الخميس، 22 نوفمبر 2012

الحكم للشعب .. .. وكفى

كنت في نقاش مع أحد الاصدقاء عن الأوضاع في مصر ، وكان هذا الصديق ممن يصنفون انفسهم باعتباره من الاسلاميين وبعد نقاش ساخن قال لي وهو في قمة الحزن ان ما أراه في مصر الآن هو صراع ليس بين الاسلاميين و المدنيين ولكنه صراع بين من يؤيدون الثورة ومن لا يؤيدوها ، ورغم ان كلمة صديقي بها قدر من التجاوز نتيجة الحالة النفسية السيئة التي وصل اليها معظم الناس نتيجة للأوضاع في مصر ، فان قدر آخر من كلام صديقي صحيح ، فما يحدث من بعض القوى الآن في مصر يذكرني بطفل جلس يبكي ويطالب ويصرخ من اجل احضار حاسب آلي له ،وكذلك فعل شقيقه الاكبر ،وعندما احضر له والده الحاسب وطلب منه ان يستعمله هو وشقيقه الاكبر وبعد فترة ظهر تفوق شقيقه الاكبر عليه في استخدام الحاسب الالى فقرر الطفل معاودة البكاء والصراخ مرة اخرى ولكن ليس من اجل ان تتاح له الفرصة كشقيقه لاستخدام الحاسب الالى ولكن من اجل ان يعيد والده الحاسب الالى للبائع ويعود المنزل مرة اخرى بدون حاسب آلي لا لشئ إلا ان شقيقه بدا في التعاطي الايجابي مع الحاسب وبدا في انجاز بعض الاشياء من خلاله ، وبدلا من ان يحاول الطفل هو ايضا ان يتعلم كيفية التعامل مع الحاسب الالي طلب اعادته مرة اخرى فهو يرى ان بيتا بلا حاسب خير الف مرة من بيت به حاسب ولكنه لا يستطيع ان يناظر اخاه في طريقة التعامل معه. يؤسفني القول أن هذا هو ما حدث بالضبط مع الثورة المصرية ، فبعدما خرجنا جميعا من الثورة ونحن يد واحدة ، وبدا فصيل سياسي معين في التعاطي الايجابي مع حركة الشارع من خلال النزول له والاستجابة لبعض من تطلعاته في حياة كريمه ، وبعد ان اقتنع الشارع بما وعدوا به وصوت لهم في كل انتخابات او استفتاءات جرت بعد الثورة،رأت بعض الفصائل السياسية الاخرى ان نظام ما قبل الثورة كان افضل فقد كان لهم فيه شبه دور نتيجة رغبة من جانب النظام البائد في توزيع بعض الادوار على بعض منهم رغبة في تجنب تحولهم الى معارضة راديكالية متشددة ، اما في نظام ما بعد الثورة فلن يكون لهم دور اي دور إلا من خلال صندوق
الاقتراع وهم ما زالوا يؤمنون انه من الصعب عليهم ان يعطوا هذا الشعب غير المؤهل من وجهة نظرهم حق تقييمهم فهم كما يرون هم انفسهم وليسوا كما يراهم الآخرون ، بل وصل البعض منهم الى المقارنة بين هذا العهد والعهد البائد وتفضيل البائد على الحالي وحاول بعض الاخر ضم بعض من عناصر النظام البائد مثلما دعا كبيرهم في اسوان من اسابيع قليلة . إن القضية الآن ليست نزاعا بين من يحكمون وبين من لا يحكمون ولكنها نزاع بين من يؤمنون بحق هذا الشعب في الاختيار وبين غير المقتنعين بأي ولاية للشعب لنقص وعيه واميته وفقره ووووووو ................ كلي ايمان بان الثورة مستمرة من اجل الحرية والعدالة والخبز والكرامة الانسانية ، ولن تتحقق هذه الشعارات إلا اذا اعطيت السلطة للشعب وأن اي سياسي لن يكون له دور في مصر الثورة إلا اذا خرج من هذا الاستديو الكائن في مدينة الانتاج الاعلامي ، أيا كان اسم القناة الفضائية ، وقرر النزول الى الشعب القائد والمعلم والملهم ليعرف مطالبه ويوعيه بحقوقه وواجباته وما عدا ذلك فهو حرث في ماء لن يجدي شيئا وسيكون ذلك حتما في صالح هذا الفصيل الذي لديه قناعة كاملة بان الشارع لا غنى عنه في اي منافسة سياسية ، لذا فهم يلحون في كل تحدي معهم انهم يريدون الاحتكام للشعب فهو الوحيد مصدر شرعيتهم . كفانا سبا في بعضنا البعض كفانا تخوينا وتسفيها وتكفيرا ولنتجه جميعا إلى الآلية الوحيدة التي ثبت صحتها حتى الآن في كل الدول وفي كل مراحل التاريخ الانساني وهي الديمقراطية ، التي لن يكون لهذا الوطن قيمة إلا من خلالها حتى لو ظهر بعض من مثالبها على الأمد القصير .

الخميس، 26 يوليو 2012

دعونا نعمل

اعتقد ان هذا التراشق الحادث الآن بين المصريين يمينهم ويسارهم علمانيهم وإسلاميهم .. هو امر في غير موضعه .. فقد انتهت الانتخابات وفاز من فاز .. وإمامنا الآن تحد كبير فعلينا ان نستعد للانتخابات البرلمانية القادمة والمتوقع اجراءها بعد اقل من ست شهور من الآن .. وهي فترة قصيرة تحتاج إلى عمل وجهد دءوب لا ينقطع ، هذا الجهد يجب ان يتوجه للهدف الحقيقي والأوحد منه وهو الشعب المصري .. فكفانا تعالي عليه وإهمال لرأية ومواقفه السياسية والاكتفاء باستخدام المنابر الاعلامية -المرئية منها والاليكترونية – دون ادني احساس بان هذه الوسائل رغم اهميتها فإن هذه الأهمية تقف عند حدود معينة ، فهي قد تكون وسيلة للضغط والتوعية ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة للتأثير في الشارع والجماهير ، فالناس تنتظر المزيد منا بعد ما صدعنا رؤوسهم بالحديث عن الديمقراطية وحكم الشعب وسيادة القانون ، الناس تنتظر منا ان نخبرهم بماذا نحن فاعلين لهم اذا اعطونا اصواتهم .. لن يطلبوا منا ان نقول لهم ان هناك فرق جوهري بين مبادئ الشريعة الاسلامية وأحكام الشريعة الاسلامية ، لن يقبلوا منا ان نحدثهم عن مزايا او عيوب تعدد الزوجات بقدر ما يطلبوا منا الحديث عن كيف نزوج ابناءهم من الاساس .. انزلوا للناس في الشوارع على المقاهي ، في النوادي وعلى المصاطب ، عرفوهم من نحن ولماذا نختلف عن الاسلاميين وعن الاشتراكيين .. عرفوهم اننا لم ولن نكون ابدا دعاة انكار للدين او لمبادئه وقيمه العليا كما يدعي البعض علينا .. عرفوهم اننا جزء من هذا المجتمع .. تربنا على قيمه ومثله العليا والتي يشكل الدين مكونا رئيسيا فيها .. اننا ابدا لن نخون ديننا الذي هو عصمة امرنا كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم، ولكن رؤيتنا للدين تنطلق من ايمان عميق بقدسيته وعدم رغبة في دفعه لأتون السياسة ذات القواعد المتغيرة بتغير الظروف المكانية والزمانية ، اقنعوهم اننا لن نكون ابدا ضد قيم العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر جميعا دون تفريق بينهم بسبب الجنس او اللون او العقيدة ، اقنعوهم ان ايماننا بالعدالة الاجتماعية نابع من ايماننا بقيمة الفرد في المجتمع وضرورة العمل على الارتقاء به وبظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، موقنين ان مصلحة المجتمع هي مجموع مصالح الافراد ، بشرط وجود قانون يطبق على الجميع دون تمييز يضمن ألا تتعدى حرية هذا الفرد على حريات غيره من باقي افراد المجتمع. عرفوهم ان امم عيرنا قد نمت وتطورت وازدهرت بفضل هذه الافكار ودورنا ان نرى ماذا فعلوا لينهضوا بمجتمعاتهم ونبدأ من حيث انتهوا هم ، باعتبار ان ما انجزوه هو جزء من منظومة تراث انساني مشترك شاركتا جميعا في صنعه ، عرفوهم ان اكبر الاختراعات العلمية والاكتشافات التكنولوجية منذ الثورة الصناعية ظهرت في دول تتبنى ذات افكارنا ومبادئنا ، فكيف نتصور لهؤلاء ان يقدموا للبشرية هذه الانجازات دون ان يكون هناك مناخ عام يشجع على الحرية والإبداع والابتكار وهو ما نشجع عليه نحن ونسعى اليه . عرفوهم اننا نؤمن بالتعددية بكل ما تحمله من معاني وقيم وأفكار ، نؤمن بان حكم الشعب صاحب القول الفصل هو الذي نريده ونضمنه حتى اخر الزمان ، عرفوهم اننا مستعدين ان نقول رأينا ولكننا مستعدين ايضا ان ندفع حياتنا ثمنا لان يقول المختلفين معنا ارائهم ، عرفوهم ان رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب ، عرفوهم اننا دعاة حرية ومساواة وإخاء وعدالة. وأننا ابدا لن نخزلهم فينا ان فزنا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية القادمة . دعونا نعمل الان .. دعونا نعرف الناس من نحن ؟

الجمعة، 22 يونيو 2012

اقتراح للمناقشة...في حالة اعلان فوز محمد مرسي

يقوم محمد مرسي باداء اليمين القانونية امام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية يحضر مرسي الاحتفالية التي تنوي القوات المسلحة اقامتها لتسليم السلطة لرئيس الجمهورية المنتخب في هذه الاحتفالية يعلن محمد مرسي استقالته من جماعة الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بعد الاحتفالية يقام سرادق كبير في ميدان التحرير (رمز الثورة ) يدعى فيه الشعب المصري باكمله ويدعى له بالاسم كل من 1. اعضاء مجلسي الشعب والشورى 2. قيادات الاحزاب السياسية الرسمية 3. قيادات النقابات المهنية والعمالية 4. قيادات الحركات الثورية الرئيسية ( 6 ابريل - الجمعية الوطنية للتغيير - كلنا خالد سعيد ) 5. رؤساء تحرير الصحف الحزبية والقومية والمستقلة 6. قيادات العمل الاعلامي المرئي والمسموع المصرية ( الحكومي والمستقل ) 7. اعضاء الجمعية التاسيسية لصياغة الدستور يجلس مرسي على منصة وبجانيه خمس شخصيات وهم : 1. محمد البرادعي (ليبرالي ) 2. حمدين صباحي ( ناصري) 3. عبد المنعم ابو الفتوح ( وسطي ) 4. محمد سليم العوا ( اسلامي ) 5. حازم ابو اسماعيل ( اسلامي ) يقسم محمد مرسي القسم الرسمي امام الشعب بنصه الدستوري يلقي محمد مرسي كلمة في المؤتمر يقرر فيها الاتي اولا : الغاء الاعلان الدستوري الاصلي والمكمل ثانيا :اعلان العودة المؤقته لدستور 1971 مع عدم المساس بالمواد التسع التي استفتي عليها الشعب في 18/3/2011 ثالثا : قبول استقالة كل اعضاء المجلس العسكري رابعا :الغاء قرار رئيس المجلس العسكري بتشكيل لجنة الدفاع الوطني خامسا :تشكيل محكمة اخرى تضم كل من : 1. رئيس الجمهورية (رئيسا ) 2. رئيس الوزراء (نائبا عن السلطة التشريعية ) 3. رئيس مجلس الشعب ( نائبا عن السلطة التشريعية ) 4. رئيس المجلس الاعلى للقضاء (ممثلا للسلطة القضائية) 5. وزير الخارجية 6. وزير الداخلية 7. وزير العدل 8. وزير المالية او الاقتصاد 9. وزير الدفاع 10. رئيس المخابرات العامة 11. رئيس المخابرات الحربية 12. احد نواب رئيس الجمهورية خامسا :يكون التصويت في اللجنة بالاغلبية المطلقة وفي حالة تساوي الاصوات يرجع الراي الذي به رئيس الجمهورية سادسا :قبول استقالة حكومة د. كمال الجنزوري سابعا : تكليف د. محمد البرادعي بتشكيل حكومة جديدة تتكون من احزاب الحرية والعدالة والمصريين الاحرار والوفد والوسط والكرامة والتحالف الاشتراكي والمصري الديمقراطي الاجتماعي (الاحزاب الرئيسية الموجوده في البرلمان) ثامنا :حل مجلسي الشعب والشورى الحاليين تاسعا : الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة في حدود ستين يوم من تاريخ الانتهاء من وضع قانون الانتخابات والذي يخصص فيه خمسين بالمائة من القوائم والخمسين من المستقلين . عاشرا : تعيين نائبين لرئيس الجمهورية وهما : أ‌. د. عبد المنعم ابو الفتوح ( للشئون الخارجية ) ب‌. حمدين صباحي ( للشئون الداخلية ) باعتبارهما الاكثر حصولا على الاصوات في الانتخابات الرئاسية في الجولة الاولى بعد استبعاد احمد شفيق باعبتاره ممثلا للنظام البائد . حادي عشر : تعيين ست مستشارين لرئيس الجمهورية وهم : 1. جورج اسحاق (للشئون الاجتماعية ) 2. حازم صلاح ابو اسماعيل ( للشئون السياسة الداخلية ) 3. محمد سليم العوا ( للشئون القانونية ) 4. وائل غنيم ( لشئون الشباب ) 5. عمرو موسى (للشئون الخارجية ) 6. مرفت التلاوي( لشئون المرأة) ثاني عشر : الغاء قرار الضبطية القضائية ثالث عشر : اقالة المسئول الاداري والمالي الذي عينه المجلس العسكري في رئاسة الجمهورية

الأحد، 3 يونيو 2012

ملاحظات عامة على ما سمي بالمؤتمر الصحفي لاحمد شفيق

1. تلاحظ ان السيد شفيق يقرا من ورقة كتبت له مسبقا ولم يجب على اي اسئلة للصحفيين مما بدل على انه على غير استعداد للحوار او سماع الراي الاخر حتى وان كان هذا الراي في صيغة سؤال ومنجانب صحفي فما بالك بحوار مع قوى سياسية . 2. انه استخدم كلمة انا في كلمته اكثر من عشر مرات مما يدل على طبيعة شخصيته التي تعتز بفرديتها يعيدا عن راي جماعة او رؤية حزب او قوة سياسية معينة وهو ما يؤشر الى طبيعته العسكرية الديكتاتورية . 3. ان السيد شفيق قد ركز خطابه كله على الهجوم على جماعة الاخوان المسلمين وكان هذه الجماعة هي وحدها التي توجه له سهام النقد والاتهامات لكونه من كوادر النظام البائد . مبتعدا عن نقد اي جماعة سياسية اخرى وهو امر لافت للانتباه لكون معظم الانتقادات الحادة تاتيه من قوى ثورية محسوبة على التيارين الليبرالي والناصري والاشتراكي . 4. ان السيد شفيق قد ذكر في سياق كلامه الحوارات التي كانت تتم ما بين اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز مباحث امن الدولة وقيادات الاخوان المسلمين وهي المرة الاولى التي يذكر فيها اسم هذه الشخص فهل هذا يؤشر لرغبة من جانبه للاستعانة بامثال حسن عبد الرحمن الذي حصل على براءة من المحكمة في فريقه الرئاسي في حالة فوزه بالانتخابات . 5. ان السيد شفيق تحدث في اكثر من مرة على علاقة الاخوان بالاجهزة الامنية وذكر معلومات محدده عن هذه العلاقة مثل الصفقة للحصول على 80 مقعد في برلمان 2005 ، فهل هناك علاقة متصلة وساخنة بين هذه الاجهزة الامنية والسيد شفيق . 6. ان السيد شفيق رغم حديثه عن حقوق الشهداء وحرصة على استعادة هذه الحقوق فانه لم يتحدث عن رايه في حصول كل مساعدي وزير الداخلية على البراءة رغم تورطهم في قتل الشهداء . 7. ان السيد شفيق يتهم جماعة الاخوان بانها جزء من النظام
السابق ، باعتبار انها عقدت صفقات معه فما باله بمن كان احد كوادر هذا النظام مثله . 8. ان السيد شفيق لعب على اصوات الطبقةالدنيا وبذات اللغة التي كان يتحدث بها النظام السابقة وهي لقمة العيش والاستقرار وهو ما قد يؤشر لانتهاجه نفس السياسة التي كان ينتهجها النظام السابق في خطابه عن الاستقرار ولقمة العيش باعتبارهما مقدمين عن اي شئ اخر وهو ما ادى ادي الى انفجار الاوضاع في البلاد وعدم استطاعة الطبقة الدنيا او حتى الوسطي من الحصول على لقمة العيش . 9. ان السيد شفيق تحدث عن حقوق الاقباط ونسى ان هؤلاء قد تكثفت معاناتهم في عهد النظام البائد رغم حرص هذاالنظام على استخدام نفس الفزاعة -فزاعة الاخوان المسلمين - ووصلت قمة المعاناة بتفجير كنيسة القديسين وهو التفجير الاول لكنيسة مصرية في تاريخ مصر الحديث . 10. ان السيد شفيق تحدث عن حقوق المرأة ونسى ان الخطاب ا لموجه للمرأة كان قد استخدمه النظام البائد وبلغة اكثر حيوية وقوة من خطاب السيد شفيق ولكن المرأة عانت في عهد هذا النظام من قمة الظلم الاجتماعي وصل بالبعض الى دفعهن نتيجة الحاجه الى بيع اطفالهن . 11. ان السيد شفيق وعد هؤلاء الذي استولوا على اراضي الدولة دون وجه حق باستملاكهم اياها وهو ما يعتبر جريمة حيث اعطي ما لا يملك لمن لا يستحق من لصوص الاراضي وهو امر ينبغي محاسبته جنائيا عليه ان حدث باعتبار ان ذلك يصل لمرتبة المشاركة في جريمة جنائية، هي سرقة اراضي الدولة .

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

مفهوم الحركات الاجتماعية

تعريف الحركة الاجتماعية :-
هناك صعوبة في محاولة تعريف مفهوم الحركة من خلال كلمات أو عبارات مختصرة؛ فالحركة – بالمعنى الجسدي – تعني التحرك من مكان إلى آخر، أو تحريك شيء من مكان إلى آخر، أو تحرك في الوضع حيث لا يعني بالضـرورة الانتقال إلى موقع جغرافي مختلف، كأن نقول – مثلا - أن رد الفعل الذي يتجلى في تعبيرات وجه شخص ما يشير إلى الدهشة أو الاستغراب. أما بالمعنى الاجتماعي، فيمكن الإشارة إلى:
• ان الحركة تقوم بعدد من الأنشطة للدفاع عن مبدأ ما، أو للوصول إلى هدف ما.
• انها تتضمن وجود اتجاه عام للتغيير.
• انها تشمل مجموعات من البشر يحملون عقيدة أو أفكار مشتركة، ويحاولون تحقيق بعض الأهداف العامة.
• أن الحركة الاجتماعية هي محاولة قصدية للتدخل في عملية التغيير الاجتماعي، وهي تتكون من مجموعة من الناس يندرجون في أنشطة محددة، ويستعملون خطابا يستهدف تغيير المجتمع، وتحدي سلطة النظام السياسي القائم.
• كما يقترن مفهوم الحركة الاجتماعية بمفهوم القوة الاجتماعية، والقدرة على التأثير وإحداث التغيير.
• انها تعبر عن التحركات الجماعية لفئات أو جماعات أو منظمات بهدف انتزاع حقوق أو مواجهة مخاطر ويشترط لهذه التحركات أن تكون جماعية فى الهدف والحركة .
الا ان عالم السياسة الأمريكي تشارلز تيلي. Charles Tilly ,والذي ينتمي الى المدرسة الجديدة في البحث الاجتماعي فيقدم من خلال كتابه الحركات الاجتماعية (1768-2004)تعريفاُ واضحاً ومختصراً أو ما يمكن القول بأنه ما قل ودل في تعريف الحركات الاجتماعية، حيث وصفها على أنها:"سلسلة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص ينصّبون أنفسهم وباقتدار كمتحدثين عن قاعدة شعبية تفتقد للتمثيل النيابي الرسمي، وفي هذا الإطار يقوم هؤلاء الأشخاص بتقديم مطالب على الملأ من أجل التغيير سواء في توزيع أو في ممارسة السلطة، وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة للتأييد."
ويرى الباحث ان هذا التعريف يحتاج الى بعض التطوير فليس من المعقول ان يكون من شروط الحركة هو قيامها بالتظاهر فهذا هو المعني التقليدي لنشاطية الحركة اما المعني الحديث فمن الاهمية ان يضع في اعتباره ثورة الاتصالات وما رافقها من تطور في الاساليب جعلت من امكانية انشاء مجموعة على الانترنت (facebook , twitter ) او انشاء منتديات تهدف الى حث الناس على تبني افكار ورؤى معينة او الدعوة الى مطالبات محددة بديلا عن هذا التوع التقليدي من التظاهرات وحتى الاعتصامات .
اما مشروطية التمثيل النيابي الرسمي فان الباحث لديه عليها بعض التحفظات باعتبار ان تيلي يربط بين وجود الحركة وعدم وجود تمثيل نيابي رسمي لها في مؤسسات الدولة وهو امر يحتاج الى قدر من المراجعة حيث انه ينفي فكرة الحركات التي تعتبر التمثيل الرسمي غير كاف لها وتنشا بناء على ذلك . ولو كان الامر كما يقول تيلي فانه ما تفسير وجود حركات احتماعية نشطة في العديد من الدول الغربية والتي تدعي وجود تمثيل لكافة الحركات الاجتماعية داخل مؤسساتها الرسمية؟

النظريات الرئيسة المفسرة لنشأة الحركات الاجتماعية :-
1- نظرية السلوك الجماعي (collective behavior theory) التي أطلقها بعض المفكرين حول الحركات الاجتماعية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وقد ربطت هذه النظرية مفهوم الحركات الاجتماعية بحدوث أنشطة مثل: الهبات الجماهيرية، والمظاهرات، وأشكال من الهستريا الجماعية؛ أي بردود أفعال – ليست بالضرورة منطقية تماما – في مواجهة ظروف غير طبيعية من التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية الأساسية؛ ويرى أصحاب هذه المدرسة أن الحركات بهذا المعنى قد تصبح خطيرة (مثل الحركات الفاشية في ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). كما تعتبر مقاربة السلوك الجماعي أن الحركات الاجتماعية انعكاس لمجتمع مريض؛حيث لا تحتاج المجتمعات الصحية إلى حركات اجتماعية، بل تتضمن أشكال من المشاركة السياسية والاجتماعية.
وكما هو واضح فان هذه المقاربة ترى ان الحركات الاجتماعية تنشأ في المجتمعات المريضة فقط وهو امر يحتاج الى قدر كبير من المراجعة خاصة اذا نزلنا به الى الواقع وطبقنا عليه ما ذهب اليه هؤلاء حيث نجد ان اكثر الحركات الاجتماعية نشاطية موجوده في دول غربية .
2- نظرية تعبئة الموارد (resource mobilization theory) التي تطورت منذ الستينيات؛ وتستند هذه المقاربة إلى تشكل الحركات الاجتماعية وطرق عملها وفقا لتوافر الموارد (خاصة الموارد الاقتصادية، والسياسية، والاتصالية) المتاحة للمجموعة، والقدرة على استعمال تلك الموارد. ويرى منظرو هذه المقاربة أن الحركات الاجتماعية عبارة عن استجابات منطقية لمواقف وإمكانيات طرأت حديثا في المجتمع؛ وبالتالي، لا ينظر إليها على أنها مظاهر لخلل اجتماعي، بل جزء من العملية السياسية. وتهتم هذه المقاربة بالتأثير المباشر للحركات – القابل للقياس – على القضايا السياسية؛ بينما لا تعير اهتماما كبيرا لأبعاد هذه الحركات على المستوى الفكري، ومستوى رفع الوعي، وبلورة الهوية.
ويرى الباحث ان هذه المقاربة ايضا عليها بعض التحفظ حيث انها تهتم بتاثير الحركة على الامد المنظور من خلال استخدام منهج المدخلات والمخرجات القابل للقياس دون ان تضع في الاعتبار البعد الاستراتيجي التراكمي لدور هذه الحركات والدور التوعووي الذي تقوم به والتاثير غير المباشر الذي تتركه على المجتمع .
3- نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة (new social movement theory) التي تطورت في أوروبا لتبرير مجموعة من الحركات الجديدة التي تمت خلال الستينيات والسبعينيات. وتنظر تفسيرات هذه النظرية إلى الحركات الاجتماعية باعتبارها انعكاس للمتناقضات الكامنة في المجتمع الحديث نتيجة للبيروقراطية المفرطة، وكحل لها. كما يرى أصحاب هذه النظرية أن الحركات الاجتماعية الجديدة – اختلافا مع الحركات الاجتماعية القديمة – ناتجة عن بروز تناقضات اجتماعية جديدة، متجسدة في التناقض بين الفرد والدولة؛ وهو ما يجعل هذه المقاربة تنتقل من المصالح الطبقية إلى المصالح غير الطبقية المتعلقة بالمصالح الإنسانية الكونية. ويقال أن هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تهتم أكثر بتطوير الهوية الجماعية عن اهتمامها بالأيديولوجيات القائمة؛ كما تميل إلى البروز من صفوف الطبقة المتوسطة بدلا من الطبقة العاملة.
ويرى الباحث ان هذه المقاربة تقصر ظروف نشاة الحركات الاجتماعية على التناقض الحادث بين الدولة وبين الفرد دون ان تضع في الاعتبار ان بعض الحركات الاجتماعية تنشا نتيجة حالة عدم الرضا من جانب فئات اجتماعية معينة في فترة زمنية محددة ضد نظام اجتماعي محدد ، يتراجع دور الحركة بمجرد الاستجابة لمطالبها او تغيير النظام لسلوكياته وبالتالي فان الامر لا يتصل ابدا بفكرة الدولة في حد ذاتها بقدر اتصاله بفكرة النظام الرسمي واولياته .
4- نموذج الفعل-الهوية (action-identity paradigm) وهي النظرية التي ترى أن الحركات الاجتماعية تحول دون الركود الاجتماعي، وهي تقوم ضد الأشكال المؤسسية القائمة والمعايير المعرفية المرتبطة بها؛ أي أنها تقوم ضد المجموعات المهيمنة على عمليات إعادة الإنتاج الاجتماعي والاقتصادي، وتشكيل المعايير الاجتماعية. ويرى بعض المروجين لهذه النظرية أن هناك إحلالا تدريجيا يتم فيه استبدال الشكل القديم للرأسمالية الصناعية بمجتمع مرحلة ما بعد التصنيع القائم على "البرمجة"، والذي يتميز بأنماط مختلفة تماما من العلاقات والصراعات الطبقية. ففي المجتمع "المبرمج" يشكل التكنوقراط الطبقة المهيمنة، بينما ينتهي دور الطبقة العاملة كمناضل أساسي ضد الأوضاع القائمة؛ وبالتالي يرون أن الصراع الطبقي أساسا ذو طبيعة اجتماعية-ثقافية، وليس ذو طبيعة اجتماعية-اقتصادية.
ورغم وجاهة هذا التعريف ودقته وارتباطه بالتطورات التكنولوجية الحادثة في العالم الان الا انه يهمل البعد الاجتماعي الاقتصادي في نشاة الحركات الاجتماعية ، فقد يتراجع هذا البعد الا انه يبقي موجودا وموجها للعديد من المنطلقات التي تقوم عليها الحركات الاجتماعية .
ثورة الاتصالات وتطور الحركات الاجتماعية الجديدة :-
شهد العالم تطوراً ملحوظاً في الأدوات والمناهج والأساليب التي تستخدمها الحركات الاجتماعية، والتي تضم التقنيات الحديثة.
• كانت البداية في التليفزيون والذي كان له الفضل في نشر حركة الحقوق المدنية الأفرو- أمريكية إلى كافة أنحاء القارة في أواخر الستينيات من القرن العشرين.
• وفي أواخر السبعينيات من القرن نفسه، شهد العالم "ثورة شرائط الكاسيت" التي انتشرت عبر توزيع خطب الخوميني والتي لم يفطن اليها شاه ايران آنذاك وكانت سببا فيما حدث في ايران من اضطرابات ادت الى الاطاحه بحكمه ، وقد حاول عمر عبد الرحمن في مصر نقل التحربة باستخدام ذات الوسيلة من مقر اقامته في الولايات المتحدة الا ان المحاولة باءت بالفشل نتيجة لحصار الاجهزة الامنية المصرية لها واجهاضها في مهدها .
• الفاكس : جاء اختراع الفاكس ليزيد ثورة الاتصالات زخما وقوة حيث ساهم في التقريب بين الحركات الاجتماعية بعضها البعض كما زاد من تاثير هذه الحركات على قطاع عريض من الشارع ، ولعل الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1988-1993) كانت نموذجا للحركات التي اعتمدت على هذه التقنية في نشر توجيهاتها ومطالبها داخليا وخارجيا .
• ثم كانت الثورة الاكبر في عالم الاتصالات وهو الانترنت بوسائله المختلفة من مواقع الكترونية ومدونات وشبكات اجتماعية اليكترونية والتي كان لها النصيب الاوفر من الاستخدام في حشد اعضاء للحركات الاجتماعية ونشر افكار ومبادئ هذه الحركات بل والتشارك في انشطة وفعاليات اجتماعية من خلال الشبكة . ثم جاءت ثورة الهواتف النقالة والتي شكلت عن حق انتقالا كبيرا وغير متوقع في تطور وسائل الاتصالات. وساهمت في تفعيل وتنشيط الحركات الاجتماعية الجديدة من خلال التشبيك فيما بينها وسرعة التواصل ونقل الافكار والمعلومات .
ادارة الحركات الاجتماعية :-
تتطلب إدارة الحركات الاجتماعية إتاحة المجال للتنوع الواسع والتعقيد الداخلي. والحركات الاجتماعية يمكن أن تنتفع أو تساعد على خلق مناخ يتيح المجال لتآلف أو تركيب ثلاث عناصر وظيفية:
1. مجهود عام مستدام ومنظم يملي مطالب جماعية على سلطات مستهدفة (أو بمعنى أخر حملة campaign)
2. تركيبة من التحركات الاجتماعية تشمل: خلق جمعيات وتحالفات ذات أهداف خاصة، لقاءات عامة، مواكب مهيبة، سهرات تحضيرية، مسيرات، مظاهرات، حملات مناشدة، بيانات في الإعلام العام وإليه، منشورات أو مطويات (مجموعة متكاملة متغيرة من الأداءات أو ذخيرة أداءات الحركة الاجتماعية social movement repertoire).
3. تمثيل المشاركين لجملة من الصفات العامة والمتوافقة تتمثل في:
• الجدارة: تصرف بوقار؛ ملبس مهندم؛ حضور رجال الدين، الوجهاء، والأمهات مع أطفالهن.
• الوحدة: شارات متضاهية،أو لافتات، أو أزياء موحدة؛ السير في صفوف؛ غناء وترانيم.
• العدد: أعداد المشاركين، الحاضرون، الموقعون على التماس، رسائل من القاعدة الشعبية أو المساندين، ملأ الشوارع.
• الالتزام: تحدي الطقس السيء، مشاركة واضحة من قبل كبار السن والمعاقين؛ التضحية المتباهية، تسديد الاشتراك / التبرع
اشكال الحركات الاجتماعية :-
1- معيار النشاط:-
تميزت الحركات الاجتماعية على مدى العقود الماضية بتنوع ثري على مستوى الاهتمامات والأهداف؛ حيث احتوت ضمن مجالات كثيرة على:
مجالات بيئية
• الحماية البيئية.
• القضاء على الألغام
مجالات اجتماعية
• تعزيز حقوق المرأة
• مكافحة الفقر والبطالة
مجالات دينية
• حركات أصولية .
• حركات إصلاح ديني .
مجالات حقوقية
• معارضة عقوبة الإعدام
• تعزيز حقوق الحيوان
• معارضة الإجهاض
• حماية الأقليات
2- معيار الاهداف:-
حيث علماء الاجتماع الذين لهم تصنيف اخر قائم على معايير اخرى يميزون بين نوعين من الحركات الاجتماعية هما:
• الحركات التي تسعى إلى تغيير القواعد والأحكام المعمول بها.
• الحركات التي تهدف إلى تغيير القيم وتجديد الأخلاق.
ويتحفظ كل من "ريمون بودون-رئيس قسم العلوم الانسانية في جامعة باريس – وفرانسوا بوريكو وهو زميل مشارك في تاليف المعجم النقدي لعلم الاجتماع-على هذا التمييز، فالمواجهة بين مفهوم نفعي وآخر مثالي للحركة الاجتماعية- في رأيهما- هي مواجهة خادعة؛ إذ أن المشاركون في حركة اجتماعية واحدة قد تحركهم دوافع مثالية وأخرى نفعية في آن واحد. وفضلاً عن ذلك فإن الحركات الموجهة نحو القيم لا تشكل كلا متجانساً؛ فالإرهاب "الروسي" كان حركة اجتماعية على غرار المقاومة السلبية لغاندي، وإن كان الأول يلجأ إلى العنف، والثاني يجعل من تنكره للعنف أحد مبادئه الأساسية. ومع ذلك يمكننا اكتشاف سمة مشتركة بين كل الحركات الموجهة نحو القيم، وهي أنها المكان الراجح لليقين الذاتي حسب تعبير "ماكس فيبر".
3- المعيار الماركسي :-
أما الفكر الماركسي فنجده في عمومه يميز بين خمسة أنواع من الحركات الاجتماعية وهي (العمالية، والطلابية، والفلاحية، والنسائية، والثقافية)، ويستند هذا التمييز إلى أن الفئات الاجتماعية الداخلة فيه هي التي تشكل القوى الرئيسية المكونة لأغلبية الشعوب والمجتمعات المعاصرة، وهي في الوقت ذاته القوى الرئيسية للإنتاج، كما أنها أكثر القوى الاجتماعية تخلفا فيما يتعلق بظروف عملها وأحوال معيشتها.
ورغم وجاهة الطرح الماركسي الا انه يقصر الحركات الاجتماعية على القوى الاجتماعية المتخلفة ويغض الطرف عن الحركات الاجتماعية الاخرى التي تقوم على اساس مطالبي تكنوقراطي في الاساس وليس البعد الطبقي فقط .
ومن الطبيعي عند السعي إلى الوقوف على تصنيف مميز للتحرك الاجتماعي الجماعي أن نجد من الأهمية أيضاً التعرف على أن الحركات الاجتماعية تتداخل وتتضاهى من وقت لأخر لأسباب استراتيجية وتكنيكية. وفي المقابل، يمكن للحركات الاجتماعية أن تشكل علاقات أكثر مأسسة، تتداخل فيها الوظائف وتتلاشى فيها الحدود الفاصلة. وبعض الحركات الاجتماعية أيضاً يمكن أن تتمثل في تحالفات وشبكات ويمكن أن تشكل أنواع أخرى من التحالف ويمكن في الحقيقة أن تتألف من منظمات مجتمعية محلية ومنظمات غير حكومية.

مراحل تطور الحركات الاجتماعية :-
1- التعبئة الاولية :-
إن تاريخ كل حركة اجتماعية يبدأ في الغالب الأعم بمرحلة من ’’التعبئة’’ الأولية؛ بالمعنى الذي قصده باحث بارز مثل كارل دويتش، حيث قصد بالتعبئة حالة اجتماعية متسمة بتزايد الحركية الجغرافية (الهجرة الداخلية) والمهنية، وسرعة توصيل الأفكار وانتشارها، وكثافة الاتصالات؛ أي أن تعبئة المجتمع -في المعنى الذي استعمله دويتش- تشكل واحدة من مقدمات ظهور الحركات الاجتماعية.
2- قدرة تنظيمية :
إذ يقتضي أن يتحرر الأفراد من القيود التقليدية، وأن يطوروا قدرة تنظيمية يستطيعون بفضلها تحديد أهداف مشتركة، ووضع الموارد المطلوبة للوصول إلى هذه الأغراض موضع العمل.
3- مبادرات لا مركزية وغير منسقة :حيث تطبع بدايات الحركة، وتليها مرحلة العمل المنظم.
الا ان بعض علماء الاجتماع يختزلون مراحل تطور الحركات الاجتماعية في مرحلتين:
• الأولى هي المرحلة التلقائية: حيث لا تتميز إلا بشيء قليل من التنظيم، وتكون الأدوار غير واضحة، والأهداف غير متبلورة بشكلٍ كافٍ.
• والثانية هي مرحلة التنظيم الواضح، والبناء الاجتماعي الذي تحددت فيه الأدوار، وتبلورت الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة.
ويمكن القول بأن الحركات الاجتماعية بشكل عام تمر بثلاث مراحل هي:
1 - تبلور فكر الجديد واتساع دوائر انتشاره.
2 - حشد التأييد الاجتماعي له.
3- تغيير الواقع، أو الإسهام في تغييره.
خصائص الحركات الاجتماعية :-
• الاختلاف عن منظمات المجتمع المدني: يرى بعض علماء الاجتماع والكتاب السياسيين أن انتعاش المجتمع المدني إبان السنوات الماضية قد جاء على حساب الحركات الاجتماعية، خاصة في الدول الشيوعية أو الاشتراكية سابقاً، وربما في البلاد العربية. ومع ذلك فإن تحركات مؤثرة قامت بها حركات اجتماعية على مستوى العالم في الحقبة الأخيرة يمكن أن تقودنا لدحض هذا الاستنتاج، حيث يرى أخرون ان المجتمع المدني يتألف من أشكال مختلفة من التنظيم، تتطور في سياقات خاصة. والإيمان الزائد بالمجتمع المدني قد يلقي بشيء من الغموض على الفروق المهمة بين المنظمات غير الحكومية ومنظمات الجماهير القاعدية والحركات الاجتماعية وأشكال أخرى من التحرك أو العمل المدني. كما الأدوار المتزامنة للمجتمع المدني سواء فيما يخص المقرطة/ التحول الديمقراطي أو الأدوار النزاعية، نجدها" تعزز مفهوم مفاده أن الفاعلين غير الحكوميين وما لديهم من رأسمال اجتماعي يمكن أن يعول عليهم في القيام بخدمات من النوع الذي يجعل الدولة ترفع يدها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه توفير الخدمات. وهذا المفهوم متميز عن الوظيفة المعتادة للحركات الاجتماعية.
• الاختلاف عن الاحزاب : نميز الحركة الاجتماعية عن الأحزاب السياسية. في ان الحركات الاجتماعية تسعى للتأثير في صنع القرار، أو يرفع مطالب لدى الدولة، إلا أنها لا تسعى إلى الاستحواذ على السلطة السياسية ولا مراكمتها ولا تعمل من خلال آليات العمل السياسي المباشر، كما هو شأن الأحزاب.
• التشابه مع الحركات الدينية : الحركات الدينية هي نوع من الحركات الاجتماعية، وإن كانت تتميز عن غيرها بكونها تمتلك مطلقات ومراجع كونية؛ كما هو الحال مثلا في الحركات الإسلامية، فلديها ’’مطلقات’’ عقيدية وإيمانية تجعل المنتمين إليها مستعدين للموت في سبيلها، كما أن لديها مرجعية متجاوزة للواقع المادي وتفسيراته الوضعية؛ كما أن رسالتها تسمو فوق الفوارق بين التجمعات الطبقية والإثنيات العرقية، واللون والجنس؛ ولذلك نجد أن خطاب هذه الحركات يتجه إلى الناس أجمعين دون تمييز، وتتسم أهدافها بالشمول والكلية، مثل هدف ’’تغيير الحياة’’، و’’تجديد الأخلاق’’، و’’إصلاح المجتمع والقضاء على الفساد’’ و’’إقامة حكم الله في أرضه’’.
• التركيز على القضايا الاجتماعية : قد تسعى الحركات الاجتماعية إلى نوع مغاير من السلطة الاجتماعية. ويمكن أن نضيف إن مطالب الحركات الاجتماعية تتعلق في المقام الأول بقضايا اجتماعية، رغم ما قد يكون لها من انعكاسات سياسية غير مباشرة.
• عدم اشتراط وجود برنامج عمل: إنه لا يشترط في الحركة تحديد برنامج عمل يعكس تصورا لسياسة منهجية للحكم ورغم هذا ينبغي أن تتوفر على وعي بذاتها داخل محيطها وتحديد لهويتها. وهي تسعى إلى إنجاز تغيير في إطار هذا الوعي، كما أن لها نسقًا قيميًا مرجعيًا ورمزيًا وقواعد للمشروعية. كما أنها تسعى إلى الاستقلال والاستقواء بالذات. وفي الوقت ذاته تشارك الحركات الاجتماعية في تهيئة مناخ مختلف سياسيا واجتماعيا وثقافيا، كما أنها تثير الصراعات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية المتشابكة. و ما تثيره من قضايا قد ينغمس في الفضاءات العامة ويكون له تأثير سياسي واضح. و يمكن أن تقتصر على النطاق المحلي الذي وجدت فيه، وليس بالضرورة أن يكون لها بعد وطنى.
• عدم اشتراط الشعبوية او النخبوية : فيما يتعلق بشعبية أو نخبوية الحركة فإن الحركة الشعبية هي أحد تجليات الحركات الاجتماعية، ولكنها ليست التجلي الوحيد لها. فهناك ضرورة لفهم حركات النخب حيثما وجدت وتلمس اتجاهاتها نحو الفئات الشعبية المختلفة، ودور الأخيرة في رؤية الأولى للتغيير.
• مستوى للتنظيم : فينبغي أن يتوفر للحركة الاجتماعية قادة يمكن تمييزهم عن القواعد، وأيضا آليات لتعبئة الموارد المادية والرمزية. وهي تختلف عن الهبة أو التمرد العفوي الذي يفتقد إلى أي درجات من الوعي والتنظيم. وإذا كان كل تنظيم ليس بالضرورة حركة اجتماعية فإننا نستبعد المنظمات التنموية، والخدمية والخيرية، أو الهياكل التنظيمية الفارغة، التي لا يتوفر لها مطالب اجتماعية تسعى من خلالها إلى تغيير في الحالة الراهنة التي لا تمثل مشكلة بالنسبة لها، أو لا تنطوي على هوية محددة أو مرجعية أو رموز خاصة بها، وإذا كانت الحركات الاجتماعية تنحى إلى البعد عن المؤسسات التي تخضع لتنظيم تراتبي صارم وعضوية ثابتة منتظمة، فإن وجود هذا التنظيم لا ينفي صفة الحركة الاجتماعية.
• مرونة الاستمرارية : فإننا نأخذ في الاعتبار أن الحركات الاجتماعية تمر بدورات تزدهر فيها أحيانا أنشطتها، وفي أحيان أخرى تخبو وتسكن.
مستقبل الحركات الاجتماعية
من اصول نشاتها في القرن الثامن عشر فصاعدا لم تمض الحركات الاجتماعية كأداءات فردية او منفرده ولكن كحملات تفاعلية . وبالتالي فان اي حديث عن هذه الحركات ينبغي ان يوضع في الاعتبار هذه المعلومة والتي تشير الى ان التنبؤ بالحركات الاجتماعية المستقبلية يتضمن التفكير حول العلاقات المتغيرة وسط المطالبين بالحقوق واهداف هذه المطالب والجماهير والسلطات وليس مجرد استنتاج الملامح الاكثر ظهورا لاداءات الحركات الاجتماعية ولنتذكر تفاعل الحركات والحركات المضاده والسلطات والجماهير والقوى الخارجية . لذلك فانه من الممكن تخيل اربعة سيناريوهات لمستقبل هذه الحركات وهي :
• التدويل .
بمعني ان يحدث تحولا دقيقا للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية والقومية في اتجاه نشاط الحركة الاجتماعية العالمية .ويعود الفضل في ذلك تحديدا الى ثورة الاتصالات وما رافقها من تجنيد لاعضاء هذه الحركات من خلال شبكة الانترنت .
• انحدار الديمقراطية :
حيث ان ذلك من شانه ان يحبط جميع انواع الحركات الاجتماعية خاصة ذات الحجم الكبير ولكنها قد تترك جيوبا لنشاط الحركة الاجتماعية المحلية او الاقليمية حيث تعيش بعض المؤسسات الديمقراطية . فالمقرطة غالبا مرتبطة بنشاطية الحركات الاجتماعية .
• الاحترافية :
وهي تعني نوع من مأسسة هذه الحركات ومن ثم انحدار الابتكار في الحركات الاجتماعية ومن ثم يصبح تعامل هذه الحركات نخبويا على مستوى طرح القضايا والمشاكل وهو الأمر الذي قد يؤدي بأصحاب المشاكل الحقيقيين بالانفضاض عنها. وهي في الغالب ستقلص من الاهمية النسبية للحركات الاجتماعية المحلية والاقليمية بينما تحول الطاقات الخاصة بالنشطاء والمنظمين الى مستويات قومية او على الاخص مستويات دولية وعالمية .
• الانتصار :
وهي ان تعمل على كل المستويات من المحلي العالمي كوسيلة لتقديم مطالب شعبية وهو امر في رايي ما زال بعيد المنال نظرا لتعقد المشاكل والمعوقات التي تجابه الحركات الاجتماعية واختلاف ظروف كل حركة عن مثيلاتها في دول اخرى.
والخلاصة هي أن الحركات الاجتماعية تتشكل حول مبادئ و’’مصالح معينة’’ بهدف الدفاع عنها، أو للسعي من أجل تحقيقها، وتشمل كلمة ’’المصالح’’ -هنا- الجوانب المادية الملموسة، والجوانب الأخلاقية والمعنوية والقيمية. فهل تتمكن هذه الحركات من الاسهام في حل مشكلات المجتمعات المعاصرة والتحديات التي تجابهها في عصر العولمة؟

الخميس، 25 أغسطس 2011

بؤس الايدلوجيا نقد مبدأ الأنماط في التطور التاريخي


يعتبر كارل بوبر احد اهم الذين كانت لهم بصمة في وجهة الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر فقد جاءت اراؤه لتكسر القوالب التي اتسم بها الفكر الغربي لمدة تزيد عن قرن من الزمن ، ويعتبر كتاب بؤس الايدلوجيا احد اهم اعماله البارزة في نقد الاراء القائلة بوجود قوانين يسير التطور التاريخي وفقا لها .ولقد صحح بوبر اخطاء شائعة عن المناهج الاجتماعية وميز بين التنبؤ والنبؤة متوقفا عند التفسير التاريخاني والنزعة الكلية ووحدة المنهج في العلوم . كانت الفرضية التي طرحها " بوبر" في هذا الكتاب هي أن مسار التاريخ الإنساني يتأثر بقوة بنمو المعرفة الإنسانية، ولذلك لا نستطيع أن نتنبأ ولا نتمثل المستقبل لأننا لا نعرف حين يحضر هذا المستقبل عند أي صفحة ستكون معرفتنا موجودة. وبطريقة أخرى، حين نتأمل الوضع والمتغيرات علينا التخفف من الذهنية التاريخية التنظيرية والالتفات أكثر إلى الواقع المشاهد فقد كانت الدعوى الاساسية في هذا الكتاب هو اعتقاده بان فكرة المصير التاريخي هي مجرد خرافة ضاربا بذلك العديد من الايدلوجيات التي كانت سائده انذاك وخص بوبر بالذكر الفاشية والشيوعية والتي اكدت انه ثمة قوانين لا مهرب منها للقدر التاريخي .
وقد قسم بوبر كتابة لاربعة اقسام تناول فيها دعاوي التاريخانية المعارضة للمذهب الطبيعي من وجهة نظره وقد فند وجهة نظر التاريخانيين في مجموعة من الحجج الرئيسية وهي التعميم و التجربة و تعقد الظراهر الاجتماعية و صعوبة التنبؤات الدقيقه ، وصعوبة تكرار الظواهر الاجتماعية التي يرى انها فكرة مستحيلة منطقيا، فيقول انه حتى لو سلمنا بامكان التنبؤ بالثورات في العلوم الاجتماعية فمثل هذا التنبؤ لا يمكن ان يكن دقيقا ولا بد من ان ينقصه التحديد فيما يتعلق بتفاصيل الثورات وازمنة حدوثها ..
ان المحدثين من وجهة نظر كارل بوبر من اصحاب المذهب التاريخاني لا يدركون قدم مذهبهم .بل ان هؤلاء خائفون من العقل ومن خلفه التغير والذي يجعلهم عاجزين عن مواجهة النقد بما يتفق والموقف العقلي ، فالتاريخانيين يبدو كانهم يحاولون تعويض انفسهم عن فقدان عالم لا يتغير فيتشبثون بالاعتقاد بان الغير يمكن التنبؤ به لانه محكومة بقانون لا يتغير . ان المطالبة بالتحكم العلمي في الطبيعة الانسانية لا يدرك ما في هذا الطلب من دعوة الى الانتحار فالباعث على التطور والتقدم هو تنوع المادة التي يمكن ان تكون موضوعا للانتخاب الطبيعي .
ويتساءل ألا يمكن التحكم في العنصر الانساني بواسطة العلم وهو نقيض النزوة ؟ ويجيب بان علم الحياة وعلم النفس باستطاعتهما او يكون في استطاعتهما ان يتوصلا الى حل مشكلة تغير الانسان . لكن كل من يقبل على هذه المحاولة مضطر الى القضاء على الموضوعية العلمية وبذلك يقضي على العلم نفسه فالعلم والموضوعية كلاهما يعتمدان على حرية التنافس الفكري اي انهما يعتمدان على الحرية فاذا كان للعقل ان يستمر في نموه واذا كان للانسانية ان تحافظ على حظها من الرشاد فلا يجب التدخل ابدا بما يمنع التنوع بين الافراد وارائهم واهدافهم واغراضهم الا في الحالات المتطرفة التي تتعرض فيها الحرية السياسية للخطر بل ان الدعوة الجذابة الى اتخاذ هدف مشترك ممهما بلغ من السمو ليست الا دعوة الى نبذ كل ما يتعارض معه من اراء اخلاقية وكل ما يؤدي اليه هذا التعارض من نقد وحجج مخالفة . انها دعوة الى نبذ الفكر الراشد .
ويؤكد كارل بوبر ان التطور الذي يطلب التحكم العلمي في الطبيعة الانسانية لا يدرك ما في هذا الطلب من دعوة الى الانتحار فالباعث على التطور والتقدم هو تنوع المادة التي يمكن ان تكون موضوعا للانتخاب الطبيعي وهذا الباعث في حالة التطور الانساني هو حرية الشخص في الانفراد بصفة من الصفات وحريته في الاختلاف عن جاره وحريته في عدم موافقة الاغلبية والسير في طريقه الخاص اما التحكم الكلي الذي يؤدي الى المساواة بين العقول بدلا من ان يؤدي الى المساواة بين الحقوق فمعناه القضاء على التقدم .
ويرى ان هناك فرق بين العلوم التاريخية والعلوم النظرية ففي العلوم النظرية تؤدي القوانين وظائف عدة منها انها مركز الاهتمام الذي تصل به المشاهدات او وجهة النظر التي نسترشد بها في مشاهداتنا . ولكن لما كانت القانونية الكلية في التاريخ قليلة الشان في اكثر الامر ولا يكون استخدامها عن وعي فليس باستطاعتها ان تقوم بهذه الوظيفة ولا بد ان يضطلع بها شئ اخر ولا شك ان التاريخ مستحيل بدون وجهة نظر فعلم التاريح كالعلوم الطبيعية يجب ان يكون انتقائيا في اختيار وقائعه والا خنقة سيل الوقائع المجدية التي لا تربط بينها رابطة ولا جدوى من محاولة تعقب العلل في الماضي البعيد لان وراء كل معلول عيني واحد نبدا منه عددا هائلا من العلل الجزئية المختلفة ، ولا مخرج من هذه الصعوبة في راي بوبر الا بان نقصد في كتابتنا للتاريح الى اتخاذ وجهة نظر انتقائية نتصورها اولا اي ان نكتب التاريح الذي تهمنا كتابته ولا يعني هذا تزييف الوقائع حتى تلائم الاطار الفكري الذي تصورناه اولا ولا يعني اهمال الوقائع التي لا نجد لها مكانا في ذلك الاطار بل يجب على العكس من ذلك ان نمتحن كل البيئات المتصلة بوجهة نظرنا امتحانا مدققا وموضوعيا ولكننا لا حاجة بنا الى البحث عن كل الوقائع والصفات التي لا صلة بوجهة نظرنا والتي لا نهتم بها نتيجة لذلك . مثل هذه النظرة الانتقائية او هذه البؤرة التي نركز فيها اهتمامنا التاريخاني اذا كان يستحيل التعبير عنها في صورة فرض قابل للاختبار فنحن نطلق عليها عبارة التاويل التاريخي . والمذهب التاريحي يفهم هذه التاويلات خطا على انها نظريات وهذه مثالية فمن الممكن تاويل التاريخ باعتباره تاريخ الصراع بين الطبقات او تاريخ الصراع بين الاجناس البشرية من اجل السيادة ومن الممكن تاويله باعتباره تاريخ الصراع بين الافكار الدينية او بين المجتمع المفتوح والمجتمع المقفل . ولكن ذلك لا يزيد عن كونه وجهة نظر من بين وجهات كثيرة وانها حتى اذا بلغت الى مرتبة النظرية فقد لا يمكن اختبارها .
ويضيف بوبر ان كل تفسير لحادث مفرد يمكن وصفه بانه تاريخي ما دامت العلة يدل عيها بشروط اولية خاصة وهذا موافق للاعتقاد الشائع بان تفسير الحادث تفسيرا عليا يقوم في بيان كيف وقع ولم وقع اي انه يقوم في حكاية قصته ولكننا لا نهتم حقا بتفسير الحوادث الخاصة او المفردة تفسيرا عليا الا في التاريخ ففي العلوم النظرية تكون مثل هذه التفسيرات العلية في الاكثر وسائل لغاية مختلفة هي اختبار القوانين الكلية .
ويختلف ايضا بوبر مع من اسماهم بالتطوريين التاريخانيين الذين يحتقرون التاريخ بمعناه القديم ويهتمون بالمسائل المتعلقة بالاصول ويريدون الارتقاء به الى مرتبة العلم النظري ويرى ان ذلك اهتمام في غير موضعه ذلك ان المسائل المتعلقة بالاصول هي مسائل تختص بكيف ولماذا وهي ليست ذات اهمية نظرية نسبيا وغالبا ما لا تكون لها الا اهمية محدودة .
ويختتم بوبر كتابه بالقول بان النظرة التاريخية معناها الاعتقاد بالمعجزات الاجتماعية والسياسية والتي تنكر على العقل الانساني ان يكون له القدرة على تحقيق عالم اكثر مطابقة للعقل بمعنى انه متجه بطبيعته نحو حالة افضل واكثر قبولا لدي العقل ولكن هذه النظرة معناها الاعتقاد بالمعجزات الاجتماعية والسياسية لانها تنكر على العقل الانساني ان يكون له القدرة على تحقيق عالم اكثر مطابقة للعقل.

الثورة المصرية الصراع بين الادراكي والموضوعي


تمر الثورة المصرية هذه الايام بمرحله حساسه يحاول خلالها الاعلام -حكومي - حزبي -مستقل ان يشحذ هممه لتوصيف معركه بين طرفين هما لم يتبلورا بعد في الواقع ،معسكر الاسلاميين ومعسكر العلمانيين . ورغم وهمية هذ الصراع في رايي والذي لا يزيد عن كونه صراعا منحصرا في اذهان من يطرحوه ، فقد صور الاعلام الجدال والمناظرة المحتدمة فى الفضاء المصرى الراهن، في أن مصر تعيش فى إطار ما يمكن اعتباره مرحلة «ما قبل المعرفى» وأعنى بها تلك المرحلة التى ينحبس فيها الناس داخل صناديق انتماءاتهم وتحيزاتهم الأيديولوجية والدينية والمذهبية. وحاول الاعلام تصوير الناس بانهم لا يعجزون، فحسب، عن رؤية ما يقع خارج الصناديق الايديولوجية والمذهبية التى يحبسون رؤوسهم داخلها، بل والأهم - أنهم لا يقبلون التفكير فى جملة المفاهيم والتصورات المضمرة التى يقوم عليها بناء ما يتحيزون له من إيديولوجيات ومذاهب، باعتبار أنها من قبيل المطلقات التى تعلو على أى تفكير. وأن مرحلة ما قبل المعرفى التى تسود الفضاء المصرى الراهن لا تقدم إلا عقلاً منحبساً وراء أسوار الأيديولوجيا بأطيافها المختلفة (وأعنى علمانية ودينية ومذهبية وغيرها).
الا ان الواقع الذي يراد له ان ينحبس، بدوره وراء تلك الأسوار يختلف عن الادراك الاعلامي كثيرا .وقد تطرق لهذا الامر الفيلسوف "كارل بوبر" ففي كتابه الذي تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان "بؤس الايديولوجيا"، كانت الفرضية التي طرحها هي أن مسار التاريخ الإنساني يتأثر بقوة بنمو المعرفة الإنسانية، ولذلك لا نستطيع أن نتنبأ ولا نتمثل المستقبل لأننا لا نعرف حين يحضر هذا المستقبل عند أي صفحة ستكون معرفتنا موجودة. وبطريقة أخرى، حين نتأمل الوضع والمتغيرات علينا التخفف من الذهنية التاريخية التنظيرية والالتفات أكثر إلى الواقع المشاهد، ولكن الذي يحدث عادة هو أن الناس لديهم تجارب سابقة وتنظير واسع يمارسون المقايسة والمقارنة عبره، ولذا لا يزالون مصدومين من ما يحدث أمامهم في الواقع كل مرة، فهم لا ينتظرون أن يحدث إلا ما رسموه في أذهانهم. ولنا أن نتخيل اليوم أي مستوى معرفي "قافز" قد تحصلنا عليه بسبب الانترنت والتقنية الحديثة!. إنه مستوى عالي يصعب جداً أن نلاحق تأثيره ونتائجه. الا الاعلام قد ابى ان يعكس ذلك وانبري في خلق مشاهد وهمية لصراعات كاذبه بعيده عن ارض الواقع .
فاذا كان من ميزة لهذه الثورة المصرية العظيمة فهي انها جعلت الايدلوجيا تتخلى عن مكانها لما هو طبيعي وواقعي من صفات إنسانية عامة يشترك فيها كل الناس. فحين تخف وطأة الايدلوجيا سيقل التمايز الحاد بين الناس الذي يتأتى من تمايز ايدلوجي أو طائفي أو قبلي أو غيره من حدود؛ زرعها الناس كحدود "تنظيرية" بينهم وهي تفرق أكثر مما تجمع.
ففي الثورة المصرية كان الكل يلاحظ مسألة التشديد على انها ثورة غير مؤدلجة، ولا تلتزم أي خط معين سوى ما تناضل من أجله من مفاهيم إنسانية مشتركة (خبز ،حرية ،عدالة اجتماعة ) وهذا ما جعلها بالتأكيد ثورة فاعلة وتحظى بالتأييد الواسع. ونجاحها سيعقب أيضاً "ارتدادا" مجتمعياً إلى هذا الخط، وسنشاهد لغة شعبية في المجتمعات العربية تؤكد على هذه الحقوق بوعي وتتخلص من زوائد التنظير والايدلوجيا التي أتعبتها، وجعلت صوتها الطبيعي ومطالبها كمجتمعات لا تكاد تظهر.
لقد وصل الوضع العربي قبل ثورة مصر ومن قبلها تونس إلى مرحلة انسداد، وكان العقد الأخير أيدلوجياً بامتياز، فالمشهد الاعلامي كان مشغولا بالعديد من مشاهد الصراع والاستقطاب، والتي وصلت إلى الذروة، تحديداً، قبل الثورة بأيام مع تقسيم السودان، وتصريحات غربية توحي بالتدخل لحماية "الأقليات" في المنطقة نتيجة تفجيرات العراق ومصر(تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية )،وهو ما جعل هواجس التقسيم والتفتت نتيجة الصراعات الداخلية أو التدخل تتزايد وتهدد كل أحد.. وفرق كبير نجده الآن بين مجتمع كان يعيش هواجس التقسيم، وآخر يعيش المطامح التي زرعتها الثورة الشعبية التي نجحت في مصر حتى الان ..
ومن حسن الحظ أن إشتغالاً معرفياً على معظم المفاهيم والتصورات والإفتراضات الايدلوجية التى يؤسس عليها الاعلام أبنية يريد لها أن تحدد معالم المسار السياسى والإجتماعى لمصر، إنما يكشف عن كونها أضعف من أن تكون أساساً لبناء راسخ؛ وأعنى من حيث تبدو جميعاً أضيق من أن تستوعب حركة الواقع، وأعجز- بالتالي - من أن تقدم حلولاً ناجزة لمشكلاته الجاثمة. فالثورة المصرية قدما نمطاً من التحول غير المعتاد المفاجئ والجذري من حالة إلى أخرى. فقد بينت الثورة المصرية ان مسار تداول مصطلح "المعرفة" يسير في إطراد إيجابي في مجمله.
بينما كان، بشكل عام، مسار تداول مصطلح "الأيديولوجيا" يسير في إطراد سلبي في مجمله.
وهكذا ولد، في الفكر السياسي الثوري الحديث والمعاصر، ما يمكن أن نسميه "جدلية الأيديولجي والمعرفي".
وهكذا وصل الأمر بين الأيديولوجي والمعرفي إلى أن يصبح بينهما تضاد وتناقض، حينما يتعلق الأمر بالفكر السياسي الثوري. فقد أصبحت "الأيديولوجيا" تعبر عن المنظومة الفكرية والخطابية العتيقة القابعة في لاوعي أفراد المجتمع والتي تجعلهم يقبلون الوضع الراهن وتحبط داخلهم أي رغبة للتغيير، من خلال قيامهم بتعمية وتغطية المشكلات الواقعية بأغطية بالية من التبريرات اللفظية التي تحبط الرغبة في تدشين أي تغيير ثوري .بينما أصبحت المعرفة (والعلم) هي المنظومة الفكرية الأكثر تعبيرا عن مشكلات الواقع الحقيقية، والتي تزيل العماء والتمويه عن حقيقة ما يجري في الواقع الفعلي، بما يدفع العقل الثوري إلى تحديد مسار واضح للتعامل مع هذه المشكلات للقضاء عليها جذريا من خلال التغيير الثوري للواقع.
وبذلك تكرس في تراث الفكر الثوري أن الأيديولوجيا مرتبطة بتزييف الوعي والتعمية على حقائق الواقع. في مقابل أن المعرفة العلمية هي وحدها القادرة على تبديد تبريرات وتزييفات الأيديولوجيا لصالح إنجاز الفعل الثوري المطلوب لتغيير الواقع البائس
وقد حاولت الاحزاب المصرية وبعض الحركات السياسية ومن يقف معها من وسائل اعلامية مختلفة في تسويق الادراك الايدلوجي للواقع الحالي بحيث يسود الاعتقاد بأن المجال الوحيد المتاح هو التداول والانتقال السلمي للسلطة من حزب لآخر من خلال الإحتكام إلى نفس الإطار السياسي بنفس عناصره وآلياته، بحيث تكون النتيجة النهائية هي مجرد "إصلاح" وليس "تغيير" أو "ثورة .
(ووفقا لهذا التصور الثوري، فإن الأحزاب القائمة في المجتمع تصبح جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي القائم، وتصبح متوافقة وقابلة لكافة آليات وقواعد اللعبة السياسية مع النظام القائم، من خلال قبولها الاحتكام إلى صناديق الانتخاب والاقتراع، كمسار وحيد لتداول السلطة.
وفي الثور المصرية نجد ان الوضع قد انقلب على هذه الاحزاب مما أدى إلى كسر الإطار الأيديولوجي السائد الذي قبلته كافة الأحزاب المصرية (بما فيها أحزاب المعارضة). وظهور ما يعرف بالحركات الإجتماعية الجديدة .

فقد أدى ظهورها في الواقع السياسي المصري مؤخرا إلى قلب (وعكس) آليات وقواعد التفاعل السياسي بين اللاعبين، بحيث ركزت على "المعرفي" ورفضت تماما "الأيديولوجي" بصفته يعمل على تكريس الوضع الراهن .
وقد اعتمدت هذه الحركات على الوسائل الاتصالية الجديدة لتخلق شبكات اجتماعية من نوع جديد. فهذه الحركات الإجتماعية تتميز باعتمادها على الشبكات الإجتماعية الإلكترونية الجديدة التي أتاحتها الوسائط الجديدة مثل شبكات المحمول وشبكة الإنترنت،. وهي الوسائل التي تتجاوز حوائط وعوائق العلاقات الإجتماعية التقليدية التي تتميز بالبطء والثبات والتقليدية والجهوية، لتفارقها إلى إقامة نوع جديد من العلاقات الإجتماعية التي تتمحور حول قضايا محددة، دون أن تتمحور حول أشخاص أو عائلات محددة أو مناطق محددة. بل لقد مكنت الوسائل الإتصالية الجديدة هذه الحركات الإجتماعية من تجاوز عوائق المكان والروابط الجهوية والعائلية والتقليدية، ليجمعها أهداف محددة حول قضايا محددة..
وبهذا أرتبطت الحركات الإجتماعية الجديدة بالمعرفي، دون أن ترتبط بالجهوي أو الأيديولوجي أو التقليدي. فلم تتبنى الحركات الإجتماعية الجديدة قضايا شخصية أو عائلية أو أيديولوجية أو دينية بل تبنت قضايا إجتماعية محددة وربما ذات طابع مؤقت وعارض بحيث لم يكن لها طابع سياسي مباشر.
ذلك أن الحركات الإجتماعية الجديدة لا تسعى بالمرة إلى الوصول للحكم (على عكس الأحزاب السياسية)، كما لا تسعى للحصول على مناصب لأعضائها، ولكنها تهتم فقط برفع مطالبها إلى أصحاب القرار الموجودين بالفعل في مناصب الحكم.
ولذلك تتميز الحركات الإجتماعية غالبا بسمة - السلمية - وتنعدم فيها الإنتهازية السياسية إلى درجة كبيرة إذا ما قورنت بالمجموعات السياسية التقليدية، مثل الأحزاب أو جماعات الضغط المعروفة في السياق السياسي المعاصر.
فهي تتميز عن الأحزاب السياسية بأنها لا تهدف للوصول إلى الحكم، كما لا تهدف إلى توزير أعضائها أو الدفع بهم إلى مناصب عامة. كذلك تختلف عن جماعات الضغط في أنها لا تمارس التهديد أو الإبتزاز السياسي أو الإقتصادي، مثل التهديد بسحب أموال أو التمويلات.
ولكن للتوضيح فان نقدنا هذا غير موجه للايدلوجيا نفسها، فهي في النهاية نسق فكري ومُعطى طبيعي يحق لمن أراد أن يراه ويسلكه، لكن ما يحدث هو أنه، وفي أحيان كثيرة، تتجه الايديولوجيا إلى حقل جدل واجتهاد تنظيري لا يكون له تأُثير واقعي وعملي، وتنحرف بذلك عن مسارها نتيجة تصعيد "نفسي" أو"تحزبي" فتتداخل فيها المقاصد مع البحث عن الحظوظ والعقلية الصراعية فينتج لنا في النهاية شيئا مشوها لا يمت للفكر والحياة إلا بصلة عداوة.
فالمفاهيم الواقعية والبسيطة مثل الحرية والحقوق والحياة الكريمة وغيرها هي بسيطة وقريبة ولكن قد يكون هناك محيطات من التنظير "الفارغ" بين الفرد وبينها ، وهذا ما حدث في ثورتنا المصرية التي نتمنى على الاعلام ان يتعاطى معها حتى لا تسقطه توابعها كما اسقطت قبل ذلك حوائط من الاستبداد والوهم ظننا كل الظن ان لا سقوط لها .