الأحد، 20 يناير 2013

نحو مفهوم وطني للديموقراطية

قد يكون من الصعب الأن على العديد من القوى السياسية انكار الديمقراطية او التحجج بكونها لا تصلح كنظام حكم الا انه ينبغي أن يوضع في الاعتبار اهمية اقلمة هذا المفهوم بالشكل الذي يلائم بيئتنا واولوياتنا الوطنية،مع الوضع في الاعتبار أن الديموقراطية التى نعنيها هى فى الجوهر تلك التى جربتها البشرية وطمحت لها فى دول كثيرة من دول العالم،وأنها تنبنى على خبرات مشتركة بين مختلف الشعوب وليست شيئا يتم تعريفه لأول مرة ولا هى مفهوم يؤخذ بشكله الظاهري دون الولوج إلى فلسفة هذا النوع من انظمة الحكم ولا هو ايضا نظام حكم يؤخذ كاطار خارجي لتجميل وجه نظام معين للتغطية على ممارسات تسلطية استبدادية بعيدة كل البعد عن الديموقراطية. كما لابد أبضا أن يبدأ أى مفهوم وطني للديموقراطية بالاعتراف بأن مصر هى ايضا كيأن ثقافى متميز ومنتمى إلى عدد من الدوائر الحضارية المتداخلة(الفرعونية والقبطية والإسلامية والعربية والافريقية والاسيوية) كما أن لها ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخاصة،وتقاليدها السياسية الممتدة والمتجذرة وخاصة فيما يتعلق بالتأكيد على قيم العدالة وأنها قادرة على اثراء مفهوم الديموقراطية والتمتع بتجربة أصيلة لا تقوم على تقليد أو نسخ لغيرها من التجارب وأن التوق لتجربة ديموقراطية اصيلة لا يمكن أن يعنى الاجحاف بأى شكل من الأشكال بالقيم المشتركة للانسانية أو بالمبادىء والمعايير الأساسية للديموقراطية،وانما يعنى تجسيد هذه القيم بصورة تستجيب للحاجات الأصيلة والمشروعة لكل القوى الاجتماعية الكبرى،ولحاجات البلاد ككل،وللضرورات التى يمليها التكوين الثقافى المصري،فالديمقراطية ليست مجرد نظام سياسى أو كيأن قانونى شكلى فحسب،بل أن لها ماهية و فحوى يتلمسها الناس بالتجربة وبالممارسة ايضا،وأن كل استخدام لقاعدة قانونية شكلية ديموقراطية لتحقيق نتائج معاكسة للهدف منها أو للغرض الذى وضعت لتحقيقه هى غدر بالديموقراطية واجحاف بها.ومن هذا المنطلق فانه يجب أن نضع نصب أعيننا الفحوى الجوهرية للديموقراطية فى كل العصور،وهى أنها النظام الذى يقوم على سلطة الشعب وسيادة الأمة. وبصورة عامة فأن الممارسة الديموقراطية هى الجانب الأكثر أهمية،وفق مبادىء عامة وأساسية لا يجوز خرقها ولا يقبل أن يتم تنظيمها بصورة تؤدى إلى مصادرتها.مثل تنظيم محدد للعلاقة بين سلطات الدولة والمجتمع وبناء نظام نيابى يقوم على الانتخابات العامة الدورية والنزيهة،ونظام حكم يقوم على مبدأ حكم الأغلبية مع الاحترام التام لحقوق الأقلية،ووضع ضمانات تحول دون تركيز السلطة أو احتكارها أو تأبيدها،مع وضع الأسس السليمة التى تضمن ممارسة الحكم بصورة فعالة وفى حدود حكم القانون. وتحتاج الديموقراطية إلى شروط تمهيدية أساسية،وهى شروط تسمح بتطور ديموقراطى سليم وصحى دون أن تكون بذاتها جزءا من تعريف الديموقراطية.وتشمل هذه الشروط العناصر الأساسية التالية: أ‌) استقلال الارادة الوطنية: اذ يصعب أن تعيش الديموقراطية فى ظل فقدان الاستقلال السياسى والحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادى الوطنى. ب‌) التوافق على القيم الجوهرية للمجتمع وأركان ثقافته الوطنية مع الوعى بالاضافات العظيمة التى يمكن أن تؤدى اليها الممارسة الثقافية الخلاقة والأصيلة التى تترجم الأهداف السامية والأساسية للمجتمع والدينين الاسلامي والمسيحي.حيث أن هناك ضرورة على التوافق على الدور الكبير الذى يلعبه الدين فى تكويننا الثقافى والأخلاقى والقومى.فتعزيز هذا الدور مطلوب وضرورى.ويجب البناء على القيم الأخلاقية الرفيعة التى أكدها الدين،وتأصلت فى نسيجنا الحضارى والمجتمعى.الا أن جانبا من هذا التوافق ينبغي أن يقوم على استبعاد بناء دولة دينية بمعنى منح أى جماعة- وخاصة رجال الدين- امتياز سياسي ما.وبالمقابل فإن بناء الدولة ونظامها وسياساتها يجب أن لا يصطدم أو يتناقض مع القيم الأساسية للدين الاسلامى. ت‌) التوافق على معانى الاعتراف بالآخر والتسامح السياسى والفكرى وحقوق المواطنة المتساوية واقامة الممارسة السياسية على قاعدة المشاركة فى الوطن والمساواة فى حقوق المواطنة واستبعاد كل صور التمييز على أساس الدين أو الجنس أو الأصل العرقى أو جهة الميلاد والاقامة أو أى اعتبار غير شخصى أخر.ويجب بصورة خاصة أن تتم مكافحة جميع صور الطائفية وتأكيد الوحدة الوطنية وابعاد المؤسسات الدينية عن المجال السياسى،واعتبارها مرافق عامة مفتوحة ومتاحة للجميع يرأسها أشخاص يتمتعون بالاحترام العام على ألا يسمح لهم بمزاولة الوظائف أو الأدوار السياسية اثناء شغل وظائفهم الدينية.وفى الحد الأدنى يجب إقامة العلاقات الدينية على أساس التسامح والإحترام المتبادل وتحصين المعقتدات الدينية من الهزل والسخرية أو الإهانة،دون اجحاف بحق المناقشة العاقلة والمفيدة لكل الأفكار والنصوص أو الممارسات فى سياقات تضمن حرية البحث والابداع. ث‌) تحقيق الحد الأدنى من النهوض الاقتصادى والمجتمعي.وذلك يعتبر شرط ضرورى لمواصلة وتنمية تجربة ديموقراطية ذات معنى وقابلة للحياة والازدهار.وفى هذا السياق،فأن أى نظام ديموقراطى يفقد جانبا كبيرا من ضرورته أن لم يُمكن المجتمع من الانطلاق النهوضى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحداث شبه قطيعة مع الفقر والتخلف. إن الديمقراطية تعنى سيادة وسلطة الأمة والشعب،ويجب أن تحافظ الممارسة السياسية الفعلية على هذا المعنى.فاضافة إلى الوسائل النيابية يجب أن تشجع القوانين والممارسات الفعلية على مشاركة المواطنين،كأفراد وهيئات واحزاب أو جمعيات عمومية للمؤسسات العامة،فى اتخاذ القرارات وصنع السياسات.فمستويات معنية من الديموقراطية المباشرة صارت ممكنة بل وضرورية لترجمة مبدأ سيادة الشعب وسلطته من خلال كل الوسائل الضرورية للتعرف على آرائه فى السياسات المختلفة.وذلك من خلال تأكيد الصلة المتواصلة والحميمية بين النواب وناخبيهم وفتح الباب أمام الناخبين لمحاسبة نوابهم فى أى وقت،والتزام النواب باستشارة ناخبيهم حول مختلف القضايا التشريعية والرقابية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود