مقدمه :
لا يستطيع أي متابع للشأن المصري في الفترة الأخيرة (من عام 2003: الي عام 2007 ) ان يغض الطرف عن الحيوية السياسية التي ظهرت في المجتمع المصري بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة،ففي فترة وجيزة جدا لم تتجاوز العامين نشات الكثير من التنظيمات و الحركات و الجبهات سواء داخل مصر او خارجها،معارضة للنظام،بعضها يعبر عن مطالب عامة و الاخر يعبر عن مطالب فئوية.الا ان القاسم المشترك بينها هو ان معظمها يدعو للاصلاح .فاصبحنا امام مشكلة كبيرة – متداخلة احيانا – من الحركات الاجتماعية الناشئة فرضت علينا ضرورة الاحاطة بها و باهدافها و اساليب عملها و مطالبها .فقد اصبح الحديث عن ظهور حركة سياسية جديدة هو من الامور العادية التي اصبح الاعلان عنها ليس من الامو ر التي تلفت انتباه المصريين نظرا لكثافة الحركات وانشطتها.بل انه حتى المعارضة الراديكالية والتي كانت تعتبر في السابق نوعا من التطاول بل والعيب في ذات النظام اصبحت امرا عاديا في هذه الفترة،حتى طال النقد والهجوم اشخاصا كان يعتقد باستحالة ان يطاولهم هذا النوع من النقد لاسباب امنية واجتماعية.ولكن هكذا تطور حال الشارع السياسي في مصر،في هذه الورقة سوف نحاول الاقتراب من هذه الحركات لمعرفة اتجاهاتها وافكارها وحجم العضوية فيها،ونحاول ايضا التعرف علي انشطتها ووسائلها للوصول الي الجماهير،الا اننا لا نستطيع ان نقوم بذلك الا بعد ان نمر سريعا علي بعض التعريفات النظرية الخاصة بماهية الحركة،وهل نحن بالفعل ازاء حركات اجتماعية ام انها مجرد منظمات شبه سياسية ذات تاثير محدود ؟
أولا: حول تعريف مفهوم الحركة(1)
هناك صعوبة في محاولة تعريف مفهوم الحركة من خلال كلمات أو عبارات مختصرة؛ فالحركة – بالمعنى الجسدي – تعني التحرك من مكان إلى آخر، أو تحريك شيء من مكان إلى آخر، أو تحرك في الوضع لا يعني بالضـرورة الانتقال إلى موقع جغرافي مختلف، كأن نقول – مثلا - أن رد الفعل الذي يتجلى في تعبيرات وجه شخص ما يشير إلى الدهشة أو الاستغراب. أما بالمعنى الاجتماعي، فيمكن الإشارة إلى الحركة باعتبارها القيام بعدد من الأنشطة للدفاع عن مبدأ ما، أو للوصول إلى هدف ما؛ كما تتضمن الحركة الاجتماعية وجود اتجاه عام للتغيير؛ وهي تشمل أيضا مجموعات من البشر يحملون عقيدة أو أفكار مشتركة، ويحاولون تحقيق بعض الأهداف العامة. كما يشير البعض إلى أن الحركة الاجتماعية هي محاولة قصدية للتدخل في عملية التغيير الاجتماعي، وهي تتكون من مجموعة من الناس يندرجون في أنشطة محددة، ويستعملون خطابا يستهدف تغيير المجتمع، وتحدي سلطة النظام السياسي القائم. كما يقترن مفهوم الحركة الاجتماعية بمفهوم القوة الاجتماعية، والقدرة على التأثير وإحداث التغيير.
ويمكن الإشارة بإيجاز إلى أربع نظريات أساسية حول الحركات الاجتماعية و هي:
- نظرية السلوك الجماعي (collective behavior theory) التي أطلقها بعض المفكرين حول الحركات الاجتماعية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وقد ربطت هذه النظرية مفهوم الحركات الاجتماعية بحدوث أنشطة مثل: الهبات الجماهيرية، والمظاهرات، وأشكال من الهستريا الجماعية؛ أي بردود أفعال – ليست بالضرورة منطقية تماما – في مواجهة ظروف غير طبيعية من التوتر الهيكلي بين المؤسسات الاجتماعية الأساسية؛ ويرى أصحاب هذه المدرسة أن الحركات بهذا المعنى قد تصبح خطيرة (مثل الحركات الفاشية في ألمانيا، وإيطاليا، واليابان). كما تعتبر مقاربة السلوك الجماعي أن الحركات الاجتماعية انعكاس لمجتمع مريض؛ حيث لا تحتاج المجتمعات الصحية إلى حركات اجتماعية، بل تتضمن أشكال من المشاركة السياسية والاجتماعية.
- نظرية تعبئة الموارد (resource mobilization theory) التي تطورت منذ الستينيات؛ وتستند هذه المقاربة إلى تشكل الحركات الاجتماعية وطرق عملها وفقا لتوافر الموارد (خاصة الموارد الاقتصادية، والسياسية، والاتصالية) المتاحة للمجموعة، والقدرة على استعمال تلك الموارد. ويرى منظرو هذه المقاربة أن الحركات الاجتماعية عبارة عن استجابات منطقية لمواقف وإمكانيات طرأت حديثا في المجتمع؛ وبالتالي، لا ينظر إليها على أنها مظاهر لخلل اجتماعي، بل جزء من العملية السياسية. وتهتم هذه المقاربة بالتأثير المباشر للحركات – القابل للقياس – على القضايا السياسية؛ بينما لا تعير اهتماما كبيرا لأبعاد هذه الحركات على المستوى الفكري، ومستوى رفع الوعي، وبلورة الهوية.
- نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة (new social movement theory) التي تطورت في أوروبا لتبرير مجموعة من الحركات الجديدة التي تمت خلال الستينيات والسبعينيات. وتنظر تفسيرات هذه النظرية إلى الحركات الاجتماعية باعتبارها انعكاس للمتناقضات الكامنة في المجتمع الحديث نتيجة للبيروقراطية المفرطة، وكحل لها. كما يرى أصحاب هذه النظرية أن الحركات الاجتماعية الجديدة – اختلافا مع الحركات الاجتماعية القديمة – ناتجة عن بروز تناقضات اجتماعية جديدة، متجسدة في التناقض بين الفرد والدولة؛ وهو ما يجعل هذه المقاربة تنتقل من المصالح الطبقية إلى المصالح غير الطبقية المتعلقة بالمصالح الإنسانية الكونية. ويقال أن هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تهتم أكثر بتطوير الهوية الجماعية عن اهتمامها بالأيديولوجيات القائمة؛ كما تميل إلى البروز من صفوف الطبقة المتوسطة بدلا من الطبقة العاملة.
" انتظروا الجزء الثانى "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود