النوع من الديمقراطية دون ان تكون هناك تربة قادرة على استيعاب هذه الفروق الاثنية والطائفية الواضحة بين اطياف المجتمع بسبب عدم نضج ثقافة ديمقراطية قادرة على قبول الآخر والتعايش معه في اطار من الدولة المدنية التي تجمع كل الطوائف والممل والأعراق في بوتقة واحده .

لذا فأنه رغم نجاح بعض الأنظمة في أوربا وامريكا الشمالية في تطبيق نموذج الديمقراطية التوافقية فإن امراً مثل ذلك من الصعب تطبيقة في دول العالم الثالث عموما، وفي المنطقة العربية عموما، نظراً لوجود قدر كبير من الانقسامات الدينية والطائفية والقبلية والجهوية،بالإضافة الى أن ثقافة هذه الشعوب لم ترتق بعد لتجعل من الدولة المدنية مرجعاً لها ،في حالة التعارض مع الانتماءات الطبيعية( ا لاثنية ، الدينية ، الطائفية.... الخ ) . وبالتالي عدم وجود ثقافة ديمقراطية تقبل الآخر وتتسامح معه ،قد  يجعل إقامة هذا النوع من الأنظمة مقدمة للبننة أخرى أو عرقنة (مثل العراق )وهو ما قد يؤدي للدولة مستقبلاً إلى الانهيار والتفسخ . وهو ما لا يستوى مع الهدف الذي من أجله كانت الديمقراطية التوافقية . 

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

دلالات نتائج انتخابات تونس

وأخيراً بدأ الربيع العربي ينتعش مرة أخرى بعد فترة اختناق استمرت على مدى سنوات عديدة وها هي تونس كالعادة تغرد من جديد وتثبت أن تونس دائما هي الرقم الصعب في المعادلة الديمقراطية العربية ، فقد جاءت الانتخابات التونسية افراز لرحلة شاقة وطويل من الشد والجذب بين قوى سياسية مختلفة ، وبقراءة سريعة لهذه النتائج نستطيع أن نخرج بالملاحظات التالية : • أنها اثبتت أن المجتمع المدني القوي يفرز قوى سياسية قوية والعكس صحيح . فلولا دور الحركات والنقابات العمالية والأحزاب السياسية في تونس لما مرت عملية التحول الديمقراطية بتلك السلاسة والسلمية. • أن ادماج المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية قد جر الويلات على الدول التي فعلت ذلك حيث ارتبطت مصالح هذه المؤسسة بفكرة الربح والخسارة من أنشطتها المدنية وبالتالي ظهرت مصالحهم في القوة السياسية التي يجب ان تتصدر المشهد السياسي في الدولة التي يعملون بها مثل مصر على عكس الحال في تونس التي اكتفت مؤسساتها العسكرية بدور المراقب من بعيد والحامي للعملية الديمقراطية في البلاد. • أن الاعتماد على القوة المسلحة في حسم الخلافات السياسية لا يأت إلا بالدم كما حدث في مصر وسوريا والعراق واليمن . ولم يحدث في تونس التي فضلت كل النخب السياسية فيها اللجوء إلى قوة الاقناع والحجة والحوار الديمقراطي السلمي الخلاق بديلا للإقصاء والعنف السياسي . • أن هناك فرق بين دولة محورية تتجه كل الأنظار للتغييرات فيها بل وتشارك في عملية التغيير أحيانا مثل مصر وسوريا والعراق ودولة طرفيه مثل تونس تترك لتقرر حالها بيدها . • أن الاسلاميين هم الرقم الصعب في أي معادلة ديمقراطية، فهم إن لم يكونوا اقوى حركة سياسية فهم على الأقل ثاني أكبر قوة سياسية في الدول العربية وبالتالي فإن تهميشهم أمر شديد الخطوره على الاستقرار السياسي وعملية التحول الديمقراطي في أي دولة . • أن الاسلاميين في تونس أثبتوا أنهم أكثر استنارة من نخب تدعي الديمقراطية والمدنية حيث قبلوا بنتائج الانتخابات فور اعلانها ولم يحاولوا التشكيك فيها أو الانقلاب عليها كما حدث في مصر . • ان دولة منفتحه مثل تونس احتكت بالثقافة الغربية عموما والفرنسية خصوصا على مدى عقود طويلة استطاعت أن تخلق حركات اسلامية ومدنية اكثر براجماتية ومرونة في التعامل مع الواقع السياسي العربي المعقد والمثقل بثقافة احادية شمولية . على عكس دول منغلقة تدعي التحضر والمدنية وترجع جذورها الى حضارات قديمه مضت . • أن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى النفس الطويل الذي يكفل عملية اعادة توعية الشعوب حتى تعرف ما هو الصواب ؟ وما هو الخطأ ؟ اما القفز فوق إرادات الشعوب بحجج انتشار الأمية وانخفاض مستوى الوعي فقد ثبت فشله ولم يجر على دول أصحاب هذا الاتجاه سوى الخراب كما حدث ويحدث في مصر المحروسة . • أن الانتخابات التونسية أثبتت أنه لا يوجد في العالم ا لعربي قوى سياسية حقيقية سوى الاسلاميين ومن شايعهم وقوى النظام السابق ومن سار على هداهم، وما عدا ذلك فهي حركات كرتونية لا قيمة لها إلا الصوت الزاعق الذي ينتهي بإنتهاء مثيره الوهمي كما حدث مع جبهة الانقاذ في مصر . مبروك لتونس ولا عزاء لقوى التخلف العربي

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

كلمة السر ... راجح

فيلم بياع الخواتم هو احد الافلام الغنائية للرائعين فيروز ونصري شمس الدين وهو يحكي بشكل غير مباشر قصتنا الان مع الارهاب ، فالخال وهو هو في هذه المسرحية نصري شمس الدين هو أحد اعيان القرية التي تسكنها بنت اخته فيروز وباقي اهالي القرية ، إالا ان هذا الخال كانت له تطلعات للسيطر على لاقرية بكل مقدراتها حيث يريد ان يكون زعيما لها بدون منافس ، في هذه الاجواء بدأ الناس تتحدث عن قاطع طريق اسمه راجح وهو الشخص الذي لم يره أي احد سوى خال فيروز ،والذي كان يتحدث دائما عن صولاته وجولاته مع هذا الراجح وكيف انه لولاه –أي الخال- لتمكن راجح من القرية وخربها وقتل من فيها وسرقها ونهبها ... الخ وهو ما دفع الاهالي بتمجيد وتأليه شخصية الخال حامي حمى القرية واختاروه زعيما ملهما واحدا لا منافس له .. وتسير القصة ويبدا الناس في الاذعان الكامل للخال بحجة انه حامي القرية من خطر راجح ولولا وجود هذا الخال لكانت القرية ضحية للراجح السفاح قاطع الطريق ، وفي مساء احد الايام الممطره عزمت فيروز بنت الاخت على الخروج لتقضي بعض الاشياء الا انها خشيت من ان يعترض طريقها هذا الراجح وذهبت لخالها لتخبره بخوفها هذا ، الا انها فوجئت برد خالها الذي صرح لها بحقيقة هذا الراجح وهو السر الذي اخفاه عن جميع من في القرية وهو انه لا يوجد شئ اسمه راجح من الاساس وانه اخترع هذه القصة لان اهل القرية يحتاجون زعيم، وفي ذات الوقت هو يريد ان يكون زعيما لهذه القرية ،ولكن هذا الزعيم لن يؤمنوا به الا اذا حماهم من خطر ما ،وما دام الخال يريد ان يكون زعيم فمن الممكن اختراع قصة راجح وخطره ليكون بذلك مقدمة للسيطرة على اهل القرية والحجة حمايتهم من خطر قاطع الطريق المسمى راجح .. وهو ما حدث بالفعل فقد خضع كل اهل القرية للخال وتخلصوا من اي معارض يشكك في قصة راجح تلك ويمجدوا في شخص راجح بالشكل الذي يمنع اي شخص في التفكير أو حتى التشكيك في صفات ومزايا الخال العظيمة غير القابلة للنقاش ، ويصبح اي معارض للخال اما مجنون او خائن للقرية واهلها ....... هذه هي المسرحية اما الواقع فهو السيسي وقصة الارهاب هذا الخطر الذي اخترعه السيسي وصدقه من يريدون ان يعيشوا دائما في كنف منقذ وهمي مستبد وطاغية يرعاهم كما يرعى الراعي الابل ،فهو حامي مصر من خطر الارهاب ولولا السيسي لصارت مصر مثل سوريا أو العراق او ليبيا او لبنان..... الخ .ان خطر الارهاب الذي يحاول السيسي تصديره خوفه لنا ، هو هذا الراجح الذي اخترعه الخال ليحكم اهل القرية فهنيئا للسيسي بشعب راجح. وهنئيا لشعب السيسي بنعمة الخوف التي انعم السيسي عليهم بها . وكلمة السر راجح .