الأحد، 20 يناير 2013
إلى اين تتجه المحروسة ؟
الوضع الحالي في مصر هو من التعقيد والتشابك بحيث يصعب على اي متابع توقع اتجاهه نحو الاستقرار من عدمه ، فهناك اطراف دولية وإقليمية وداخلية تلعب داخل الساحة المصرية ولها مصالحها بالشكل الذي قد يعيق عملية الاستقرار على المدى القصير.
ولكن هناك اطراف اخرى في الاقليم يهمها استقر ار الدولة المصرية خاصة الدول الخارجة للتو من ثورات شبيهه بالثورة المصرية وبالتالي يسعون إلى رؤية الاستقرار المصري من اجل ان يكون نموذج لدولهم من الممكن ان يسيروا على نهجه وأيضا للاستفادة من الامكانيات المصرية في دعم استقرار بلادهم خاصة ليبيا التي تتشوق إلى استيراد عمالة مصرية تستطيع المساهمة في عملية الاعمار في ليبيا دون ان تتحول هذه العمالة في حالة عدم تنظيمها إلى قنابل متنقلة بدلا من ان تنفجر في مصر تنفجر في ليبيا.
وكذلك الحال في سوريا التي يترقب فيها الاحرار مساعدة النظام السياسي القادم في مصر لهم حتى يتمكنوا من القضاء على نظام بشار الاسد ورجاله.
كما ان دول الخليج رغم تحفظاتها العديدة على الوضع في مصر وصعود تيارات سياسية غير مرضي عنها من جانب النخبة الحاكمة في دول الخليج فإنها تسعى إلى ايجاد قدر من الاستقرار السياسي في مصر يساعدها في محاولاتها لاحتواء الخطر الايراني الذي بات قاب قوسين او ادني من انتهاك امن الخليج الهادئ .
كذلك الحال مع الاطراف الدولية فالولايات المتحدة تسعى إلى وجود نظام قوي في مصر يستطيع ان يخرج من مصر من الحالة الضبابية التي يعيش فيها الان ، كما ان دول الاتحاد الاوربي باتت مؤمنة بان جماعة الاخوان المسلمين هي البديل المعتدل والمقبول لديها بعد الثورة ، اما عن روسيا والصين فرغم ان خيوط اللعبة المصرية خارجة إلى حد كبير عن ايدي هؤلاء فإنهم ايضا يسعون إلى رؤية مصر مستقرة ويتطلعون إلى التعاون مع نظام كان في يوم من الايام عدو واضح وجاد للغرب ومن امامه اسرائيل(الحقبة الناصرية)، ويعولون على امكانية تحقيق تعاون مثمر بين الطرفين يقرب مصر من الشرق ويحفظ مصالحهم في المنطقة خاصة في ضوء التقارير التي بدأت تشير إلى قرب سقوط النظام السوري وما يترتب عليه من سقوط احد قلاعهم في المنطقة .
إلا ان ذلك لا يمنع من وجود بعض النخب الاقتصادية والسياسية في المنطقة (في الحكم او في المعارضة ) تحاول جر البلاد إلى الفوضى ادراكا منهم ان مصر الاخوانية هي اخطر الف مرة من مصر المستقرة .
ويزيد بعضها على ذلك في أن نجاح الثورة المصرية قد يغري بعض شعوب المنطقة إلى استلهام نموذج الثورة المصرية في التغيير وهو الأمر الذي وجد صداه في بعض دول الخليج والعراق ، ووصل الامر ببعض من هؤلاء إلى الترويج بكثافة لفكرة فشل الثورة المصرية وضرورة التفكير الف مرة قبل الاقدام على مثل ما اقدم عليه المصريون الذين يعانون –على حد قولهم – من مساوئ ما جنت ايديهم عليهم.
بالإضافة إلى ذلك فان الطرف الاسرائيلي ما زال يراقب الوضع في مصر عن كثب ويرى ان اي هدوء على الساحة المصرية يقابله دفع إلى حالة من عدم الاستقرار في العلاقات الاسرائيلية العربية وذلك رغم التطمينات الامريكية لإسرائيل .
أما عن الاطراف المحلية فرغم أن الفترة التي سبقت اقرار الدستور كانت من الحدة والسخونة بما كان إلا انها بدأت تهدأ بشكل واضح خلال هذه الفترة ولعل ذلك راجع إلى الآفة الاساسية التي تعاني منها الحالة السياسية المصرية والمتمثلة في عدم تبلور معارضة منظمة حتى اللحظة واقتصار الامر على احتشاد هنا واحتشاد هناك دون ان يتحول هذا الاحتشاد إلى عمل سياسي منظم قادر على التأثير في حركة الشارع .
فإذا قلنا ان قوة المعارضة تكمن في تحقيقها للاحتشاد داخل الشارع إلا ان هذه القدرة تظل محدوده التأثير نظر لأنها قدرة مؤقتة تشتعل لفترة زمنية لا تزيد عن يوم واحد فقط وتنفض بعد ذلك تاركين خلفهم قلة قليلة من الشباب الثائر الذي يجد نفسه وحيدا في وسط الميدان دون اي دعم حقيقي من أية قوة سياسية على ارض الواقع الامر الذي يدفعهم احيانا إلى ترك الميدان تحت ضغط ارهاب البلطجية والباعة الجائلين .
اضف إلى ذلك فإن المعارضة قد بدأت تفقد بعض بريقها في الشارع نتيجة لعدم بلورتها لموقف سياسي واضح من الأحداث فتارة تدعو إلى مقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور وتارة اخرى تدعو إلى المشاركة بكثافة وتارة تدعو إلى قصر التصويت على فئة معينة(المتعلمين دون الاميين ) وتارة اخرى تؤكد انها لا تفرق بين مصري وآخر ، وتارة تؤكد أنها ستخوض معركة من أجل اسقاط الدستور من خلال الحشد في الشارع وتارة تؤكد انها ستشارك في الانتخابات البرلمانية من اجل اسقاط الدستور . والطرفة الاخيرة انها تنتوي النزول في تحالف في انتخابات مجلس النواب القادمة ولكن بقائمتين .. وهو امر يثير السخرية اكثر مما يثير الضحك.
هذا الأمر الذي جعل رصيدها في الشارع يتراجع إلى حد كبير خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية التي بدأت تظهر ملامحها في البلاد في الفترة الأخيرة من انخفاض لسعر الجنيه مقابل الدولار والتراجع الحاد في الاحتياطي النقدي وارتفاع معدل البطالة والتراجع الحاد في الدخل المحلي من السياحة .
من هنا اعتقد أن الفترة القادمة وان كانت ستشهد بعض الاحتشادات إلا انها ستكون استثنائية وليس بها طابع الاستدامة ولكن من الممكن أن يتخلل هذه الاحتشادات بعض اعمال العنف ضد بعض مؤسسات الدولة ومؤسسات بعض الأحزاب والجمعيات والأفراد إلا أن الطرف الآخر الموجود في السلطة سيحاول قدر الامكان ضبط انفعالاته بالشكل الذي يستطيع أن يصل برسالة انتخابية تتضمن حرصه على الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة في مقابل تيارات اخرى تهتم اكثر بمصالحها السياسية الضيقة . او هكذا سيتم الترويج لهذه الفكرة .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود