صدر عن معهد كارنيجي للسلام دراسة عن تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي للكاتب الفرنسي الاشهر جان بيير فيليو:الاستاذ في معهد باريس للدراسات السياسية والتي راي فيها اهمية وحتمية التعامل الامني مع تنامي جماعات الاسلام السياسي المسلح في دول المغرب العربي وذلك من خلال التعاون مع الانظمة السياسية في هذه المنطقة على ن يكون النعاون حذر وغير ظاهر حتى لا يكون ذلك زريعة للهجوم على تلك الانظمة بحجة تحالفها مع الغرب الكافر ،وفي القراءة المتفحصة لهذه الورقة قد يخرج القارئ باستنتاج انك امام خبير امني يحاول ان يدير معركة عسكرية بهدف اخضاع العدو دون النظر الي اية اسباب موضوعية اخرى من الممكن القضاء على العدو فيها دون اللجوء الى الحسم العسكري . ولكن بالاقتراب اكثر مش شخصية الكاتب نجد انه استاذ علوم سياسية في معهد باريس للدراسات السياسية ، وعمل كأستاذ زائر بجامعة جورج تاون وقد منح معهد التاريخ الفرنسي جائزته الرئيسية لكتابه "أحداث النهاية في الإسلام" وبالتالي فانه من المفترض انه كاتب يتمتع برؤية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية ولكن ما سطره في هذه الورقة يكاد يكون رؤية مخابراتية امنية ركزت على كيفية المواجهة الامنية لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء دون أي التفات الي لماذا نشا هذا التنظيم ، ولا الحديث عن لماذا كانت هذه التنظيمات في الاساس . وذلك رغم تنويهاته البسيطه في هذا لاتجاه والتي لا ترتقي ابدا الى حجم الكارثة التي تعاني منها دول هذه المنطقة وادت الى ان تتحول الى مثير جاذب لفلول الجراد الهارب من التضييق عليه في افغانستان والعراق واليمن ، وغيره من مناطق الصراعات كنوع من الانسحاب التكتيكي الذي لا يلبس ان ينظم صفوفه ويعود اكثر قوة وشراسة
ان المطلوب في التعامل مع تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المسلحة ليس المواجهة الامنية فعشران السنين من المواجهات مع هذه التنظيمات اثبتت عدم جدواها وانهم يتلقون الضربات تلو الضربات فلا يزيدهم ذلك الا اصرارا وعنادا ، بل واتساعا ، ولعل في التجربة العراقية واستمرار التوتر والعنف فيها حتى الان لدليل على محدودية الحل الامني في القضاء على ظاهرة بحجم ظاهرة العنف الاسلامي المسلح . والغريب في الامر ان الكاتب يخرج علينا بفكرة يبدو انه يعتقد انها الحل الامثل لعدم تكرار تجربة افغانستان والعراق حيث يقول في ختام مقالته ان من شأن استفزاز "العدو البعيد" والتحريض على تدخل أمريكي أو أوروبي مباشر، أن يخلقا بيئة تمكن القاعدة في المغرب الإسلامي من الصمود والتوسع.وبالتالي فإن حكومات منطقة الساحل يمكنها منع القاعدة من ترسيخ وجودها في منطقتها كما فعلت في أفغانستان، إذا ما تعاونت وكانت جهات فاعلة أساسية، في الوقت الذي تتلقى فيه الدعم الدولي الحذر.
فقد تناسى الكاتب ان هذه التنظيمات تستمد استمراريتها وقدرتها على تقويه ضرباتها من الترسيخ في الاذهان ان العدو الغربي هو المستهدف وهو الداعم لهذه الانظمة المحلية التي ذاقته العذاب بسبب دعم الغرب عموما لهم والولايات المتحدة واسرائيل لهذه الانظمة . فالقضية لم تعد قضية دعم مباشر او غير مباشر فقد اثبتت الاحداث ان الامر لا يتعلق بشكل الدعم ولكنه يتعلق بادراك هذه التنظيمات ذاتها لوجود الدور الغربي من عدمه .
وهو ما سطره ما يسمي الشيخ ابو مسلم الجزائري في رسالة له نشرها على احد المدونات حيث يقول إنّ الخطّة الأمنية الّتي يصبوا إليها الأعداء هي بمثابة البديل لخطّة بوش بإنشاء قاعدة أمريكية " أفريكوم " في الصحراء ، و بعد الضربات الموجعة الّتي نالت النظام الأمريكي و حلفائه و الخسائر الإقتصادية الكبيرة الّتي مُنيت به هذه الدولة الصهيونية و مجيء أوباما و تخوّف أنظمة المنطقة من تزايد عدد المجاهدين إن هم أقدموا على السماح بوجود هذه القاعدة الأمريكية ، كلّ ذلك جعل العدوّ يفكّر في إستراتجية جديدة ، و هي أن تتولّى أنظمة المنطقة بهذه المهمّة برعاية المجموعة الدّولية و على رأسها أمريكا ، مع العلم أنّ مهام القاعدة الأمريكية أفريكوم هي موجودة في الواقع العسكري حيث إختارت أمريكا شتوتغارت الألمانية مقرّا مؤقّتا لها .
ويعدد ابو مسلم الدور الغير مباشر الذي تتبناه الدول الغربية في دعمها للانظمة المحلية في المنطقة وكانه يقرا فكر جان بيير فيليو ولكن قبل ان يسطره بشهرين حيث نشرت هذه المقالة في 23 مارس 2010 ، وهو الامر الذي نرى ان أي استراتيجية امنية فقط في التعامل مع التنظيمات الاسلامية المسلحة ثبت فشلها او على الاقل عدم جدواها علىا لامد البعيد .
ان الدور الغربي يبدو انه يفقد بوصلته لصالح افكار وسياسات تغلب الجانب الامني على غيره من الجوانب فاذا اقتربنا من الصورة بشكل واضح ودقيق من الظروف التي نشات وترعرعت فيها الحركات الاسلامية عموما والمسلحه منها خصوصا نستطيع ان نحددها في اربعة نماذج :
الاولي :دول بها صراعات بمعناها الشامل
حيث الصدامات القبلية او الدينية او العرقية ، ولعل النموذج الاكثر وضوحا لنا في هذه المنطقة هو نزاع الصحراء بين المغرب والجزائر التي تدعم البولساريو، وهناك توتر في حالة كمون في جنوب موريتانيا بين القبائل الافريقية والعربية. وما تزال هناك خلافات بين حكومة السنغال والانفصاليين في كاسامانس على الرغم من توقيع اتفاقية سلام بين الجانبين حيث تعارض ثلاثة فصائل متمرده في حركة كاسامانس على الأقل خطوة توقيع اتفاق السلام. وكانت حركة القوى الديموقراطية لكاسامانس بدأت تمردا مسلحا منذ عام 1982 أسفر عن مقتل أكثر من 3500 شخص. وفي النيجر يوجد توتر بين قبائل عرب المحاميد الذين يبلغ تعدادهم 150 ألف شخص وباقي قبائل النيجر، وكانت النيجر قد قررت ابعاد هذه القبائل الى تشاد مما خلق توترا في شرق البلاد. وفي تشاد هناك جماعات متمردة على حكومة انجامينا ولها قواعد قرب الحدود السودانية التشادية، وأخيراً تبادلت الخرطوم وانجامينا الاتهامات حول هذا الموضوع. أما النزاع الاكثر تعقيداً هو بالتأكيد الذي يوجد بين الطوارق والعرب وحكومة مالي، حيث يخوض التنظيم المسلح لقبائل الطوارق والتي تسمى «حركة التحالف من أجل التغيير» حرباً تهدأ وتتصاعد. وقد راهنت القاعدة على هذا النزاع من أجل استثماره خاصة قبائل الطوارق وتعدادها ثلاثة ملايين منتشرة في دول الساحل حيث توجد في مالي والنيجر وبوركينافاسو وليبيا والجزائر. وهكذا فان القاعدة في نشاطها في هذه المنطقة تعتبرها عمقا استراتيجيا تستطيع من خلاله تنظيم صفوفها عسكريا ، ودعم وضعها المادي الذي تاثر بتعدد الجبهات التي تخوضها القاعدة . حيث تتاجر في هذه المنطقة في السلاح والتهريب سواء البشر او المخدرات .
الثانية :دول تعاني من ضعف وضعها الاقتصادي
تعاني العديد من دول هذه المنطقة من ضعف هياكلها الاقتصادية فدول هذه المنطقة تتسم بتفاوت المستوى والاداء الاقتصادي فبلدان الساحل هي من بين الأكثر فقرا في العالم. ويبلغ نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي السنوي 1042 دولار أمريكي في موريتانيا، و 657 دولارا في مالي، و 390 دولارا في النيجر، التي تحتل المرتبة الأخيرة بين 182 دولة في تصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للتنمية البشرية. (لا تتدبر موريتانيا ولا مالي أمورهما بشكل أفضل، إذ تحتل موريتانيا المرتبة 154 ومالي المرتبة 178). ويمكن للقاعدة في المغرب الإسلامي أن تتحمل القيام بأنشطة حرب عصابات خفيفة في مثل هذه البيئة، فقط لأن الشراكة في الجريمة توفر تدفقا مستمرا للمجندين، مهما كان التزامهم الجهادي ضئيلا. كما ان هناك تفاوت يحدث بين اقتصاديات تتسم بالضعف الشديد اساسا ومن ثم يصعب احداث نمو اقتصادي حققيقي بها كما ان عملية التبادل والتجارة البينية وفقا لذلك ربما تكون نتيجتها ايضا سلبية اكثر منها ايجابية.بالاضافة الى ذلك فان هناك ضعف عام في الاستثمارات الموجهه لهذه الدول ومعظم دول هذه المنطقة من الدول المدينة والفقيرة .
ثالثا :دول تعاني من ازمة ديمقراطية
في مقالته المدعمه بالعديد من الارقام والمعلومات والتخليلات ايضا لم يكلف الكاتب نفسه بالاقتراب من قضية الديمقراطية في هذه المنطقة واكتفي فقط بالعروج عليها سريعا والاستعانة بامثلة تناقض نفسها احيانا ومنزوعه من سياقها احيانا اخرى فعلى سبيل يتحدث الكاتب عن تجربة الديمقراطية في مالي كدليل على ان القاعدة تشكل تهديدا امنيا وليس سياسيا فاعمال العنف في مالي من جانب تنظيم القاعدة لم تتوقف رغم الديمقارطية الموجوده في هذا البلد كما انها لم تتوقف في موريتانيا التي انقلب على نظامها الديمقراطي الجيش واجهض التجربة هناك وتناسى جان بيير فيليو الأستاذ في معهد باريس للدراسات السياسية ان أي ازمة توجد في أي مجتمع هي نتاج مجموعة من الاسباب السايسي منها والاقتصادي والاجتماعي ، كما اننا لا نستطيع ان ننتزع أي دولة من البيئة الخارجية المحيطه بها واذا عرفنا ان البيئة المحيطة بمالي محاصرة بنواعات قبلية وصراعات حدودية وعدم استقرار سياسي وانقلابات عسكرية سواء في موريتانيا او النيجر او حتى السنغال بل ان ازمة الطوارق التي يدعي الكاتب انه تم الانتهاء منها تمتد الى اكثر من دولة في المنطقة مثل ليبيا والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو . وحتى لو افترضنا ان الديمقراطية هيالمدخل للتعامل مع هذا النوع من الازمات المعقدة (ازمة العنف الاسلامي )فان الديمقراطية الوليده في مالي والتي بدات في عام 2002 لم تتجذر بعد بالشكل الذي يستطيع ان يواجه هذا النوع من التنظيمات المسلحة المحترفة .
ان امرا بهذا التعقيد لخصة السيد سوميلو بوبيي مايجا وهو وزير دفاع سابق في مالي يعمل الآن مستشارا أمنيا، في قوله " إن قوة تنظيم القاعدة تستمد من ضعف الدول، كونها تفكر في استمرارها السياسي بدلا من الاستراتيجية" وهذه المقولة رغم بساطتها فانها تلخص الى حد كبير ما وصل اليه وضع هذه الانظمة وقدرتها على مواجهة تنظيم القاعدة . الذي يعتقد الكاتب انه لن يتاتي مواجهته مواجهة فعالي الا بوجود نظام ديمقراطي قوي يستطيع ان يجسر الفجوة بين الشعب وبين الحكومة .
بل ان المتابع لما كتبه جان بيير فيليو يلحظ هذا التناقض في ربطه بين الديمقراطية وتنظيم القاعدة فهو اما مالمثال المالي الذي يبدو انه يعطيه اكبر من حجمه يضرب العديد من الامثلة التي تؤيد عكس وجهة نظره في العلاقة بين الديمقراطية ونشاطية تنظيم القاعدة ففي موريتانيا يتحدث الكاتب ن هذا الانقلاب الذي اطاح بالسلطة الديمقراطية في موريتانيا وتولي الجنرال عبد العزيز في اغسطسط عام 2008 . ويعرج على النيجر التي عزم رئيسها تانجا على البقاء فيالسلطة بعد انتهاء فترة ولايته . الامر الذي مهد الطريق امام انقلاب عسكري . واستمر مسلسل الانقلابات والانظمة الدكتاتورية التي لم تسلم هذه المنطقة منها . واذا عرجنا على الاوضاع الديمقراطية في دول هذه المنطقة سنجد العديد من الامثلة على هذه الانظمة التي لا هم لها الا الاستمرار في السلطة مهما كانت التضحيات فهذا رئيس تشاد الذي تحدث جدا عن رغبته على بناء خندق يحيط بالعاصمه تحميها من المتمردين وكان الدولة اختصرت في العاصمة وبالطبع اختصرت العاصمة في القصر الرئاسي ، ودولة اخرى تعتمد في ديمقراطيتها على عمل انقلاب في ذات مفهوم الديمقراطية نفسه بحيث يفرغه من مضمونها ،وتلك الغت نتائج الانتخابات عندما لم تستهوي فئة عريضة من الفاسدين في نخبتها الحاكمة .
رابعا : دول لديها صعوبة في بسط سيطرتها على كامل اراضيها
لا شك ان دول المنطقة ليس منطقة دول الساحل فقط ولكن المنطقة الافريقية عموما هي دول حديثة بالمعني التاريحي للكلمة ، وبالتالي فقد رسم حدودها ووضع القوانين المنظمة لشئونها الاحتلال فرغم ان الاحتلال قد وضع في اعتباره بعض الامورالمتعلقة بالتوازنات القبلية الا انه لم يستطع ان يحل المشكلة حلا كاملا فقسم دول بالشكل الذي اخل في حدودها جزء من قبيلة وترك باقيالقبيلة في دولة اخرى ، او اعطي لدولة جزء من الاراضي الشاسعة التي يصعب على انظمة تقليدية مثل الانظمة الموجوده في افريقيا التعامل مع هذه المساحات الشاسعه ، وهذه هو وضع العديد من الدول الافريقية مثل السودان ونيجريا وليبيا والجزائر ، الامر الذي افقدها القدرة على السيطرة على حركة الدخول والخروج عبر اراضيها وهو امر لا شك كان مبررا لنشاطية الحركاتالجهادية في هذه المنطقة وتعاطيها مع التوازنات والخلافات القبلية القبلية وهو امر اعتقد انه من الصعب التعامل معه بسهوله الا من خلال وجود دولة مركزية قوية تستطيع ان تبسط نفوذها على كامل ترابها الوطني . وبالتالي فان جزءا اساسيا من قضية اعادة تنظيم القاعدة لانتشاره في المنطقة يرجع الى ضعف الدولة المركزية ذاته. وبالتالي الحاجه الى رؤية شاملة للتعامل مع هذه الدول الكبيرة حجما الصغيرة قدرة على بسط سيطرتها ونفوذها على هذاالحجم .
واخيرا فانه من الاهمية ان يختلف التعامل الغربي مع هذا النوع من المشكلات وان يتعلم من اخطائه التي ارتكبها في السابق سواء في العراق او افغانستان او الصومال او حتى ايران ، فالتعامل الامني ثبت فشله الذريع ، والتعامل الامني ايضا غير المباشر ثبت فشله ايضا ولعل تصاعد العنف الاسلامي في العالم وانتماء معظم اعضاء هذه التنظيمات لدول هذه المنطقة من العالم لهودليل على فشل الغرب في التعامل مع مشاكل هذه المنطقة سواء بشكل مباشر(الندخل المباشر ) او غير مباشر (دعم الانظمة المحلية ) فعلي الغرب ان يفكر ولو مرة واحدة في معالجة الداء الاصلي والذي هو كالسرطان ان لم يتم التعاطي الجدي معه سيتنشر في كل انحاء الجسد دون انتظار مسكنات من هنا واخرى من هناك ، فالقضية هي كيف نعالج الاسباب التي ادت الى ترعرع هذه التنظيمات وليس القضاء الامني عليهم . ولنتوقف عن هذا الاسلوب التقليدي في استخدام اخرين لتنفيذ نخططات دول اخرى فالامر يتعلق هنا بضعف الاداة التي يفكر فيها الغرب لاستخدامها وهي الانظمة المحلية حتى وان كان هذا الدعم الدولي حذر على حد قول كاتب المقال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود