يبدو ان الجزائر ابت ان لا تغرد بعيدا عن السرب العربي ، فبعد تعديل دستوري غريب على الواقع العربي عموما والجزائري خصوصا قاده الامين زروال الرئيس السابق للجزائر ، حدد فيه الحد الاقصي للفترات التي يقضيها الرئيس في منصبه بفترتين فقط ، وظن البعض ان الجزائر قد تشكل استثناء عن القاعدة العربية ، وانها سوف لن تكرر تجربة تونسية اخرى في تحديد مدة الرئاسة وتراجعها عن ذلك بمجرد اقتراب موعد انتخابات الرئاسة ، تكرر نفس السيناريو في الجزائر وحدث ما حدث باقتراب موعد انتخابات الرئاسة في الخريف القادم فما ان اقتربت هذه الانتخابات وبدأ المراقبوا والمحللين في استشراف مستقبل جزائر ما بعد بوتفليقه حتى عادت الدولة للمربع الاول مرة اخرى وبذات الحجج المستخدمه في كل البلاد العربية بل انها بذات المواد التي وضعت كحاشية للمادة الام . فالسادات في مصر عندما عدل هذه المادة وسمح لرئيس الجمهورية بتولي منصب الرئاسة لفترات متعددة (مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المصرية) فقد اضاف اليها مادة الشريعة الاسلامية . وكذلك فعل الرئيس التونسي زين العابدين وفعله بشكل مختلف قليلا الرئيس اليمني . اما بوتفليقه فقد وضع بعض الحواشي التي ان حذفت او اضيفت فانه لا قيمة لها بالاساس.
في هذا التقرير سوف نحاول معرفة ماهية هذه التعديلات . واسباب طرحها وموقف القوى السياسية في الجزائر منها . وما هو مستقبل انتخابات الرئاسة ومستقبل الوضع السياسي في الجزائر عموما بعد هذه التعديلات ؟
• ملامح التعديل الدستوري المقترح
يشمل مشروع تعديل الدستور اربعة بنود رئيسية هي :
1. تحديد طبيعة النظام السياسي حاليا في الجزائر بحيث يصبح نظاما رئاسيا كامل الصلاحيات والمهام وليس مشتركا مع البرلمان كما هو حاليا وتحديد صلاحيات السلطة التنفيذية بدلا من الاذدواجية الحالية مع عدم المساس بالسلطتين التشريعية والقضائية .
2. الغاء تحديد عدد المدد والفترات الرئاسية بدلا من فترتين فقط كل منها خمس سنوات .
3. السماح للرئيس بالترشح لفترات متعددة دون قيود واخضاع الاختيار لارداة الشعب عبر انتخابات حرة .
4. الغاء منصب رئيس الحكومة الحالي وتعويضه بمنصب رئيس الوزراء بصلاحيات ومهام جديدة وعديدة ويتولى مهمة تنسيق عمل الجهاز التنفيذي الذي سيخضع مباشرة لرئيس الجمهورية وتحديد برنامج تنفيذي تنموي واحد للبلاد بدلا من برنامجين حاليا واحد لرئيس الجمهورية واخر لمجلس الحكومة .
• تطور الحياة الدستورية (التعديل الخامس ):
منذ استقلال الجزائر والبلاد لم تعرف الا اربعة تعديلات قبل هذا التعديل فقد كان أول دستور عرفته الجزائر كان بعد الاستقلال مباشرة، وتحديدا في عام 1963، ودعا إليه الرئيس أحمد بن بلة آنذاك. ومن ميزاته أنه قرر الاشتراكية كخيار سياسي واشتراكي، واتخذ من الصين والاتحاد السوفياتي سابقا مصدر إلهام في هذا الجانب. ووضع دستور 1963 كل السلطات بين يدي رئيس الجمهورية الذي خرج من حرب التحرير متمتعا بـ«الشرعية الثورية». ثم جاء دستور عام 1976 بعد 11 سنة من الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع آنذاك هواري بومدين إلى الحكم. وقد كرس النص الجديد الخيار الاشتراكي، مع التأكيد على إحداث «ثورة صناعية وزراعية» على الطريقة الصينية. وركز بومدين بين يديه سلطات كبيرة في دستور 1976، واتخذها خطاً لإبعاد خصومه السياسيين وفي إدخال بعضهم السجن مثل الإسلامي محفوظ نحناح الذي كان من أبرز معارضي الدستور. ويعتبر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من بين المساهمين في وضع دستور بومدين. وفي عام 1989 أجرى الرئيس الشاذلي بن جديد استفتاء لتعديل الدستور، بعد ما سمي بـ «ثورة المراهقين» التي جرت في خريف عام 1988 والتي اتخذ على أساسها قرار التعديل، بدعوى أن الشعب يتوق للتعددية. ولأول مرة فقد الحزب الحاكم «جبهة التحرير الوطني» السيطرة على المشهد السياسي، باعتماد أحزاب جديدة كان أقواها على الإطلاق «الجبهة الاسلامية للانقاذ» التي كادت تصل إلى عتبة الحكم في انتخابات البرلمان عام 1991، لكن الجيش تدخل لإلغاء نتائجها، وتم حل الجبهة بقرار قضائي. وفي عام 1995 قدر الرئيس الجنرال الامين زروال أن دستور عام 1989 تسبب في انحراف المسار الديمقراطي، فقرر تعديله في العام التالي. وكان أهم ما في مسودة التعديل منع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو عرقي، وتم حل عدة أحزاب وقعت تحت طائلة هذه المحظورات. وكان أهم ما ميز دستور زروال أنه يمنع الرئيس من الترشح لأكثر من ولايتين. ثم اتي التعديل الخامس ليلغي تعديل زروال ويعيد البلاد للمربع رقم واحد.
• ردو الافعال حول التعديل :
بمجرد ما تم طرح التعديل على البرلمان الجزائري والتي كان قد تقدم بها حزب جبهة التحرير الوطنية ذي الاغلبية البرلمانية والموالي للرئيس الجزائري بوتفلسقه ، وافق عليه الاغلبية الساحقة في البرلمان وقد وافق على التعديل 500 نائب من بين 529 نائبا هم اعضاء البرلمان الجزائري فيما صوت 21 بعدم الموافقة وهم من احزاب المعارضة وامتناع ثمانية نواب . وقد قام الرئيس الجزائري بعد ذلك بالتصديق على التعديل في صورته النهائية،وقد انتقدت احزاب المعارضة التعديلات الدستورية قائلة انها تدمر التعددية السياسية وتزيد من التوترات الاجتماعية في البلاد . ويعتبر كثير من المعارضين للتغيير انه تكتيك وحيلة من بوتفليقه للبقاء في السلطة مدى الحياة بعد انتهاء فترة رئاسته الثانية والاخيرة في ابريل عام 2009 . وعلى الجانب الاخر اعتبر مؤيدو بوتفليقه ان تولية فترة رئاسية ثالثة سوف تسمح له بالاستمرار في برنامجه الاصلاحي وجهود تحديث الاقتصاد .كما ستسمح له باستمرار خطة اعادة الاعمار لتحديث ثالث اكبر اقتصاد في افريقيا بعد سنوات من العنف في التسعينيات الذي قتل فيه اكثر من 150 الف شخص.
ففي الجبهة المعارض قال كريم طابو الامين العام لحزب جبهة القوى الاشتراكية (المعارض) ان تعديل الدستور ليس بالمفاجئ واصفا ما حدث بانه مجرد نهاية لترقب طال امده وشدد على ان السلطة تمضي في رعايتها الابدية للنظام . وان هذا القرار لن يغير شيئا في المعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للجزائريين ولا حتى في مجابهة التحديدات التي تنتظر البلاد موضحا ان الاعلان عن تعديل الدستور لن ياتي باي شئ ايجابي للشعب الجزائري. اما جبهة القوى الاشتراكية وهي ثاني حزب يعارض الاعلان عن تعديل الدستور بعد غريمه حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية فقد وصف التعديل دستوري بانه يتيح لبوتفليقه الترشح لفترة ثالثة وانه بمثابة اقصاء للجزائريين وقال بيان الحزب الذي يقوده سعيد سعدي ان بوتفليقه يريد البقاء في السلطة مدى الحياة وانه يسعى لتكريس منطق الولاء واقامة نظام العشائر والجهوية ويسعي من خلال تعديل الدستور لتمكين العشيرة من الاستمرار في الحكم . ام الطرف المحايد فقد تمثل في امتناع حزب العمال (اقصي اليسار)عن ابداء راي صريح وواضح من التعديل الدستوري وقال الحزب ان الرئيس استخدم صلاحياته في تعديل الدستور . كما التزمت حركة مجتمع السلم (تيار اسلامي وعضو في التحالف الرئاسي ) بموقف غير واضح تماما فلم ترحب كشريكيها الاخرين في التحالف بنفس الدرجة من الحماس كما لم تعارض التعديل واعتبرت الحركة على لسان احمد ايسعاد رئيس كتلتها البرلمانية ان مجلس الشورى هو المخول ليعطي رايه في هذا الموضوع .
اما الطرف المؤيد فقد تمثل في وصف حزب جبهة التحرير الوطني (عضو التحالف الرئاسي ) التعديل الدستوري بانه هديه لنوابه في البرلمان وكمكافاة لهم على نضالهم من اجل تعديل الدستور معتبرا ان يطمح في تعديل اخر اوسع واشمل للدستور. واعرب التجمع الوطنى (حزب رئيس الحكومة )عن استعداده للمساهمة في انجاح التعديل والاسراع في الانتهاء منه .
• التعديل الدستوري وانتخابات الرئاسة الجزائرية
في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس بوتفليقه لتدشين سباق الانتخابات الرئاسية باعلان قراراه خوض تلك الانتخابات بين لحظة واخرى بعد قرار البرلمان بتعديل الدستور ، قرر اثنان من قيادات احزاب المعارضة دخول تلك الانتخابات حيث اعلن موسى تواتي زعيم حزب الجبهة الوطنية ترشيح نفسه ببرنامج جديد لمنافسة بوتفليقه وفي الوقت نفسه اعلن سعيد سعدي زعيم حزب التجمع من اجل الديمقراطية والثقافة ذي الشعبية في مناطق القبائل عزمه على خوض الانتخابات الرئاسية مقابل التمسك بحضور مراقبين دوليين للاشراف على مراقبة الانتخابات ومنع حدوث اي اعمال تزوير او تجاوزات ،في غضون ذلك يشهد حزب جبهة التحرير (حزب بوتفليقه )تحركات عاجله واجتماعات تنسيقيه برئاسة عبد العزيز بلخادم الامين العام للحزب لوضع برنامج ترشيح الرئيس بوتفليقه وخطة التحرك في جميع الولايات الجزائرية وتسيير حملات التاييد والدعم .
واخيرا فان تعديلا تم قبل انتخابات معروف نتائجها مسبقا تفتح الباب على استمرار الوضع القائم على ما هو عليه ، وهو وضع قد يكون في صالح استقرار الجزائر باعتبار ان الرئيس بوتفليقه لديه من الرصيد الشعبي ما يؤهله لمقبولية عاليه من جانب كل الاطراف التي تؤثر على استقرار الاوضاع في الجزائر ، ولكن ومع ذلك فانه يبقي امام الجزائريين تحدي استمرار حالة العنف التي بعثت في الشهور القليلة الماضية ولكن ومع ذلك فانه من الممكن القول ان احد اسباب عودة العنف في الجزائر طبقا لرؤية بعض المراقبين هو عدم الثقة في شخصية القادم في منصب الرئاسة والرغبة في ارسال رسالة الى كل من يعنيه الامر في الجزائر ان جماعات الاسلام الساسي ما زالت تتمتع بمرونة في الحركة داخل الشارع الجزائري وهو ما قضي عليه هذا التعديل بادخال قدر من الطمانينه في نفوس بعض المتوجسين خيفة على مستقبل الجزائر . ولكن تبقي قضية الديمقراطية هي الضحية الاولي دائما في اي سعي من جانب الانظمة الحاكمة نحو ما يسمونه الاستقرار . فالي متى يظل الاستقرار هو النقيض الفعلي للمارسة الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود