الصحافة المصرية
الديمقراطية من هنا تبدأ
خالد فياض
باحث سياسي
مقدمة:
الصحافة هي حارس الأمة الأمين والمعلم الأول لحقوق المواطن والمرشدة له في أداء واجباته وفي عالمنا المعاصر لا يزال استهلاك الصحف ظاهرة شديدة التعبير عن درجة نمو البلاد الحضاري والإنساني .
والوظائف الاجتماعية للصحافة عديدة فالوظيفة الأولى للصحافة هي بالطبع نقل وتفسير الأنباء والتعليق عليها ، كما أصبحت الصحافة أداة وثائقية يرجع إليها كما تساعد الصحافة قراءها بما تقدمه لهم من خدمات عديدة بمساعدتهم علي حسن تنظيم وقته ويضاف إلى ذلك أن قراءة الصحف تساعد علي مزج الإنسان في جسم المجتمع والإحساس بقضاياه ومشاكله وتدعوه للمشاركة في بناء مستقبله . فالصحافة بحق هي إحدى الأدوات المساعدة علي القضاء علي انزواء الفرد وسلبيته . ولقد قيل عن الصحافة أنها مرآة الأمة التي تنعكس عليها آمالها وآلامها وأنها اللسان الناطق بكل ما يجول بخلد الملايين من أبنائها ، ومن هنا فان حرية الصحافة لها دور جوهري في أداء رسالتها .
وحرية الصحافة لا يمكن أن تقوم علي أساس ضمان فرد أو هيئة ولكنها تقوم علي أساس دستور حر يؤكدها وقانون يدعمها ثم ممارسة شجاعة تحميها وتهذبها .
وتعود أهمية موضوع حرية الصحافة إلى عدة أسباب لعل أهمها علي الإطلاق أنها لا ديمقراطية بغير حرية الصحافة . والبلد الذي يتمتع بالحرية الحقيقية هي البلد الذي لا تصادر فيه السلطات صحيفة واحدة . والصحافة الوطنية في بلد من البلدان هي تلك التي تعكس آمال الشعب وتنبه إلى السلبيات وتحدد الاتجاهات القومية وتكون مدرسة للرأي العام وتصبح همزة وصل .
الصحافة ودورها في دفع عجلة التطور الديمقراطي – ما يجب أن يكون –
فى القرن السابع عشر، قال الفيلسوف الفرنسي كلود ادريان: "أن تقييد حريات الصحافة هو إهانة للأمة بأسرها. ذلك أن حرمان القراء من آراء ومواقف معينة معناه افتراض أن أبناء المجتمع إما أنهم حمقي، وإما أنهم عبيد".
. البير كامو، الكاتب الفرنسي المعروف، قال: "الصحافة الحرة يمكن بطبيعة الحال أن تكون جيدة أو سيئة. لكن الأمر المؤكد أنه بدون حرية، لن تكون الصحافة فى كل الأحوال إلا صحافة سيئة.
. فى القرن الثامن عشر، قال كاتب سياسى بريطاني كان يوقع باسم جونيوس: "يجب أن يترسخ فى ذهنك أنت شخصيا، ويجب أن تكرس فى ذهن أطفالك، أن حرية الصحافة هى الدرع الواقي لكل الحريات في المجتمع، المدنية، والسياسية، والدينية".
. والكاتب البريطاني الشهير جورج اورويل كتب يقول: "إذا كانت حرية الصحافة تعني شيئا، فإنها تعني حرية النقد والمعارضة".
. أوليفر وندل هولمز، قاضي المحكمة العليا الأميركيةفي عام 1919 قال "عندما يُدرك الناس أن الزمن قد قلب مفاهيم العديد من المعتقدات المقاتلة، فقد يتوصلون الى الاقتناع... بأن الخير المطلق المرغوب به يتحقق بصورة أفضل من خلال تجارة الأفكار الحرة - وان أفضل اختبار للحقيقة هو قدرة الفكر في أن يصبح مقبولاً لدى تنافسه في السوق"
هذه المقولات الخمس تلخص أبعاد قضية حرية الصحافة، سواء تعلقت هذه الحرية بالقضايا المحلية أو القضايا الخارجية. فمن اجل أن يُعتبر أي مجتمع بأنه حقاً ديمقراطي، عليه أن يؤمّن درجة عالية من الحماية للتعبير عن الفكر المنشور، إمّا بواسطة الصحف، أو المجلات، أو الكتب، أو الكّراسات، أو الأفلام السينمائية، أو التلفزيون، أو ما هو أكثر حداثة، الإنترنت ، فالقضية أن القيادة فى أي بلد حين تقرر أن صحافتها تستحق الحرية، وحين تتوافق كل قوى المجتمع حول هذا.. حين يحدث هذا، ومع كل التقدير بالطبع لهذا التوجه، إلا أنه فى نهاية المطاف لاأحد يتفضل على أحد بشئ. حين تفعل هذا معناه أنها قررت رد الاعتبار للشعب وللمستقبل.. معناه أنها قررت أن المجتمع يستحق الحرية بصفة عامة، الحريةالسياسية والدينية والمدنية بمعناها العام، وقررت بالتالي أن تمنحه "درعا" واقيا للدفاع عن كل هذه الحريات.. درع حرية الصحافة. وحين يستقر فى المجتمع الإيمان بحق الصحافة في الحرية، معناه فى نفس الوقت الايمان بحق الصحافة فى الخطأ، بل وفي التجاوز فى بعض الأحيان. والفلسفة فى ذلك أن المجتمع الذى يستحق الحرية هو بالضرورة مجتمع قادر على التمييز بين الخطأ والصواب. وحين تتفق ارادة القيادة وكل قوى المجتمع فى هذا الوطن على أن صحافته تستحق الحرية، معناه بالأساس أن الكل اتفقت كلمته على منح الحرية للانتقاد ولكشف الأخطاء والسلبيات وعلى معارضة كل ماهو خطأ، سواء فيما يتعلق بالقضايا المحلية أو العربية والدولية.
ذلك أن التبريريين والذين يعتبرون أنه لا يوجد أي شئ خطأ، أو أي شئ يستحق الانتقاد فى سياسات الحكومة أو فى أوضاع المجتمع بصفة عامة..هؤلاء لم يكونوا فى أي يوم من الأيام بحاجة إلى الحرية.. الحرية كانت دوما متاحة لهم فى كل وقت وأوان. وفي ذلك يقول هارولد لاسكي "أن الحرية السياسية تعني القدرة علي أن يكون المواطن ذو نفوذ في شئون الدولة وان يدع ذهنه يفكر بحرية في الشئون العامة ويجب أن يكون قادرا دون عقبات علي إضافة خبراته الخاصة الى محموع الخبرات العامة ، ولا يجب أن يجد حواجز شخصية تحول دونه ودون الوصول إلى مراكز السلطة أيضا يجب أن يكون قادرا علي اعلان رايه والتعبير عنه بدون قيود أو عقبات . وهنا ياتي دور الصحافة في مساعدة المواطن في التحكم في تصرفاته وفي تنمية ثقافته وفي تكيف نفسه مع المجتمع فهو همزة الوصل بينه وبين المجتمع ليتكيف مع هذا المجتمع حيث تخلق فيه بما تقدمه له من مادة اعلامية شخصية سوية قادرة علي العطاء والمشاركة والبعد عن السلبية .
أن الفرد لا يمكن أن يشعر بأنه مسئول في المجتمع الذي يعيش فيه إلا إذا كان بينه وبين هذا المجتمع تجاوب حقيقي يقوم علي شعوره بأنه ليس من أفراد المجتمع فحسب بل هو أحد صانعيه كذلك أي انه قد اشترك في صنع نظم المجتمع والدولة التي ينتمي إليها بقدر مؤهلاته وإمكانياته وانه قام بذلك بملء حريته دون تدخل أو خوف أو ضغط سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ، ويقوم كذلك هذا الشعور بالمسئولية علي إحساس بأنه فرد في هذا المجتمع له حقوق أساسية يعرفها تمام المعرفة ويدافع عنها ويحملها بكل ما أوتى من قوة وان تتضح لنا المسئولية الإعلامية التي تغذي العقل والروح لدي هذا المواطن ليعرف طريقه جيدا وحقوقه وواجباته نحو وطنه وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه فالكلمة الحرة في أجهزة الإعلام المرئية وغير المرئية والمسموعة والمطبوعة هي المرشد والدليل لهذا المواطن ليعرف أين الطريق ، ومعالم هذا الطريق، فهي التي تبلور أهداف المجتمع أمام المواطن وهي التي تقدم له في موضوعية يقتنع بها استراتيجية العمل الوطني وهي التي تدعوه إلى المشاركة ومن خلال نجاحها أو فشلها تتحدد رؤية المواطن لما يدور حوله ولكي يعطي بكامل وعيه وفكره لهذا الوطن ما عليه من واجبات .
أن الإنسان يشكل عقليا من خلال الصحافة التي تلاحقه أينما كان وتؤثر علي سلوكياته وتضع له أبعاد حريته وتدفع عجلة التطور الديمقراطي أمامه وكلما كانت أمينة في أداء واجبها فان الأمة بكل طوائفها وفئاتها تستطيع أن تساهم في بناء مجتمعها ، فعلي هذه الأجهزة أن تعمق حرية الرأي والتعبير وان تبني الشخصية القومية وان تضع لها كل الضوابط والمقاييس والمعايير وان تربط بين جذورها وبين عالمها المعاصر وعليها أن تزرع في قلوب المواطنين أن الحرية لا تعني غياب القانون كما أن سيادة القانون لا تشكل حجرا علي الحرية فالحرية هي جوهر والقانون سياج من حولها يحميها ويحمي ممارسيها كما يحمي القيم والمقومات الأساسية للمجتمع .
وعن طريق رسالة الإعلام الناجحة وتحمل أجهزته لكافة المسئوليات الملقاة علي عاتقها ينمو وجدان الشعب وينضج عقله ويصبح قادرا علي التفريق بين الحق والباطل وبين الأصل والتزييف .
فأجهزة الإعلام هي التي تربي القيم الاجتماعية وتضع أسس المقومات الأخلاقية للمجتمع ، وهي التي تجعل التفاعل عضويا من الدولة للفرد بحيث يؤثر كلاهما في الآخر ويتأثر به ، وكلما نجحت أجهزة الإعلام في تعميق صوت العقل والمنطق لدي المواطنين يمكن بناء المجتمع ، والسعي نحو تحقيق الصالح العام للوطن ، وإذا ما أصاب أجهزة الإعلام التعارض ، ولم تعرف طريقها عندئذ يصل المجتمع إلى مرحلة انعدام الوزن التي تصيب الناس بالدوار وتجعلهم عاجزين عن التفرقة بين الديمقراطية والتسيب وبين الحرية والفوضى مما يفقدهم القدرة علي إدراك دور السلوك الإنساني . كما ان الصحافة تعمل بمثابة وكيل عن المواطن، بحيث تنقل إليه بواسطة وسائل الإعلام المنشورة، والمرئية، والمسموعة ما تتبيّنه من هذه الأمور كي يصبح بإمكانه التصرف وفق ما حصل عليه من معلومات. ففي الأنظمة الديمقراطية، يعتمد المواطنون على وسائل الإعلام للتخلّص من الفساد، وكشف سوء تطبيق العدالة، أو عدم كفاءة وفعالية عمل جهاز حكومي معيّن. وبالتالي فلا يمكن لأي بلد أن يكون حراً دون وسائل إعلام حرة، ويعتبر إسكات صوت وسائل الإعلام من دلائل قيام حكم دكتاتوري.
أن علي أجهزة الإعلام دورا رئيسيا في وضع أخلاقيات الممارسة الديمقراطية لتعميق مفاهيم الحرية السياسية فسيادة القانون ليست مجرد نصوص في الدستور ، وإنما هي تحديد لدائرة الحرية التي يتحرك داخلها الإنسان بالمسئوليات المحيطة به ومن خلال سيادة القانون تنسق المصالح المتوازنة بين الارداة العامة والارداة الخاصة وتتضح الفروق بين حرية المجتمع وحرية الفرد وعلينا أن نفهم أن سيادة القانون هي تنظيم للحرية في إطار أخلاقي واجتماعي يكبح نوازع الشر ، وطغيان الهوى وحكم الفرد وسيطرة الطبقة وضراوة الغرائز ، فالقانون والآداب العامة هما قوام المثل الأعلى للحرية ، وعلي أجهزة الإعلام أن تؤكد أن الديمقراطية هي عنوان المجتمع الذي ينهض بنيانه علي الاحترام المتبادل ، وعليها أيضا أن تقنع المواطن بأنه لا يوجد إنسان حر بطبيعته حرية مطلقة فالتاريخ لا يعرف تلك الحرية المطلقة حتى في حياة البداوة .
أن دراسة التاريخ الإنساني بمختلف عصوره تؤكد دائما أن الحرية السياسية في حاجه مستمرة إلى من يحميها ويدافع عنها وذلك لن يكون الا من خلال الممارسة الحية للديمقراطية في ظل مناهج أخلاقية يحرص عليها المجتمع المتحضر .
أن الصحافة الديمقراطية هي التي تبعد الوصاية عن الجماهير ، ومن هنا فان الصحافة عندما تكون متاحة للجميع للتعبير الحر عن آرائهم في ظل الديمقراطية والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي فإنها بذلك تساهم بلا شك في بناء المجتمع وتعميق الوعي الديمقراطي وتأكيد الإحساس بالمساواة والعدالة مما يدفع المواطنين إلى التفاني في خدمة الأمة والتضحية في سبيلها .
أن ترشيد العقل والسعي إلى نضجه يمنح الإدراك للمواطن كما أن توافر المسئولية والحرية يطمئنه علي مستقبله وقد ولد الإنسان حرا ويجب أن يشعر إنها سيد نفسه وقوام الحرية هو دولة يصل فيها الحاكم إلى كرسيه بإرادة المحكوم ومجتمع يشارك فيه المواطن بقدراته وطريق نلتزم جميعا بالسير فيها سويا .
حرية الصحافة والإعلام في عصر العولمة:
يمكن القول نظريا إن عصر العولمة هو عصر حرية التعبير المطلقة! وذلك لسبب بسيط مؤداه أن الثورة الاتصالية الكبرى التي قربت المسافات بين البشر بصورة لم تعرفها الإنسانية من قبل, استطاعت من خلال الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت, أن تعطي منابر لا حدود لها لمن لاصوت لهم. وهكذا فمن تمنعه حكومته عن حرية التفكير وحرية التعبير يستطيع أن يصمم لنفسه موقعا علي الإنترنت, ويذيع أفكاره كما يشاء. بل إن الحوار المتعدد الجوانب يسبح في آفاق الفضاء بغير قيود من خلال غرف الدردشة علي الإنترنت, بحيث أصبح يمارسه الأطفال والشباب, والنساء والرجال من كل الأعمار، فلقد اصبحت شبكةالإنترنت تساهم بشكل فعال في دعم عملية التحول الديمقراطي، خاصة في الدول ذات النظم التسلطية التي تشهد اتساع نطاق النفاذ إلى الإنترنت. وذلك نتيجة للعوامل التالية:
1- الميزات النسبية التي توفرها شبكة الإنترنت فيما يتعلق بتخفيض تكلفة المعاملات والاتصالات وتكلفة الحصول على المعلومات وتبادلها، وفرص إجراء تلك الاتصالات على نطاق واسع بتكلفة محدودة جدا، سواء من جانب الجمهور أو من جانب الفاعلين السياسيين في ظل تواضع تكلفة إنشاء وتسجيل المواقع الإليكترونية والبحث الإليكتروني عن المعلومات، وتواضع تكلفة إرسال رسائل البريد الإليكتروني وغيرها من المعاملات الإليكترونية.
2- أن الإنترنت توفر فرصا متزايدة لتوسيع حجم مساهمة المواطن في صناعة القرار السياسي – جوهر الديمقراطية- من خلال ما تمثله الإنترنت من مصدر مهم لتنمية المعارف الفردية حول القضايا موضوع الحوار والجدل السياسي داخل المجتمع، بما في ذلك قضية الإصلاح والتحول الديمقراطي، وزيادة الوعي بعمليات صنع القرار السياسي، وانتشار المعرفة داخل المجتمع والقضاء على حالات احتكارها.
3- أن الإنترنت تساهم في تعميق الشفافية في السياسات الحكومية من خلال ما توفره من فرص تدفق المعلومات من الحكومة إلى المواطنين والعكس، عبر المواقع الرسمية للوزارات والإدارات الحكومية التي تحوي معلومات مهمة حول السياسات والخطط الحكومية الراهنة أو المخططة مستقبلا والتي تساهم في نشر وتعميق الحوار العام حول تلك السياسات. كما توفر الإنترنت أداة مهمة للفاعلين السياسيين لتدعيم فرص الشفافية من خلال عملها كمنتدى للفاعلين الافتراضيين لتبادل المعلومات حول الواقع السياسي، خاصة قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وتبادل النقاشات والحوارات حول تلك القضايا، خاصة في ظل انخفاض تكلفة المعاملات والاتصالات الإليكترونية، ومستوى التسهيلات التي وفرتها الشبكة .
4- ما توفره الإنترنت من فرص مهمة لممارسة حريات التعبير والعمل السياسي للقوى السياسية المحجوبة عن الشرعية أو القوى السياسية التي قد تطرح رؤى سياسية وإصلاحية تتجاوز السقف المتاح من جانب النظام السياسي القائم لممارسة حريات التعبير، لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية. وقد استطاعت الكثير من القوى السياسية في مصر استخدام الإنترنت كساحة بديلة للعمل السياسي من خلال تشكيل المنتديات والجماعات السياسية الافتراضية (الحركة المصرية من اجل التغيير –كفاية- وحركة شايفنكو والتي تاسست بهدق مراقبة الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر في شهر سبتمبر 2005) والتغلب على القيود السياسية والقانونية المفروضة على حريات التنظيم السياسي، بالإضافة إلى القيود المادية التي تواجه عمليات الاتصال والتنسيق. كما استطاعت الكثير من القوى السياسية والحزبية في مصر الاستفادة من الإنترنت للاستعاضة عن وجودها القانوني والرسمي بالوجود الافتراضي على شبكة الإنترنت، خاصة القوى الإسلامية، والأمثلة الأبرز هنا هي حالة جماعة الإخوان المسلمين التي لجأت إلى تأسيس مواقع إليكترونيه في القاهرة وفي بعض المحافظات وذلك من اجل تعويض وجودها القانوني، وإغلاق مقرها وصحيفتها في عام 1985، وحالة حزب العمل الإسلامي الذي لجأ إلى الإنترنت لبث صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب، في محاولة للتغلب على المشكلات العملية لإصدار الصحيفة رغم حصول الجريدة على أحكام قضائية مؤيدة لحقها في الصدور. ولم تكن قضية الديمقراطية بعيدة عن أهداف وأجندة معظم تلك المواقع.
ولم يقتصر تاثير العولمة علي الانترنت فقط بل امتد تاثيرها الي وسائل الاعلام الاخري فالعولمة هي التي أدت إلى ظهور الكاتب الصحفي المرموق محمد حسنين هيكل على "تليفزيون دريم" والذي تطرق فيه إلى موضوع تطلع جمال مبارك إلى خلافة والده في الرئاسة، والذي يتميز بحساسية عميقة. وكانت نتيجة ذلك أن مُنع هيكل على الفور من محطات البث المصرية. وبينما في الماضي كان مثل هذا الرد القوي من الدولة، يكفي لاستعادة الحكومة سيطرتها على جدول الأعمال العام، إلا انه هذه المرة استطاع هيكل أن يوقع صفقة ساحقة مع "الجزيرة"، تتيح له على الفور الوصول إلى جمهور أوسع بكثير. فقد استخدم عرضه الأول في فضح مجهود النظام لإسكات معارضته. وهكذا تظهر تجربة هيكل صعوبة استمرار الدولة المصرية في السيطرة على المجال العام. فعن طريق تمزيق سيطرة الدولة على الجدل العام، يبين الإعلام الأساس لثقافة سياسية عربية أكثر ديموقراطية لقد اكتسح الإعلام العربي الجديد احتكار الدولة للمعلومات، فزرع في الجمهور توقعا للاختيار والمحاججة ينتقص من الثقافة السياسية السلطوية. فمحطات التليفزيون الفضائية تشجع ثقافة سياسية تعددية، ثقافة يمكن أن تُسمَع فيها أصوات متعددة، وأن تذاع الخلافات بصراحة، ويُفتح فيها كل وجه من السياسات والمجتمع للتمعُّن العام. وما ينطبق علي الإعلام المرئي ينطبق علي الإعلام المكتوب فنظرة واحدة علي الصحف المصرية القومية والحزبية والمستقلة يبرز هذا الفضاء الواسع من الحرية التي أفرزته العولمة فيكفي رفض مقالة لكاتب مثل فهمي هو يدي في جريدة الأهرام أن تجد لها بدل من الجريدة الواحدة عشرات الجرائد والمجلات التي تنقل نص المقال دون حذف أو إضافة بل انه وفي أسوا الأحوال إذا رفضت كل الصحف النشر فنشرها علي أي موقع من مواقع الإنترنت يصبح من السهولة بما كان . إلا انه وبقدر الأهمية التى يمثلها التطور المتلاحق فى وسائل الاتصال وتقنياته، تتسع دائرة الجدل الاجتماعي والسياسي والمهني حول مضمون المادة الإعلامية، ومعايير جودتها ومشروعيتها ـ إن صح التعبير ـ ويعود الإعلاميون والصحفيون إلى حلبة النقاش القديم الجديد حول حدود حرية الإعلام وركائز استقلاله النسبي ومرجعاته المهنية والأخلاقية ومع ذلك فانه من الأهمية التأكيد علي أن الإعلام بمساحة الفضاء الشاسعة المتاحة له الآن لا ينبغي أبدا أن يحاول المتربصون تقزيمها أو الخصم منها بالحجج القديمة المتجددة دائما، مثل الخصوصية والخوف علي القيم والتقاليد وما شابه ذلك ، أن السبيل الوحيد لتجنب سلبيات حرية الإعلام هو بمزيد من الحرية للإعلام حتى يتمكن من إصلاح أخطائه بنفسه بما يتيح له قدرا اكبر من الخبرة في تصحيح أخطائه بنفسه والاستفادة منها في تحقيق تراكم إعلامي هو صانعه ومصوبة. ولكن ما الذي فعلته العولمه في إعلام العالم العربي انه من الأهمية التأكيد علي أن تحرير الإعلام من تدخل الدولة في العالم العربي أحد محددات الإصلاح السياسي والتصالح مع قيم العصر الذي نعيش فيه والسباحة مع تيار التحول الديمقراطي الذي يعم العالم منذ الربع الأخير من القرن الماضي والذي لا يزال العالم العربي متخلفا عن اللحاق به. ويبدو تدخل الدولة في الإعلام في العالم العربي في صور كثيرة تتجلى في فرض قيود على حرية الوصول إلى المعلومات وحرية تداولها وفرض قيود على حرية التملك وإصدار المطبوعات وفرض قيود على حرية التملك والبث الإذاعي والتليفزيوني وفرض الرقابة على المطبوعات الداخلية والقادمة من الخارج وفرض قيود على حرية الطباعة والتوزيع والإعلان وفرض قيود على حرية التنظيم المهني والنقابي والتحكم في ظروف عمل الصحفيين والإعلاميين من خلال قوانين جائرة تكرس مفهوم سيطرة الدولة وحرمان الأفراد من حق الاختيار. ويصل تدخل الدولة في بعض الدول العربية إلى حد الاحتكار والسيطرة الكاملة لكنه يقل عن ذلك كثيرا في بعض الأحوال حيث تراقب الدولة أداء المؤسسات الإعلامية عن بعد. إن واقع الحال الإعلامي في العالم العربي يشير بصورة واضحة إلى تخلف السياسات الإعلامية العربية عن التحولات السياسية والتكنولوجية التي تجتاح العالم من حولنا. إن هذه السياسات تهدف في جوهرها إلى مواصلة أعمال تهميش المواطن العربي وتقييد حريته وزيادة طغيان الدولة وتوسيع نطاق تدخلها في الميادين التي تتعلق مباشرة بصناعة الرأي العام وبإمكانات التحول الديمقراطي. إنه من السهل جدا التعرف على مفارقات كثيرة في السياسات الحكومية في العالم العربي؛ فبعض الحكومات يتحدث عن الليبرالية الإقتصادية ويتجاهل أن لليبرالية جناحين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي. وحتى عندما يتعلق الأمر بالليبرالية الإقتصادية فإن صناعة الإعلام يجري استثناؤها حيث تحاول الحكومات المحافظة لنفسها على وضع احتكاري أو شبه احتكاري من خلال ترتيبات متنوعة. إن ثورة الاتصالات التي هدمت تقريبا الحدود الجغرافية التي أقامتها الدول القومية تجد مقاومة هائلة من جانب السياسات الإعلامية الرسمية المتخلفة؛ فكم من دولة تصادر صحفا قادمة من الخارج مع أنه يمكن تصفحها على شبكة الإنترنت! وكم من دولة عربية تنفق عشرات بل مئات الملايين من الدولارات سنويا لحجب مواقع المعارضة على شبكة الإنترنت بدلا من الاستجابة للمطالب الشعبية المتعاظمة للإصلاح أو التحول الديمقراطي
الصحافة المصرية –منبر من لا منبر له-
شهدت مصر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي إصدار عدد من الصحف الحزبية للمرة الأولى منذ تأميم المؤسسات الصحفية. واستمرت الزيادة في أعداد الصحف الحزبية مع زيادة عدد الأحزاب السياسية. ثم شهدت مصر موجة من الصحف الخاصة التي يملكها أفراد والتي تعرف "بالصحف المستقلة".
ولاشك أن الآراء الواردة في كل من الصحف القومية والحزبية والخاصة تمثل درجة متقدمة من حرية الصحافة بلغت حداً جعل البعض يطالب بضرورة إيقاف هذا الاعتداء على الحياة الخاصة للبعض والتشهير بهم وتدني مستوى الحوار.
وبالرغم من ذلك، يعد تعزيز حرية الصحافة وعدم وجود أي رقابة عليها من أي نوع، دليلاً على ضمان هذه الحرية التى تعتبر ملمحاً رئيسياً من ملامح النظم الديمقراطية. ومع ذلك فانه وخلال فترة حكم الرئيس مبارك شهدت الصحافة المصرية خصوصا وحق تدول المعلومات عموما بعض التجاوزات ينبغي الإشارة إليها باعتبارها عوائق سلبية علي طريق صحافة حرة مسئولة تستطيع أن تقوم بالدور المتوقع منها في التبشير بإصلاح ديمقراطي حقيقي يستطيع أن يتجنب سلبيات انفراد نخبة ضيقة معينة بصياغة مشروع للإصلاح قد لا يلبي سوى رغبة هذه النخبة في بقائها في الحكم وسد أفواه منتقديها دون النظر إلى تطلعات المجتمع الحقيقية .
حريات الرأي والتعبير والاقتراب من المعلومات
حتى تعمل مجتمعات المعرفة بصورة فعالة لا بد من تبادل المعلومات بصورة حرة ونشر المعلومات والأفكار والمعرفة على نطاق واسع، من خلال وسائل الإعلام التقليدية و من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة على حد سواء. وفي هذا السياق فإن حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات والأفكار والمعارف والانتفاع الحر والمتكافئ بها، تشكل عناصر أساسية لتمكين الناس وضمان مشاركتهم في مجتمعات المعرفة
ولقد كفل الدستور المصري حرية التعبير والرأي والنشر والبحث العلمي في المادة 47 من دستور 1980 " حرية الرأي مكفولة وللإنسان حق التعبير عن راية بالقول أو الكتابة أو التصور " كما أشار الدستور في موضع آخر إلى أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة والرقابة علي الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور " كذلك ينص الدستور علي أن حرية إصدار الصحف وملكيتها للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة مكفولة طبقا للقانون "
وإذا كان الدستور قد كفل حريات الرأي والتعبير وحرية الاقتراب من المعلومات وإصدار الصحف فان السؤال هو إلى أي حد تتوافر هذه الحريات في الواقع وهل تحترم المؤسسات التنفيذية والتشريعية المبادئ العامة التي يتبناها الدستور ؟
في تقريرها الصادر عام 2005 تقول منظمة مراسلون بلا حدود أن مصر تبوأت المركز رقم 101 بين دول العالم في مدي احترامها لحرية الصحافة والصحفيين ، وقد تأتى ذلك بسبب الرقابة التي تفرضها الدولة على الصحافة وعدد الاعتقالات في صفوف الصحفيين وعدد حوادث القتل التي يروح ضحاياها صحفيون واحتكار الدولة للمؤسسات الصحفية والقيود القانونية التي تفرضها على المؤسسات الصحفية ومن هنا فانه يمكن القول أن هناك قيودا مؤسسية وقانونية تحد من ممارسة هذه الحريات كما أن هناك انتهاكات من جانب الدولة تؤثر بالسلب علي واقع هذه الحريات ، فالمادة 15 من القانون 148 لسنة 1980 بشان سلطة الصحافة تعطي المجلس الأعلى للصحافة الحق في الموافقة علي إصدار الترخيصات الصحفية أو رفضها . ويكون الطعن ضد هذا القرار أمام محكمة القيم ، كم أن المادة 18 من نفس القانون تحظر إصدار الصحف أو الاشتراك في إصدارها أو ملكيتها علي الممنوعين من مزاولة الحقوق السياسية والممنوعين من تشكيل الأحزاب السياسية والذين ينادون بمبادئ تنطوي علي إنكار الشرائع السماوية وكذا علي المحكوم عليهم من محكمة القيم .
كذلك يلاحظ أن قانون الأحزاب السياسية يجيز للجنة شئون الأحزاب لمقتضيات المصلحة القومية وقف إصدار صحيفة الحزب وهو ما يعد مصادرة للحقوق التي نص عليها الدستور .
بالاضافة إلى هذه القيود التي تضمنتها القوانين السابقة فان هناك مجموعة من القيود تحد من حريات الرأي والتعبير من أهمها ما تضمنه القانون 162 لسنة 1958 بشان حالة الطوارئ والمعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1982 . وقد طبق هذا القانون لمدة اربع وعشرين عاما متواصلة لم يعطل خلالها إلا لمدة سبعة عشر شهرا (15 مايو 1980 إلى أكتوبر 1981 ) وطبقا لهذا القانون توضع القيود علي حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والرقابة والمرور ... الخ ويحق للحكومة رقابة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات وكافة وسائل التعبير كما يذهب القانون الخاص بحماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والذي صدر عام 1978 إلى انه يؤاخذ تاديبيا كل عضو بنقابة الصحفيين ينشر أو يذيع في الصحف أو بوسائل الإعلام في الداخل أو الخارج – امورا تنطوي علي مساس بنظام الدولة الاشتراكي الديمقراطي أو السلام الاجتماعي .. مما يعد خروجا علي احكام ميثاق الشرف الصحفي وللمجلس الأعلى للصحافة أن يطلب من المدعي العام الاشتراكي تحقيق أي بلاغ أو شكوى في هذا الشان " ويمثل هذا القانون وفقا لما ذكرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان " اعتداءا علي الحريات العامة وحقوق الإنسان المتضمنه في الدستور (المواد 47،40،41) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مصر . ويمتد هذا التقنين للقيود علي حريات الرأي والتعبير إلى قانون الإجراءات الجنائية حيث يلزم الصحفيين وغيرهم من المهتمين بالقذف عن طرق النشر أن يقدموا خلال خمسة ايام فقط من بدء استجوابهم بيانا بالادلة علي صحة ما نشروه والا اصبحوا مدانين .
ويتناول قانون العقوبات بالتجريم الآراء التي يمكن أن توصف بأنها تشكل تحريضا علي كراهية نظام الحكم أو إهانة السلطات أو الجيش أو البرلمان أو تشكل دعاية مثيرة للرأي العام وقد أدى ذلك إلى الدفع بعدم دستورية المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية وهو الأمر الذي تنظره الآن المحكمة الدستورية العليا . بالاضافة الي ذلك كان القانون 148 لسنة 1980، والذي جاء ليجعل من الصحافة القومية صحافة سلطة تتحكم الدولة فى كل أمورها، وكان أهم ما تضمنه هذا القانون تأكيد أمرين واقعين متلازمين، وهما ملكية الدولة للصحف العامة المسماة بالقومية، وهيمنتها التامة عليها، وازدواجية الصحافة المصرية، بين صحف المؤسسات وصحف الأحزاب، كما تم إنشاء المجلس الأعلى للصحافة، ومنحه صلاحيات واسعة ليكون أداة الدولة الأساسية فى الهيمنة على الصحافة، وتوجيهها والتدخل فى كل شئونها.
يتضح من العرض السابق أن نصوص الدستور تقر كفالة حريات الرأي والتعبير والنشر والبحث العلمي والإبداع وتحظر الرقابة علي الصحف ، ولكن إحالة هذه المبادئ العامة إلى القانون لكي يفصلها أدى بالمشرع إلى تقنين القيود علي الحريات وابتكر من الوسائل والإجراءات التي تجعل من الرقابة علي الصحف أمرا راسخا دون حاجة إلى الاستعانة برقيب أو بقانون الطوارئ .
ومن المهم الإشارة إلى أن مساحة الحريات العامة قد اتسعت نسبيا في عهد الرئيس مبارك ويتضح ذلك جليا حين نقوم بمراجعة شكل ومضمون طرح القضايا السياسية والاقتصادية في الصحافة القومية والصحافة الحزبية والمستقلة علي وجه الخصوص . فمنذ بداية هذه المرحلة وفي السنوات الأولى من الثمانينات مارست الصحافة دورا هاما في التصدي لقضايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الحريات والديمقراطية علي وجه العموم ، وإذا كانت الصحافة الحزبية قد بادرت بنقد النظام السياسي واستندت إلى بعض القضايا سابقة الذكر لمعارضة النظام ، فانه من المؤكد أن الصحافة القومية هي الأخرى قد تجاوبت مع هذا الاتجاه لتلمس نفس القضايا إلا إنها بدت كمعارضة من داخل النظام وليس من خارجه .
ويلاحظ انه في المناسبات التي ترتفع فيها حرارة النقد السياسي الموجه ضد سلطات الدولة تتجه رموز الدولة خاصة رئيس الجمهورية نحو التلويح بان سماحة النظام هي التي تسمح لمعارضية بالنقد وهي التي تبيح هذا القدر من الحرية ويشير ذلك إلى إدراك النخبة الحاكمة إلى أن هذه الحريات والحقوق هي منحة من النظام وصاحب المنحه يستطيع أن يمنح ويمنع .
ونختبر في النقاط التالية بعض المؤشرات التي تتعلق بحرية الصحافة في فترة حكم الرئيس مبارك :
1- مصادرة الصحف وسحب الترخيص : تم إغلاق حوالى 12 صحيفة بقرارات سياسية لكونها صحفاً معارضة للنظام، ففى بداية الثمانينيات، تم إغلاق جريدة " صوت العرب " وأغلقت أيضاً مجلة " الموقف العربى " واللتان كانتا تصدران عن شركة دار الموقف العربى، وكلاهما كانا ذى توجهات ناصرية، وتم إغلاق العديد من الصحف والمجلات المعبرة عن التيار الإسلامى، كان فى مقدمتها جريدة " لواء الإسلام " والتى أشرف عليها " الأخوان المسلمين " والتى أغلقت بقرار سيادى دون إبداء أى سبب، كذلك أغلقت "مجلة الدعوة" الشهيرة، التابعة للإخوان المسلمين ومجلة " المختار الإسلامى". واتجهت الحكومة إلى إغلاق كل الصحف والمجلات ذات الاتجاه الإسلامى ولم تعد توجد سوى المجلات والجرائد الإسلامية الرسمية التابعة للحكومة مثل جريدة صوت الأزهر ومجلة "عقيدتى" وجريدة "اللواء الإسلامى" ومجلة "منبر الإسلام" التابعة للأزهر. كذلك أغلقت جريدة "النور" ذات الطابع الإسلامى السياسى والتى كانت محط اهتمام الأوساط الدينية والسياسية الإسلامية بسبب نهجها الإسلامى. وأغلقت صحيفة " مصر الفتاة" التى يحمل حزبها نفس الإسم، كما أغلقت جريدة " الدستور" دون أسباب واضحة، قبل أن تعود لتصدر مرة أخرى خلال العام 2005. وصادرت السلطات جريدة "الشعب" الناطقة باسم حزب العمل والتى شهد إغلاقها أحداثاً درامية، حيث تم إغلاق الجريدة والحزب فى أحداث وليمة لأعشاب البحر الشهيرة، وكان حزب العمل قد شهد علاقة توأمة مع الإخوان المسلمين وهو ما أغلق النظام بسببه الجريدة. كما شهد حزب الوفاق القومى وجريدته " القرار " نفس التعامل مع حزب العمل فقد أغلق الحزب بعدما أغلقت الجريدة وذلك بسبب استنساخ حزب الوفاق القومى لأسلوب ونهج حزب العمل ونفس نهج جريدة الشعب. وتتشابه الجريدتان فى الحصول على أحكام عديدة لعودتهما، غير أن السلطات ترفض عودتهما.
كما شهد عام 1994 خلافًا حادًّا بين المجلس الأعلى للصحافة، وهو هيئة رسمية تابعة لمجلس الشورى ويرأسها رئيس مجلس الشورى ذاته، وغالبية الصحفيين؛ إذ دبّ الخلاف في شهر سبتمبر 1994 حينما أصدر المجلس قرارًا تضمن بأن تبحث لجنة الصحافة والصحفيين مدى التزام الصحيفة ببرنامج الحزب ومبادئه، وذلك بالنسبة للصحف التي حصلت على تراخيص من الخارج وتصدر في مصر.بدورهم رأى الصحفيون في القرار وصايةً من المجلس الأعلى للصحافة على الصحافة الحزبية، وذلك على خلاف ما ينص عليه الدستور من أنّ "الصحافة سلطة شعبية مستقلة (..)، وأنّ حرية الصحافة مكفولة، والرقابة عليها محظورة، كما أنّ إنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإداري محظور".
وعقد مجلس نقابة الصحفيين في أعقاب الضجة اجتماعًا طارئًا برئاسة النقيب الأسبق إبراهيم نافع طالب فيه بإطلاق حرية إصدار الصحف، وحماية حقها في التعبير الحرّ؛ لأنها الضمان للاستقرار السياسي.كما طالب مجلس النقابة بعدم اتخاذ أية تعديلات قانونية تمسّ الصحافة والصحفيين بعيدًا عن مجلس النقابة، وناشد المجلس كافة الهيئات المعنية عدم التدخل في سياسات الصحف أو فرض قيود جديدة مخالفة للقوانين واللوائح المنظمة التي كفلتها. وهو الأمر الذي لم يستطع المجلس الأعلى للصحافة الصمود أمامه كثيرا . ومن أبرز الأزمات الصحافية في عهد مبارك ازمة القانون 93 لعام 1995، بتغليظ العقوبة على جرائم النشر، والذى مثل ذروة الصدام بين الطرفين، وأسفر الصراع والمفاوضات فى هذا الإطار عن إلغاء القانون المذكور واستبداله بالقانون 96 لعام 1996. وقد جاء هذا القانون على خلفية تمرد قوى سياسية ومجتمعية عديدة على استمرار النظام فى تعقيد وخنق الحريات منذ نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، الأمر الذى هدد بتوسيع الهامش الديمقراطى، وهو ما أزعج النظام الحاكم، الذى قام "بتفصيل هذا القانون"، وما يؤكد على ذلك أن هذا القانون جاء فى سياق حزمة من التشريعات التى هدفت إلى تثبيت استقرار الهامش الديمقراطى عند وضعه الكائن حينئذ، ومن هذه التشريعات القانون 100 لعام 1993، والخاص بتعديل قانون النقابات المهنية والقانون رقم 108 لعام 1992، بشأن تعديل قانون الأحزاب السياسية. وعلى الرغم من أن القانون 96 لعام 1996، كان أفضل حالاً من القانون 93 لعام 1995، إلا أنه تضمن سلبيات قاتلة، ومن هذه السلبيات :
- صادر القانون حرية الأفراد فى إصدار الصحف وقصر ذلك على الأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة، ولم يجيز القانون لجميع الأشخاص الاعتبارية الخاصة تملك الصحف، وقرن ذلك بشكل قانونى محدد هو شكل الشركات المساهمة، وفقاً لنص المادة.
- أعطى القانون للمجلس الأعلى وحده سلطة إصدار تراخيص الصحف الجديدة، وهذا المجلس وبالنظر إلى طريقة تشكيله، لا يعدو إلا أن يكون الجهة الحكومية المسئولة عن الصحافة فى مصر، حيث يتم تشكيله بموجب قرار من رئيس الجمهورية، ويتولى رئاسته رئيس مجلس الشورى، وذلك بالتعرض مع المعمول به فى معظم مجالس الصحافة فى العالم، حيث يكون رئيس المجلس عادة من غير العاملين فى الصحافة، كأن يكون قاضياً ضماناً لعدالة التحكيم بين الأطراف المتنازعة، فى حين أن رئيس المجلس فى مصر هو نفسه رئيس مجلس الشورى، وهو أحد مؤسسات الدولة، وهنا عادة ما يكون المجلس عائقاً أمام صدور صحيفة معينة ترفضها الاعتبارات السياسية والتوجهات العامة للسلطة الحاكمة، وهذا الأمر يحد بداية من أن يكون لمختلف التيارات السياسية صحفها التى تعبر عن توجهاتها المختلفة. وفضلاً عن القيود القانونية، فإن الممارسات الواقعية للسلطة السياسية تكشف عن محدودية أكثر لنطاق الحرية الذى تعمل خلاله الصحافة، وترتبط هذه الممارسات بالإجراءات الاستثنائية التى تتم خارج إطار المشروعية.
إلا أن ذلك لا ينفي الخطوات الإيجابية التي اتخذت في اتجاه توسيع هامش حرية الصحافة ودورها في ممارسة دور في عملية التحول الديمقراطي التي تجري حاليا كان من بين هذه الخطوات أنه عام2004 شهد ظهور صحف ذات سحنة سياسية ليبرالية. فعلي سبيل المثال، أصدرت "المصري اليوم" عددها الأول في 7 يونيو 2004. وهي الجريدة التي يقف وراءها مجموعة من رجال الأعمال المصريين البارزين، وهي أول يومية سياسية يُرخَّص لها منذ 1954. وتحتوي أعمدة رئيس تحريرها أنور الهواري (سابقا) والكاتب مجدي مهنا نقدا لاذعا لنظام الرئيس مبارك. إضافة إلى ذلك اصدر حزب" الغد" الذي حصل على ترخيص في أكتوبر عام 2004 صحيفته في مارس 2005وراس تحريرها رئيس حزب الغد الدكتور ايمن نور ، وعلي ذات الخط الليبرالي عادت إلى الضوء مرة أخرى جريدة الدستور برئيس تحريرها المشاغب دائما إبراهيم عيسى بليبراليته المعروفة ومعارضته الشديدة لنظام الحكم الحالي ، كما يراس عيسى جريدة أخرى تنتهج ذات الخط وهي جريدة صوت الأمة والتي تولي رئاستها بعد استقالة عادل حموده المعروف بيساريته ، هذا الأخير سارع إلى إنشاء جريدة أخرى سماها جريدة الفجر وهي تنتهج نفس الخط المعارض للنظام
انتهاكات لحريات الرأي والتعبير :
سجلت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مجموعة من الاعتقالات المتتالية التي شملت عددا من الكتاب والصحفيين يتبنون أفكارا مخالفة لأفكار وتوجهات الدولة (معارضة موقف مصر من حرب الخليج ، معارضة موقف مصر من مفاوضات مدريد للسلام ) والغالبية العظمي منهم ينتمون إلى صحف المعارضة وقيادات الأحزاب المعارضة وقد تم توجيه تهمة عضوية تنظيمات شيوعية وحيازة وتوزيع منشورات للبعض منهم . وهذا وقد تم الافراج عنهم بعد شهر دون إجراء التحقيق معهم .كما تم احتجاز الراحل عادل حسين الأمين العام لحزب العمل ورئيس تحرير صحيفة "الشعب" السابق في أكتوبر 1993 ومعه اثنان من الصحفيين بالجريدة، هما صلاح بديوي وعلي القماش؛ بسبب موضوعات منشورة، وخضع المحتجزون للتحقيق.
وانتقد مجلس النقابة في بيان له "ممارسات نيابة أمن الدولة التي لم تراعِ الضمانات التي كفلها قانون النقابة رقم 76 لسنة 1970، والذي ينص على عدم الحبس الاحتياطي للصحفي أو الإفراج عنه بكفالة مالية"، على حد تعبير المجلس الذي ناشد في بيانه الصادر في 12 أكتوبر 1993 "كافة الجهات عدم المساس بأمن الصحفيين وحرياتهم أو فرض قيود على أفكارهم وآرائهم".
كما أدانت لجنة الحريات بالنقابة ممارسات أمن الدولة، ورأت فيها "انتهاكًا خطيرًا وغير مسبوق لحرية الصحافة التي كفلها الدستور"، ودعت للكفِّ عن هذه الممارسات "وإلا استخدم الصحفيون وسائلهم المشروعة، بما فيها الاعتصام والإضراب عن الطعام"، كما قالت.
واشتكى ممثلو الصحفيين من "عدة مخالفات للقواعد المتبعة" تخللت التحقيقات مع الصحفيين التابعين لجريدة "الشعب"، فقد تطرق وكيل النيابة إلى الموقف السياسي للصحفيين المحتجزين وأفكارهم بما يخالف الدستور، وقد تم الإفراج عن الصحفيين المحتجزين فيما بعد بكفالات مالية تتراوح ما بين خمسمائة وألفي جنيه.
كما حققت النيابة مع مجدي حسين رئيس تحرير الشعب بسبب مسئوليته عن نشر الموضوعات التي حققت فيها النيابة مع الصحفيين، والتي تتصل بوازرة الزراعة ومدى تعاونها مع الدولة العبرية، بالإضافة إلى قضية الإرهاب. وأُنزلت بمجدي حسين عقوبة السجن لمدة عامين ومعه الصحفي صلاح بديوي ورسَّام الكاريكاتير عصام حنفي في قضية وزير الزراعة يوسف والي، بعد أن اتهمته جريدة "الشعب" بالخيانة لتعامله مع تل أبيب، واستيراد بذور فاسدة منها.
وتعدى أمر سجن الصحفيين في جرائم نشر عبر القضاء العادي؛ ليتم حبسهم عبر القضاء العسكري أيضاً، ففي مايو 1994 حكمت محكمة عسكرية على الصحفي عبد الستار أبو حسين المحرر العسكري لجريدة "الشعب" المعارضة بالسجن لمدة عام وغرامة مالية بسبب "مخالفة صحفية". وقد استمر حبس الصحفي عبد الستار ثلاثة أشهر فقط، بعد أن تم تخفيض مدة العقوبة التي قضاها في سجون مدنية وعسكرية. وبدورها احتجت النقابة على هذا الإجراء وعقدت اجتماعات للاحتجاج على حبس الصحفي، ومحاكمته أمام محكمة عسكرية لأول مرة، ورأت في الأمر مخالفة لكل ضمانات وقوانين الصحافة.
وخلال نفس الشهر أيضًا جرى اعتقال الصحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط إبراهيم سعد؛ إذ احتجز عدة أيام بمبنى مباحث أمن الدولة بعد اقتحام منزله والقبض عليه، وتعرض لمعاملة سيئة، وعقدت لجنة الحريات بالنقابة مؤتمرًا لمناصرته في السابع من يونيو 1994.
كما خضع صحفيون في صحف "الأهرام"، و"العربي"، و"الأحرار"؛ للتحقيق بسبب قضايا نشر، وتم حبس بعضهم احتياطيًّا، فيما اشتكى عشرات الصحفيين من الاعتداء عليهم بالضرب وتكسير الكاميرات أو انتزاعها منهم عند تغطية أحداث معينة بواسطة رجال الشرطة.
حق الاقتراب من المعلومات :
يقاس مدى التقدم في التطور الديمقراطي من خلال حق كل الاطراف في الوصول إلى مصادر المعلومات والسماح لشتى الاتجاهات بمخاطبة الرأي العام في وسائل الإعلام ، واهم ما يلاحظ بهذا الخصوص هو أن احتكار الدولة للاذاعة والتليفزيون من خلال ملكيتها لهما قد ادى إلى ترجيح كفة الحزب الوطني الحاكم في مخاطبته للرأي العام وحرمان احزاب المعارضة وقياداتها من التوجه للجماهير وهذا الموضوع علي درجه عالية من الأهمية في مجتمع ترتفع فيه نسبة الامية إلى اكثر من 50% وبالتالي توفر صحف هذه الأحزاب هو أمر غبر كاف لطرح أفكارها علي الرأي العام خاصة وان دائرة توزيع هذه الصحف محدودة وقد مثلت هذه القضية أحد محاور الخلاف بين أحزاب ا لمعارضة والدولة التي يتكرر إثارتها في فترات الانتخابات البرلمانية إذ يتوفر للحزب الحاكم حق مخاطبة الرأي العام من خلال الإذاعة والتليفزيون وأحيانا الدعاية الانتخابية بينما لا تتوفر نفس الحقوق لأحزاب المعارضة (15 دقيقة فقط لعرض البرنامج الانتخابي) كذلك من مؤشرات تقييم حريات الرأي والتعبير والاقتراب من المعلومات حق كل الصحفيين والكتاب بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية في الحصول علي المعلومات من مصادرها وتغطية الأخبار ، إلا أن الواقع يشهد نوعا من التمييز في الحصول علي هذا الحق بين الصحف الحزبية والمعارضة من جانب والصحف القومية وجريدة مايو الناطقة باسم الحزب الوطني من جانب آخر . مما جعل هذا التمييز موضع نقد دائم لأجهزة الدولة من جانب الصحف الحزبية والتي تري إنها تعبير عن انحيازها للحزب الوطني الحاكم .
الصحافة المصرية وانتخابات الرئاسة :
لا نستطيع أبدا أن نتحدث عن الصحافة المصرية ودروها في عملية التطور الديمقراطي دون التطرق لقضية انتخابات الرئاسة المصرية ، وذلك لاعتبارين هامين أولهما إنها أول انتخابات رئاسية تجري في مصر منذ أن وحد الملك مينا القطرين الشمالي والجنوبي عام 4500 ق م ، أما الاعتبار الثاني إنها شكلت اختبارا حقيقيا لمدي الاستقلالية التي تتمتع بها الصحف الحكومية – القومية- كذلك شكلت اختبارا للصحف التي تطلق علي نفسها مستقلة .
بداية يلاحظ أن الانتخابات جرت في جو صحفي كاد أن يقسم فيه رؤساء تحرير الصحف قبل بداية الحملات الانتخابية في ان إدارتهم لها سوف تكون نموذجا للتناول الديمقراطي ، إلا انه مع بداية الانتخابات وبداية الحملات الانتخابية تحديدا إذا بالجميع يخلع أقنعته ،و مع إعطاء التبرير للصحف الحزبية باعتبارها صحف ناطقة بلسان حال أحزابها فان الأمر مع الصحف القومية والمستقلة مختلف تمام الاختلاف ، فالصحف القومية هي من أملاك الشعب ويعين رؤساء تحريرها من هيئات عامة تتبع الشعب (مجلس الشورى والمجلس الاعلي للصحافة) وبالتالي فان أي موقف تتخذه ينبغي أن يكون انعكاسا للواقع الموجود في الشارع المصري دون تضخيم أو تقزيم لهذا الواقع ، ودون التحيز لمرشح علي حساب مرشح آخر ، الآن انه بمجرد بدء الحملة الانتخابية وجدنا الصحف القومية وقد لبست عباءة الحزب الحاكم مهللة لمرشحة الذي هو في ذات الوقت رئيس الجمهورية ، وقد كان في تبريرها لذلك أن الصحافة تبحث دائما عن الخبر الأكثر جاذبية للقارئ، وكأن القارئ قد اصبح في نهم لمعرفة أخبار جولات رئيس الجمهورية الانتخابية حيث لم يكتف بمتابعة تحركاته علي مدى أربع وعشرين عاما هو عمر وجوده في السلطة ، أو كان الآخرين من مرشحي الأحزاب الأخرى لا يملكون أي ميزة تجعلهم ولو في يوم واحد فقط محط أنظار الصحف القومية .ولعل التقرير الذى وضعه المرصد الإعلامى بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حول الدعاية الانتخابية كان راصدا موضوعيا لوضعية الصحافة وموقفها من انتخابات الرئاسة فقد أكد على أن الصحافة المملوكة للدولة اتسمت بقدر عالى من التحيز لرئيس الجمهورية، وإن كانت الصحف اليومية هى الأكثر تحيزاً فى هذا المجال. ففيما يتعلق بمساحة التغطية المخصصة للمرشح / الرئيس حسنى مبارك بلغ تحيز الصحف اليومية أقصاه فى جريدة الجمهورية التى خصصت 65% من إجمالى المساحة التى خصصتها لتغطية المرشحين المتنافسين لمرشح الحزب الوطنى، بالإضافة إلى 9% أخرى خصصتها لتغطية أخبار الرئيس حسنى مبارك أثناء تأدية عمله كرئيس للجمهورية، أما جريدة الأهرام التى خصصت 57% من مساحتها لتغطية الأنشطة الانتخابية للمرشح حسنى مبارك، بالإضافة إلى 12% من مساحتها لتغطية أدائه لمهامه كرئيس للجمهورية، وهى نفس النسب التى توزعت بها تغطية جريدة الأخبار للحملة الانتخابية للرئيس مبارك، وإن كانت الأخيرة قد زادت قليلاً من النسبة التى خصصتها لتغطية أنشطته كرئيس للجمهورية. وتعددت صور وأشكال الخروقات والتحيز، خاصة توسع الصحف القومية فى استخدام الصور ذات الطابع الإنسانى المؤثر لصالح مرشح الحزب الوطنى وبمساحات كبيرة فى صدر الصفحة الأولى، وهو الأمر الذى لم يتم مع باقى المرشحين كما تمادت فى كتابة تعليقات دعائية لصالح مبارك كمرشح فى النصف الأول من الصفحة الأولى فى معظم الصحف القومية، مع غياب أو اهتمام رمزى بالمرشحين الآخرين. إلى جانب تعمد نقد الجماعات المعارضة والمقاطعين للانتخابات ونقل أخبارهم بصورة سلبية. وقد تميزت فى ذلك جريدة روز اليوسف اليومية، والتى تمادت فى تشويه صورة حركة كفاية وبعض منافسى الرئيس مبارك. وفى مثال يثير الدهشة قامت صحيفتان قوميتان بنشر موضوع يحمل ذات المحتوى مرتين، فقد نشر ملحق الرسالة الخاص بجريدة الأهرام وجريدة روز اليوسف فى 17 أغسطس موضوعين يحملان نفس المحتوى الذى يحمل انتقاداً لمرشح حزب الغد الأول جاء بعنوان "الدساتير ليست كلمات متقاطعة"، والثانى بعنوان " كشف المستور فى دستور أيمن نور"!، وقد وصل الأمر بجريدة أخبار اليوم بتاريخ 3 سبتمبر أن نشرت فى صفحتها الأولى خبراً يؤكد فوز مبارك فى الانتخابات واستبعاد حدوث جولة إعادة. جاء الخبر بعنوان " الرئيس المنتخب يؤدى اليمين الأسبوع المقبل" فقد ورد فيه أن "فرص الإعادة بين المرشحين قليلة نتيجة للتأييد القوى الذى تأكد من المواطنين فى مختلف المحافظات لمرشح الحزب الوطنى بما يرفع أسهمه للفوز بالرئاسة". ولم يمنع هامش الحرية المحدود من الاعتداء على حرية الرأى والتعبير عبر حظر نشر مقالات الكتاب فى صحيفة الأهرام، فبتاريخ 15/8/2005 تم مصادرة المقال الأسبوعى للدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام، والذى نشر بعد ذلك فى جريدة نهضة مصر بتاريخ 17/8/2005 تحت عنوان " الانتخابات وحقوق الإنسان"، وحجب المقال الأسبوعى لصلاح الدين حافظ بعنوان " الحياد المزيف " وقد نشر بجريدة العربى الناصرى بتاريخ 28/8/2005.
ورغم صدور هذا التقرير في منتصف الحملة الانتخابية ، إلا أن ذلك لم يثن الصحف القومية عن خطها الذي تبنته منذ بدء الحملة الانتخابية.
أما الصحف المستقلة ، فانه وللأنصاف ينبغي القول إنها كانت علي خط نقيض مع الصحف القومية ففي حين حاولت الصحف القومية الإشادة برئيس الدولة الذي هو مرشح الحزب الحاكم فان الصحف المستقلة لم تجد من المرشحين العشرة سوى شخص رئيس الجمهورية لكي تكيل له الانتقادات وكأنها قد وجدت الفرصة المناسبة من اجل تخليص ثأرها من 24 عاما من حكمه ، وقد قادت هذا الحملة جريدة الدستور ورئيس تحريرها إبراهيم عيسى الذي يبدو انه اخرج في هذه الحملة كل مخزونة من الانتقادات لنظام حكم الرئيس مبارك علي مدى الفترة الطويلة التي حكم فيها البلاد .
وهكذا أدارت الصحف القومية والمستقلة حملة الانتخابات الرئاسية بقدر كبير من التحيز لمرشح علي حساب مرشح آخر ، الأمر الذي يدفعنا للتأكيد علي أهمية وجود معايير موضوعية تحكم عمل الصحافة تجاه أي قضية وليس انتخابات الرئاسة فقط بعيدا عن الانتماءات الحكومية أو تصفية الحسابات السياسية .
ما العمل :
في هذا الإطار يمكن بلورة عدد من المبادئ التي يجب أن تحكم التشريعات في مجال الصحافة في مصر في عصر ثورة المعلومات أو بمعني أدق إذا أردنا دورا فاعلا للصحافة في مجال عملية التحول الديمقراطي وذلك حتى يرتفع التناقض بين التشريع الذي يرتكز على قيمة السلطة وبين التطور التكنولوجي الذي يدعم قيمة الحرية ويمكن بلورة هذه المبادئ التشريعية المقترحة فيما يلي :
1- حرية إصدار الصحف :
وهذه هي المقدمة الأولى التي عليها تقوم الحريات الأخرى المرتبطة بالصحافة ، ورغم مشروعية بعض التخوفات التي تجعل المشرع مترددا من إطلاق حرية تملك الصحف ، من ذلك التخوف من سيطرة راس المال الأجنبي والمصالح المالية علي الصحافة الوطنية ، إلا أن القيود التي تحكمها هذه التخوفات أصبحت قيودا بغير جدوى والحل أن نحفز الثقافة والإعلام الوطني علي الازدهار بان ندع كافة الزهور تتفتح ليورق منها ما يورق ويذبل منها ما يذبل في إطار تشريعي عام من الحفاظ علي مقدسات المجتمع وأخلاقياته . فإطلاق حق إصدار الصحف للأفراد والشركات يؤدي الي خلق بيئة تنافسية خلاقة تخدم الفرد والمجتمع والصحافة، وتفعل دور التنظيم النقابى الصحفى خاصة فى التشريع الصحفى والممارسة المهنية، كما انه من الاهمية النظر للنقابة باعتبارها بيت الخبرة، خاصة فى إرساء مفاهيم جديدة قديمة مثل : أخلاقيات الإدارة الصحفية، المصلحة العامة، أخلاقيات المال، توازن القوى الداخلية فى المؤسسة الصحفية. ويستلزم ذلك تكليف مجلس النقابة بمتابعة إجراءات إعادة عرض مشروع القانون الذي أعدته النقابة إلى مجلس الشعب، بشأن تعديل بعض أحكام قوانين الصحافة والمطبوعات والعقوبات، وخاصة ما يتعلق منها بعبء الإثبات فى صحة الخبر، وحسن النية فى جريمة القذف، والفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق فى جرائم النشر واختصاص محاكم الجنايات بهذه الجرائم. وللتأكيد على أن ضمان حرية الصحافة وتوفير متطلبات نهوضها هو المقدمة الضرورية لبناء ديمقراطي يتمتع بالمصداقية ويعزز استقلال الوطن ونهضته.
2- تامين حق الصحفيين في الحصول علي المعلومات من مختلف مصادرها دون قيود وبضمانات قانونية :
حتى تعمل مجتمعات المعرفة بصورة فعالة فلا بد من تبادل المعلومات بصورة حرة ونشر المعلومات والأفكار والمعرفة على نطاق واسع، من خلال وسائل الإعلام التقليدية و من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة على حد سواء. وفي هذا السياق فإن حرية التعبير والتداول الحر للمعلومات والأفكار والمعارف والانتفاع الحر والمتكافئ بها، تشكل عناصر أساسية لتمكين الناس وضمان مشاركتهم في مجتمعات المعرفة. وهذا المبدأ هو وحده الكفيل بان تكتسب حرية الصحافة والإعلام مضمونا حقيقيا فدون إمكانية الحصول علي المعلومات تفقد الصحافة مقوماتها كصحافة خبر بل وكصحافة رأي لان الرأي الذي لا يستند إلى المعلومات الصحيحة الموثقة هو رأي فاسد أو علي احسن تقدير ساذج . ولقد تضمنت التشريعات في مصر كما أسلفنا علي حق الصحفي في الحصول علي المعلومات إلا انه يؤخذ عليها أمران : أولهما الافتقار إلى آلية موثوق بها تضمن للصحافي فعالية الحق في الحصول علي المعلومة ، وثانيهما التوسع الذي أشرنا إليه بفرض السرية علي قطاع هائل من المعلومات بزعم تعلقها بالأمن القومي في الوقت الذي أدي فيه التقدم الهائل في وسائل الرصد والمراقبة إلى اختراق كثير من المعلومات ذات الطابع الأمني والعسكري بحيث أصبحت متاحة في علانية يتم تحليلها في مراكز الاستخبارات والأبحاث العسكرية والاستراتيجية ، والخشية أن يقتصر نطاق السرية علي المواطنين علي المستوى المحلي وان ينقشع علي المستوى الدولي الذي تنتهك فيه كثير من الحجب والأسرار .وكما أسلفنا القول فان تقييد حق الحصول علي المعلومات على المستوى الوطني وإحاطة ذلك بمحظورات مبالغ فيها ، من شانه أن يحول الصحافة الوطنية إلى صحافة مستهلكة لما تنتجه آلة الإعلام الأجنبي في عصر التطور المعلوماتي التقني دون أن تكون قادرة علي المساهمة في إنتاج المعلومة من منظور وطني . لذلك ينبغي إلغاء القوانين التى تحجب المعلومات، ، وإسقاط الإجراءات التى تعرقل حرية انسياب هذه المعلومات فى الدولة والمجتمع. وإلغاء كل أشكال الرقابة على النشر وتداول المطبوعات وضمان حرية الإبداع الفكرى والفنى والثقافى، وتمكين كل التيارات الفكرية والسياسية من ممارسة حرية التعبير عن نفسها، عبر وسائل الإعلام والاتصال – خاصة ذات الأثر الجماهيرى – كالإذاعة والتليفزيون، وتخفيف قبضة الدولة المطلقة عليها. والتصديق على البروتوكول الاختيارى الملحق بالعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 1966، وإعمال المادة 151 من الدستور التى تنص على إعطاء الاتفاقيات الدولية وضع التشريع المحلى، ومراجعة التشريعات المصرية فى ضوء الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر، لإسقاط النصوص المجحفة والمواد المتعارضة وقد يكون من المفيد في هذا الإطار أن يتدخل المشرع بوضع تعريف منضبط لما يعد من المعلومات سريا لا يجوز نشرها ولا يترك ذلك لمطلق تقدير أجهزة الدولة مع وضع حد زمني أقصى تصبح بعده الوثائق السرية متاحة للجميع .
3- إلغاء المسئولية الجنائية عن أفعال النشر :
أن من شان الإفراط التشريعي القائم في رصد همسات التعبير عن الرأي وما تنشره الصحافة والإعلام من الأخبار والمعلومات والآراء أن يؤدي إلى إحدى نتيجتين لا ثالث لهما : فإما أن تصمت كافة الأفواه وتتحول الأقلام إلى أبواق للدعاية الزائفة للنظام الحاكم وهذا هو الحادث فعلا في عدد من البلدان العربية ، وفي هذه الحالة يعيش المواطن خارج ثقافة العصر بل خارج تقنيات العصر الذي لا تخفي فيه خافية ، وتنكشف كافة الحجب والأسرار ، وآما أن تتغاضى السلطات عن تطبيق التشريعات الصارمة تأمينا لسيادة جو ليبرالي ولو محدود . وفي هذه الحالة تصبح التشريعات نصوصا عاجزة تسقط معها هيبة التشريع والقانون ، بل وهيبة السلطة العامة ككل . انه من الاهمية النص صراحة في الدستور على عدم جواز التحقيق مع المتهمين، فى قضايا الرأى والفكر، إلا بمعرفة قاض من قضاة التحقيق الطبيعيين.
4- حظر الرقابة المسبقة واللاحقة على الصحف وحظر المصادرة والإغلاق الإداريين :
فهذه الممارسات تنتمي إلى عصر كانت الدولة الوطنية فيه صاحبة السيادة المطلقة علي مصادر البث الإعلامي وعلى مضمون الرسالة الإعلامية ، أما الآن حيث فقدت الدولة الوطنية هذه السيادة بحكم تقنيات الإعلام العابر لقارات فان هذه الممارسات تصبح نوعا من العبث الذي لا تجنى منه الدولة الوطنية إلا سوء السمعة علي الساحة الدولية .
5- الحماية التشريعية للحقوق المهنية للصحفيين :
لا بد أن يتضمن أي تشريع منظم لمهنة الصحافة النص علي الحماية للحقوق المهنية للصحفيين واهم هذه الحقوق ما يلي :
- استقلال الصحفي في ممارسة مهنته
- إلا يكون الصحفي عرضه للعقاب أو الايذاء أو المساس بامنه بسبب ممارسة مهنته .
- عدم جواز إجبار الصحفي على إفشاء مصادر معلوماته ولو بمناسبة تحقيق جنائي .
- حق الصحفي في الحصول علي المعلومات من مصادرها الأصلية .
- حق الصحفي في فسخ عقد عمله مع صحيفته بإرادته المنفردة إذا طرأ تغير جدي علي سياسة الصحيفة بما يخالف معتقدات الصحفي .
- تامين الصحفي ضد الفصل من صحيفته دون ضمانات قانونية وقضائية مع إخطار نقابة الصحفيين .
6- النص التشريعي علي واجبات الصحفيين وتقرير حق نقابتهم المستقلة وحدها في مساءلتهم التأديبية :
وكما أن للصحفيين حقوقا مستمدة أساسا من ضمانات حرية الرأي والتعبير فان عليهم واجبات بعضها تنص عليها التشريعات في صلب موادها والبعض الآخر مستمد من أخلاقيات ممارسة المهنة وتنص عليها مواثيق الشرف الصحفية .هذه الواجبات كانت واضحة في ذهن المشرع الدولي عندما نصت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية علي ما يلي " وقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948 على أن "لكل شخص الحق فى التمتع بحرية الرأى والتعبير ويشمل هذا الحق حريته فى اعتناق الأفكار دون مضايقة، وفى التماس الأنباء أو الأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأى وسيلة ودون اعتبار للحدود وتتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة ، وعلي ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدده بنص القانون وان تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة والآداب العامة " وواضح أن المادة 19 سالفة الذكر تتحدث عن القيود القانونية وطبيعة وحدود هذه القيود . ونستطيع أن نضيف إلى هذه القيود القانونية ما نصت عليه المادة 20 من نفس العهد بقولها : 1- تحظر بالقانون أي دعاية للحرب .
2- تحظر بالقانون أية دعوى إلى الكراهية العرقية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا علي التمييز أو العداوة أو العنف .
هذا عن الواجبات القانونية أي الواجبات التي يمثل الإخلال بها سببا للمساءلة القانونية أيا كان نوعها . أما عن القيود الأخلاقية فهي في نظرنا اجل واخطر شانا في تنظيم مهنة الصحافة في مجتمع ديمقراطي حر . ومن شان استقرارها وتراكمها أن تنحسر فعلا دائرة القانون وقواعده عن الانطباق علي سلوك الصحيفة لتحل محلها دائرة الأخلاق والأعراف ، ورغم التسليم بالأهمية القصوى التي تكسبها مواثيق الشرف الصحفية التي تضعها نقابات الصحفيين وتساءل أعضاءها مهنيا وتأديبيا علي الإخلال بها فان الالتزام الطوعي عن طريق العادة السلوكية لجماعة الصحفيين بهذه المواثيق هو الضمان الأكبر لاستقامة الأداء الصحفي . وتبدو ولاية نقابة الصحفيين وحدها في محاسبة الصحفي عن إخلاله بأعراف وتقاليد وأخلاق المهنة وأدائها أمر ذا أهمية قصوى فلا يمكن أن تسلم لأية جهة إدارية بأي اختصاص في تأديب الصحفي مهنيا وآلا لسلمنا بسلب ولايتها وسلب الصحافة استقلالها وسلب الصحفي حريته . وترتبط بذلك قضية استقلال نقابة الصحفيين ، ولهذا الاستقلال مقومات كثيرة أهمها الناي بها عن تدخلات الجهة الإدارية ومختلف جماعات الضغط الرسمية وغير الرسمية في المجتمع ، وان يكون الانضمام إلى عضوية نقابة الصحفيين للصحفيين وحدهم دون عيرهم وفقا لمعايير قانونية منضبطة وان تكون للنقابة الولاية الكاملة علي جدولها من حيث قبول أعضاء جدد وتدريبهم وتصنيف الأعضاء وتأديبهم واستبعادهم من جدول النقابة وان يحظر الاشتعال بالصحافة علي غير أعضاء النقابة وان تتكون النقابة من عدد من الهياكل التنظيمية المتدرجة والنوعية عن طريق الانتخاب الحر .
6- حق الرد : يعتبر حق ذوي الشان ممن تناولهم النشر الصحفي في الرد علي ما نشر بشأنهم في ذات الصحيفة وفي نفس المكان ونفس المساحة من الضمانات التشريعية لحماية سمعة الأفراد وكرامتهم من ناحية ولتأكيد قيمة الحوار الديمقراطي من ناحية ثانية ولتصحيح تجاوزات النشر القانونية أو الأخلاقية من ناحية ثالثة . وقد تضمنت كثير من التشريعات النص علي حق ذوي الشان في الرد من حيث شروطه وكيفية ممارسته والآثار المترتبة من حيث المسئولية القانونية .
7- الحرية الدستورية وليس الحرية القانونية للصحفيين :
يتضمن الدستور المصري نصوصا تؤكد علي حرية الصحافة ولكن هذا الدستور يتضمن أيضا نصوصا تحيل للقانون العادي في تنظيم حرية الصحافة وقد تخول بعضها للمشرع صراحة سلطة وضع قيود علي هذه الحرية في أوقات الطوارئ والحرب ، والواقع التشريعي المصري بشهد علي إفراط المشرع في تقييد حرية الصحافة بمختلف جوانبها بدءا من حرية إصدار الصحف حتى التوسع في جرائم النشر حتى إجازة فرض الرقابة خاصة في حالات الطوارئ التي قد تمتد عقودا حتى الإغلاق والمصادرة . ومن هنا فمن المناسب تشريعيا الارتقاء بالحماية التشريعية لحرية الصحافة إلى مستوى الحماية الدستورية بان ينص الدستور علي حرية الصحافة علي نحو مفصل يبين موقف الدستور من الرقابة والوقف إلى الإلغاء إذا امتدت حالة الطوارئ خارج حدود زمنية معينة وموقف الدستور من حظر المساءلة الجنائية عن أفعال النشر في الصحف إلا أن سوء النية وخروج الصحفي خروجا صارخا عن مقتضى الواجب الوظيفي في تحري الدقة والموضوعية والامانه وان هدفه الأساسي أن لم يكن المصلحة العامة بل التشهير بالآخرين وهذه كلها أمور تحتاج إلى صياغات قانونية تشريعية منضبطة تختلف باختلاف الدساتير والتشريعات . وما نود أن نؤكده هنا أن الارتقاء بمستوى الأداة التشريعية التي تنص تفصيلا علي ضمانات حرية الصحافة من شانه أن يصون هذه الحرية من الاعتداءات التشريعية . وبالتالي فانه من الضروري إجراء تعديلات على نص المادة 47 من الدستور، حيث أنه يعاب عليها تركها لمسألة تنظيم حرية الرأي والتعبير للمشرع العادي دون أن يضع ضوابط لهذا المشرع، مما أدى إلى صدور العديد من التشريعات التي لم تنظم سبل التمتع بتلك الحرية، إنما هدفت تلك التشريعات إلى وأد حرية الرأي والتعبير من خلال حظرها لكافة صور التعبير عن الرأي .
8- إنهاء حالة الطوارئ التي تعتبر إحدى أهم الأسباب انتهاك حرية الرأي والتعبير، فمن خلال قانون الطوارئ يحق للسلطة التنفيذية أن تتخذ ما يحلو لها من إجراءات تعسفية، ولعل ما يجعل الأمر أكثر سوء هو أن م 48 من الدستور أجازت متى أعلنت حالة الطوارئ فرض الرقابة على الصحف والمطبوعات بل قد خولت للسلطة التنفيذية حق مصادرة المطبوعات والصحف وإغلاقها وإن حددت هذه المدة بالأحوال التي تتصل بالأمن العام، إلا أن قانون الطوارئ الحالي قد توسع في مادته الثالثة وأباح للسلطة التنفيذية حق المصادرة والمنع والإغلاق وحرر تلك السلطة من القيد الدستوري. هذا بخلاف ما يتيحه قانون الطوارئ من إمكانية القبض العشوائي والاحتجاز والاعتقال.
وهكذا فانه ما من شك في أن ثمة العديد من المبادئ الأخرى التي يجب أن يتضمنها أي تشريع للصحافة يراعي من ناحية ثقافة حقوق الإنسان التي تحكم العصر ويراعي من ناحية أخرى التطورات التكنولوجية الهائلة في تقنيات الاتصال والإصدار الصحفي والبث الإعلامي . أما إذا آثر المشرع أن يبقي الحال علي ما هو عليه مسلحا بمجموعة من النصوص القاهرة للحريات العامة والحقوق الأساسية غريبا عن ثقافة عصره وعن تقنيات هذا العصر وهذا هو الغالب فهو وشانه ولكن سيكون لحركة التاريخ والتقدم شانا آخر .
وأخيرا ،لقد لعبت الصحافة دورا كبيرا ومؤثرا في كافة مراحل عمر الدولة المصرية ، إلا انه قد أن لها الآن أن تقود عملية تحول ديمقراطي حقيقي في مصر ، تكون هي محركته، واضعه في اعتبارها إنها الأقرب الآن إلى مشاكل المواطن وهمومه مبتعدة كل البعد عن توازنات ساسة الداخل ومصالح ساسة الخارج الأمر الذي يضعها أمام مسئولية تاريخية تحاسب عليها أن قصرت ، ويرفعها المجتمع إلى اعلي المراتب إن أصابت . ولقد حاولنا في الصفحات السابقة إجمال وضع الصحافة في مصر وما يحيط بها من عراقيل وقيود إلا إننا لم نكتف بذلك بل أضفنا ما يجب علي الدولة القيام به من اجل أن تأخذ الصحافة دورها في إقامة مجتمع ديمقراطي اكثر عقلانية وتمكن ، إلا أن ذلك لا ينفي أبدا مسئولية الصحافة والصحفيين عن ضرورة التمسك بالواجب الذي فرضه عليها المجتمع وعدم الاكتفاء بانتظار رضاء الدولة عن الصحافة ومنحها تعطفا دورا داخل العملية السياسية ، فقدرة الصحفي تنبع من تصميمه علي إظهار الحق ، ودحض الباطل بما يؤهله إلى إيجاد صيغة واقعية تساعده علي الوصول إلى مجتمع رشيد منفتح ينشده الجميع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود